بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
قال تبارك وتعالى: ﴿.. وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ [النساء: 64]. صدق الله العلي العظيم.
فإننا لو قُمنا بقراءة النصوص الشريفة مِن القرآن والسنة نجد أن عظمة الزيارة تتجلى لنا من خلال عدة معالم:
المَعلم الأول:
أن زيارة قبر المصطفى مِن أجلى صور تكريم الرسول وتعزيره وإجلاله، فقد قال الله عز وجل:
﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157].
ومن الواضح أن تعزير الرسول هو إكرامه وإجلاله، الذي يتجسد بالمثول عند قبره .
وهل يتردد مسلم في طلب الفلاح بتعظيم نبيه الكريم وإجلاله، كما هو المطلوب منه في القرآن الكريم.
المَعلم الثاني:
أن الزيارة الشريفة لأشرف قبر هي نافذةٌ مِن نوافذ الرحمة التي تدفع البلاء وتنشر البركة وتفتح أبواب الرزق واليسر، فقد قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].
والمصطفى هو منبع الرحمة على جميع الأصعدة.. فذكره رحمة والصلاة عليه رحمة ومديحه رحمة، وزيارة قبره مظهر الرحمة.
ولا يوجد أحد على الأرض لا يحتاج ولا يفتقر إلى العناية والرحمة.
المَعلم الثالث:
أن زيارة ضريح النبي المرسل بابٌ مِن أبوابِ استمطارِ المغفرة، فقد ورد في الذكر الحكيم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ [النساء: 64].
فإن إطلاق الآية المباركة يشمل حال حياته وما بعد وفاته، فإذا كان المثول عنده طلباً للمغفرة باباً مِن أبواب ضمان الغفران وستر الذنوب ومحو الأخطاء والرذائل.
فهل توجد نعمة أعظم من هذه النعمة، فإن الكثير مِنّا مُبتلى بالذنوب والمعاصي ولا يضمن خلاصهُ منها بمجرد الندم، فلذلك ينبغي له المبادرة لهذا الباب الذي فتحه الله له لمحو الذنب وإزالة وسخ الرذيلة، وهو زيارة قبر النبي الاعظم .
المَعلم الرابع:
أن الزيارة الشريفة مفتاحٌ للشفاعة ففي رواية السَّدُوسِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: مَنْ أَتَانِي زَائِراً كُنْتُ شَفِيعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. [الكافي؛ ج4؛ ص548 ح 3، بَابُ زِيَارَةِ النَّبِيِ صلى الله عليه وآله].
المَعلم الخامس:
أن زيارة القبر المقدس صعودٌ للجنة، ففي معتبرة ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا لِمَنْ زَارَ رَسُولَ اللَّهِ مُتَعَمِّداً فَقَالَ لَهُ الْجَنَّةُ. [الكافي؛ ج4؛ ص548 ح 1].
وفي رواية الْمُعَلَّى أَبِي شِهَابٍ قَالَ: قَالَ الْحُسَيْنُ لِرَسُولِ اللَّهِ يَا أَبَتَاهْ مَا لِمَنْ زَارَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : يَا بُنَيَّ مَنْ زَارَنِي حَيّاً أَوْ مَيِّتاً أَوْ زَارَ أَبَاكَ أَوْ زَارَ أَخَاكَ أَوْ زَارَكَ كَانَ حَقّاً عَلَيَّ أَنْ أَزُورَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ أُخَلِّصَهُ مِنْ ذُنُوبِهِ. [الكافي؛ ج4؛ ص548 ح 4].
المَعلم السادس:
أنّ زيارة قبره هجرةٌ إليه، ففي رواية عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : مَنْ زَارَ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي كَانَ كَمَنْ هَاجَرَ إِلَيَّ فِي حَيَاتِي فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا فَابْعَثُوا إِلَيَّ السَّلَامَ فَإِنَّهُ يَبْلُغُنِي. [وسائل الشيعة؛ ج14؛ ص337 ب 4 ح 1 رقم 19344].
وهل يوجد شرف أعظم من شرف الهجرة إلى الرسول .
ولذلك جاء في الروايات الشريف الحث الشديد المؤكد والإلزام بزيارة الرسول ، ففي معتبرة مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ تَرَكُوا الْحَجَّ لَكَانَ عَلَى الْوَالِي أَنْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَ عَلَى الْمُقَامِ عِنْدَهُ. وَلَوْ تَرَكُوا زِيَارَةَ النَّبِيِ لَكَانَ عَلَى الْوَالِي أَنْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَ عَلَى الْمُقَامِ عِنْدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْوَالٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.[الكافي «ط - الإسلامية»؛ ج4؛ ص272 ح 1].
وهذه الرواية العظيمة واضحة الدلالة على أن زيارة الرسول من أهم شعائر الإسلام، وأنها لاتقل أهمية عن شعيرة الحج المندوب بحيث يجبر الناس عليها، فإن فيها إظهاراً لعظمة الدين وإعزازاً لشريعة الله وإحياءاً لأمر محمد وآله الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم.
فحقيقٌ بكل مؤمنٍ أن لايتخلّف عن زيارة الرسول ولو في الشهر مرة، مع مراعاة كمال الأدب والوقار والخشوع والتزام الأخوات المؤمنات مظاهر الحجاب والحشمة، فإن المُسوِّف لزيارته مع أنه قادر عليها يُعدّ جافياً مُعرضاً عن الرسول ويترتب على ذلك أعظم فادحة وخسارة، وهي جفاء الرسول له وإعراضه عنه.
فقد ورد في الحديث الشريف عَنْ أَبِي حُجْرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : مَنْ أَتَى مَكَّةَ حَاجّاً وَ لَمْ يَزُرْنِي إِلَى الْمَدِينَةِ جَفَوْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ مَنْ أَتَانِي زَائِراً وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي وَ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ مَاتَ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ - مَكَّةَ وَ الْمَدِينَةِ لَمْ يُعْرَضْ وَ لَمْ يُحَاسَبْ وَ مَنْ مَاتَ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ حُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ. [الكافي؛ ج4؛ ص548 ح 5].
وهل هناك خسران ومصيبة أعظم من جفاء الرسول لأي شخص.
وجديرٌ بأهل طيبة الطيبة مدينة الرسول صغاراً وكباراً وشباباً وذكوراً وإناثاً.. أن يُرَوا في كل يوم عاكفين على زيارة الحرم النبوي المقدس وحرم بقيع الغرقد روضة الأئمة المعصومين ، مُستقبلين لوفود الزائرين من البقاع المختلفة بأخلاقهم السامية وكرمهم الباذخ، ولا غرو فهم أهل الطيب والكرم والعطاء منذ زمان المصطفى وهم الأنصار والنجدة، وأصحاب المعصومين وخاصّتهم.
فهنيئاً لهم بهذه النعمة العظمى والكرامة التي منحها الله لهم، وهي جوار الرسول وأهل بيته الكرام ، وعكوفهم على زيارة قبره ومزيد عنايتهم واهتمامهم بزواره.
ونسألهم الدعاء فهم في مهبط الرحمة ومهد الإجابة