بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
الكتابات المسيئة للرسول وللقرآن والإسلام ليست وليدة اليوم، فالمستشرقون كتب معظمهم كتابات تحط من قدر رسول الله والقرآن والإسلام إما خدمة لأغراض استعمارية أو نتيجة لقراءات مبتسرة، ونذكر في هذا الصدد أسماء من مثل مارغوليوث، جولدتسيهر، نولدكه، لامنس، كايتاني،....
كما كتب غير المستشرقين أيضا، ولعل أشهر كتاب يذكر هنا هو كتاب «الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدس» للشاعر العراقي معروف الرصافي «1875-1945م» والذي نشرته دار الجمل في العام 2002م.
أما في الوقت الراهن فنشهد موجة من الإساءات تمثلت في الكتابات والرسومات الكاريكاتورية وفيلم «الفتنة» والتصريحات البابوية والسياسية وغيرها، وفي نفس السياق نشهد موجة من التكريم الاستثنائي في الغرب لكل شخصية تسيء للرسول والإسلام والقرآن.
فهذا سلمان رشدي صاحب رواية «آيات شيطانية» تمنحه الملكة إليزابيث لقب «فارس» الذي يسمح بتلقيبه «سير» تقديرا لخدماته الأدبية، وهذه تسليمة نسرين صاحبة رواية «العار» يقرر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي منحها جائزة سيمون دو بوفوار، وهذا مجدي علام الصحفي المصري الذي ما فتئ يكتب ضد الإسلام يعلن تنصره، فيقوم البابا بنديكتوس السادس عشر نفسه بإجراءات تعميده.
لقد تكونت لدى الإنسان الغربي العادي، للعديد من الأسباب، صورة نمطية عن الإسلام ترتبط بالإرهاب والتخلف، وعن رسول الإسلام ترتبط بالسيف والتشدد، وعن القرآن ترتبط بسلب حقوق المرأة والتشجيع على القتل.
وهنا نطرح تساؤلا: كيف يمكن أن نساهم في تغيير هذه الصورة وإحلال الصورة النقية للنبي وللإسلام في أذهان الغربيين؟
قد يطرح البعض أسلوب مقاطعة بضائع الدول التي تسيء صحفها وإعلامها للإسلام، وهو أسلوب قد يساهم في الحد من ظاهرة الإساءة ولكنه لا مدخلية له في تغيير الصورة.
إنني أعتقد أن تغيير الصورة يتم عن طريق عمل دؤوب مخطط يركز على التالي:
1- إنتاج النموذج الذي يعبر عن الإسلام بصورة صحيحة على مستوى الفرد وعلى مستوى الدولة:
فلا يكفي أن نردد صباح مساء أن الإسلام دين الطهارة المادية والمعنوية وأنه يحث أتباعه على إتقان العمل وجودته وأنه دين الرحمة والإنسانية، وأنه يكرم الإنسان أعظم تكريم، وأنه يقدر العلم والعلماء، وأنه...، وأنه...
لا يكفي أن نقول ذلك لتتغير الصورة، لأن واقعنا يقول العكس تماما، حيث إنتاجنا من أدنى المستويات في العالم كما وكيفا، وحيث الفساد المالي والإداري بكل مفرداته من رشاوى وسرقات وتلاعب بالمال العام ومحسوبيات وغير ذلك يستشري في كل مفاصل حياتنا بدليل الوجدان الذي تؤكده تقارير منظمة الشفافية الدولية. أما الإنسان واحترام حقوقه فالعالم الإسلامي يرزح تحت أزمات خانقة في هذا المجال تبدأ بعدم إعمال أبسط حق، وهو حق المواطنة، بما يضمنه من تكافؤ الفرص والتساوي في الحقوق والواجبات وأمام القانون دون أي تمييز، وبالطبع لا تنتهي الأزمات عند حق العمل والعيش الكريم حيث ارتفاع معدلات البطالة وتفشي الفقر.
ويبلغ التناقض أقصاه عندما نتلو النصوص الإسلامية عن العلم والحث عليه وعن طالبي العلم والعلماء ومكانتهم السامية، ثم نرى واقعنا العلمي المتردي، حيث لا وجود لنا على خارطة الجامعات الرائدة ومراكز الأبحاث العلمية المتميزة، ومن أراد المزيد فليطالع تقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية ليرى اتساع الهوة وعظم الفجوة.
إن الأفعال وحدها هي التي تقنع الآخرين بتغيير الصورة، وإلا كيف نقنع العالم بأن ديننا دين الرحمة وهم يروننا نتناحر ويذبح أحدنا الآخر بل يفصل رأسه عن جسده، ثم يرفع الرأس مهللا مكبرا لأنه اقترب أكثر من الجنة والحور العين لقتله مخالفا له؟!!!!
كيف لنا أن نقنع العالم بأن ديننا دين الحوار والجدال بالتي هي أحسن حتى مع أهل الكتاب، ونحن نعجز عن التحاور فيما بيننا، أو نتحاور ونقرر لتبقى قراراتنا حبرا على ورق. لماذا لم يتم تفعيل مقررات مؤتمر عمَان الذي عقد في العام 1426 هـ، والذي نص على:
«إن كل من يتبع أحد المذاهب الأربعة من أهل السنة والجماعة «الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي» والمذهبين الشيعيين «الجعفري والزيدي» والمذهب الأباضي والمذهب الظاهري فهو مسلم ولا يجوز تكفيره ويحرم دمه وعرضه وماله ولا يجوز أيضاً تكفير أصحاب العقيدة الأشعرية ومن يمارس التصوف الحقيقي وكذلك لا يجوز تكفير أصحاب الفكر السلفي الصحيح كما لا يجوز تكفير أي فئة أخرى من المسلمين تؤمن بالله سبحانه وتعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وأركان الإيمان وتحترم أركان الإسلام ولا تنكر معلوماً من الدين بالضرورة.»
كيف لنا أن نقنع الآخرين بأن ديننا دين التسامح، وفتاوى التكفير لا يزال أصحابها يتمتعون بنفوذ واسع وتأثير كبير؟!!!
كيف لنا؟! وكيف لنا؟! والقائمة تطول.
باختصار لا سبيل لتغيير صورتنا في العالم ما لم نغير واقعنا الرديء.
2- التخطيط الإعلامي على مستوى العالم الإسلامي للتعريف بالنبي والإسلام والقرآن:
فنحن نشتكي أنيميا حادة في الإعلام الجاد، ولم نستفد من الفضاء الأثيري أو الإلكتروني في التعريف بالنبي محمد والإسلام، فمعظم القنوات تبث مواد هزيلة للمشاهد العربي، أما المشاهد غير العربي فحصته من إعلامنا تقترب من الصفر. ونفس الكلام يمكن أن يقال عن حضورنا على الشبكة العنكبوتية التي حولناها إلى ساحات سباب وشتائم فيما بيننا نذيق بعضنا بأس بعض.
ولعل من المفارقات الإعلامية أن يتم إيقاف بث قناة جادة هي قناة الحوار، بينما تواصل كثير من قنوات العهر الفضائي بثها على نفس القمر، فهل يؤكد هذا انتقاد منظمة مراقبة حقوق الإنسان الدولية «هيومان رايتس ووتش» لوثيقة تنظيم البث العربية باعتبارها مشروعا يمد القيد على حرية التعبير إلى موجات الأثير.
وإذا تجاوزنا ذلك إلى اللغة التي يجيدها كافة سكان العالم اليوم، وأعني بها لغة السينما، فلا نذكر في هذا الصدد سوى فيلم «الرسالة» الذي أنتج في السبعينات الميلادية، ولاقى حينها ما لاقى من مقاطعة وحملات مضادة ولكن لم يتم إنتاج البديل. ربما لم يكن ذلك الفيلم مناسبا أو أنه احتوى بعض الأخطاء ولكنه تجربة كان يجب أن تُطور لا أن توأد.
نحن نعلم حجم الإقبال الكبير الذي حدث في الغرب لفيلم «آلام المسيح»، فأين إنتاجنا السينمائي عن النبي وعن الإسلام؟ لماذا لا تقوم الدول الإسلامية بتمويل مشروع إنتاج فيلم ضخم أو عدة أفلام عن حياة النبي بكل لغات العالم؟
3- تأسيس مراكز أبحاث عالمية تهتم بالسيرة والسنة والنبوية:
فهذان المصدران المتمثلان في كتب السيرة النبوية والمجاميع الحديثية يحتاجان إلى مراجعة علمية موضوعية لتنقيتهما، إذ إنهما بلا شك - بسبب ما يحتويانه من أحاديث موضوعة وروايات إسرائيلية- شكلا مادة خصبة لكل من كتب مسيئا للرسول ، فكتاب خليل عبد الكريم «فترة التكوين في حياة الصادق الأمين» وغيره من كتبه، وكتاب «الأدب والحنس في حياة النبي» للكاتبة بسنت رشاد، وما إلى ذلك من كتب المستشرقين وغير المستشرقين، كلها استقت جزءا من مادتها من هذين المصدرين.
إن بعضا من الروايات التاريخية والأحاديث المبثوثة في بعض مصادر المسلمين الحديثية لا تنسجم مع الشخصية النبوية العظيمة المذكورة بكل تبجيل في الآيات المحكمات.
ومن هنا فإننا نحتاج إلى تصفية وتنقية كتب السيرة والحديث من خلال نقد الأسناد والمتون نقدا شجاعا يرفض كل ما لا يتفق مع القرآن الحكيم.
عندها فقط، يمكننا أن نعمل على نشر السيرة النبوية النقية وعرضها على العالم بأساليب حديثة ولغة عصرية يطل منها النبي على العالم من خلال نظرته الرحيمية الشاملة للكون كله بإنسانه وحيوانه وطبيعته وبيئته، ورؤيته العميقة للإنسان بكافة أبعاده المادية والروحية والعقلية والعاطفية.
4- العمل على تشكيل لوبي إسلامي فاعل داخل مراكز القرارات الدولية:
ما الذي يجعل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل - وهي تضع إكليلا من الزهور على نصب ياد فاشيم التذكاري لضحايا الهولوكوست - تعرب عن خجلها الشديد لما فعلته ألمانيا النازية باليهود، وتقوم بشكر الكنيست الإسرائيلي على السماح لها بإلقاء خطابها أمام أعضاء الكنيست باللغة الألمانية؟!
وما الذي يجعل مارتن هنركسن الناطق باسم حزب الشعب الدنماركي يقول بكل صلافة: "إن الإسلام منذ بدايته كان حركة إرهابية"؟!
ربما تكون هناك عدة أسباب لكلا الحالتين، لعل منها براعة الصهاينة في استغلال الهولوكوست لتكريس عقدة الإحساس بالذنب لدى الألمان جيلا بعد جيل، وفي المقابل فشلنا في تحميل الغرب أوزار وتبعات القضية الفلسطينية، إذ ليس كافيا أن تكون قضيتك عادلة، بل المهم أيضا أن تنتدب لها محاميا بارعا.
ومن الأسباب المؤثرة في كلا الحالتين وجود اللوبي الصهيوني القوي الذي يسيطر على كثير من مراكز المال والإعلام والقرار في الغرب، وغيابنا التام عن ساحات التأثير.
صحيح أن ملياراتنا مكدسة في البنوك الغربية، والجاليات الإسلامية في البلاد الغربية أعدادها بالملايين ولكنها في المحصلة النهائية لا تمثل شيئا ذا بال في المعادلة السياسية. لماذا؟ السبب هو التشرذم وغياب القرار الرؤيوي الجمعي.
5- تأسيس مدارس وحوزات علمية ذات مستوى عالمي لتخريج الدعاة الذين يمتلكون إلماما رصينا واسعا بالمعارف الإسلامية وانفتاحا واعيا على معارف العصر ومناهجه ومدارسه:
إن مخرجات هذه المدارس والحوزات تستطيع تطوير خطاب إسلامي عصري يتلمس حاجات الإنسان الغربي، ويقدم الرؤية الإسلامية التي تستجيب لتلك الحاجات بلغة يفهمها ويستوعبها هذا الإنسان.
في الأخير لا بد أن نشدد على أن إيقاف الإساءة للنبي يبدأ بنا لا بالغرب. فهل نعي هذه الحقيقة البسيطة لنبدأ مسيرة تغيير الصورة؟