بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
متى ما قلبت المخارج من هذه الأزمة تأخذك نحو مخرج واحد، هو الله.
لا تنفعك المادةُ كثيرا فأنت ومن يملك المالَ على حدٍّ سواء قد تصبح في لحظةٍ غير معروفة غرضاً وعرضة لأن تكون في عدادِ الأرقام والإحصائيات. تحتمي وتبتعد، ومع كل الاحتياطات تصفعك أخبارُ من كان صنع ما صنعت وهو أقدر منك بأنه مصاب!
فترة صححت وجهةَ النظر نحو المخرج الأوحد. فحين لا خبر ولا حديث بين متكلمين إلا عما هو دائر من حدث فاعرف أن البشرَ قد وصلوا لدرجة الاعتراف بأن أمرهم يحتاج إلى رعايةٍ وعناية من الله. احتار المريضُ والطبيب، وحار العلمُ أن يجدَ حلا، حتى الآن. لا صحاري ولا محيطات منعت مادةً صغيرة من أن تجوبَ العالم تصيب من تصيب وتقتل من تقتل. فما لنا سوى أن نعود لمن أنجى صاحب الحوت حين عرف أنه لا أحد سوى الله يقدر على خلاصه من ورطته:
لم يغفل النبي يونس عن الله، وكان لسنين طوال مشتغلا بالدعوة والتبليغ بين قومه في أرضِ نينوى بالعراق، ولكن رغم كلّ ما بذله من جهود ومساع فإنّ إرشاداته وتوجيهاته لم تؤثر في قلوبهم وهم جمع كثير يزيدون على مائة ألف. دعاهم فلم يجيبوه إلا بالتكذيب والرد حتى أوعدهم بالعذاب وخرج هو من بينهم غاضباً هاجراً الأرض نحو البحر والسفينة. فلما أشرف عليهم العذاب وشاهدوه مشاهدة عيان أجمعوا على الايمانِ والتوبة إلى الله فكشف اللهُ عنهم عذابَ الخزي في الحياة الدنيا.
استخبر يونسُ عن حالهم فوجد العذابَ انكشف عنهم ولكنه لم يعد إليهم وذهب لوجهه على ما به من الغضب والسخط عليهم فكان ظاهر حاله حال من يأبق من ربه مغاضبا عليه ظانا أنه لا يقدر عليه وركبَ البحرَ في فلك مشحون. هاج البحر، فكاد كلّ ركّاب السفينة أن يغرقوا فعرض لهم حوت عظيم لم يجدوا بدا من أن يلقوا إليه واحداً منهم يبتلعه وهنا قال ربّانُ السفينة: إنّي أظنّ أنّ بينكم عبداً هارباً يجب أن يلقى في البحر - أو إنّه قال: إنّ السفينةَ ثقيلة جدّاً ويجب أن نلقي فرداً منّا تخرجه القرعة - فاقترعوا عدّة مرّات، وكان اسم يونس يخرج في كلِّ مرّة! فعلم أنّ في هذا الأمرِ سرّاً خفيّاً، فسلّم للحَوادث، وعندما ألقوه في البحر ابتلعه حوتٌ عظيم وأبقاه الله في بطنه حيّاً. وأخيراً إنتبه يونس إلى أنّه قد ترك الأولى، فتوجّه إلى الله واعترفَ بتقصيره، فاستجاب اللهُ دعوته وأنجاه من ذلك المكان الضيّق.
حفظ اللهُ يونس حيا سويا في بطن الحوت أياما وليالي ويونس يعلم أنها بلية ابتلاه الله بها مؤاخذة بما فعل وهو ينادي في بطنه أن ”لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين“. فاستجاب اللهُ له وأمر الحوتَ أن يلفظه فنبذه الحوتُ بالعراء وهو سقيم وأنبت اللهُ عليه شجرة من يقطين يستظل بأوراقها ثم لما استقامت حاله أرسله إلى قومه فلبوا دعوته وآمنوا به فمَتعهم الله إلى حين.
إنَّ كثيراً من الحوادث المؤلمة والإبتلاءات الشديدة والمصائب هي أجراس تنبيه للأرواح الغافلة، ونارٌ تفتن معادن أرواح الآدميين فمتى ما تنبّهنا إلى ما تنبه له يونس في مثل هذا الظرف وسبحنا لله فإنّنا سننجو حتماً. ومن ثم تبقى إحدى غايات الآفات والإبتلاءات والحوادث المرّة هي توعية بمن هو قادرٌ أن ينجيهم.