أحد أهم أعمدة الفن السينمائي والتليفزيوني الذي يقوم عليه أكثر من ثلث الإنتاج الفني هو الاقتباس.
وللاقتباس أشكال متعددة أولها الاقتباس من المسرح والأدب، فقد اعتمدت السينما في بدايتها ولفترة طويلة على تحويل المسرحيات الدرامية والكوميدية إلى أفلام، كما اعتمدت على اقتباس الأعمال الأدبية العالمية والمحلية وتحويلها إلى أفلام وأشهرهم “الكونت دي مونت كريستو” ، “غادة الكاميليا” للكاتب ألكسندر دوما والتي تحولت لعدد كبير من الأفلام في السينما الغربية والعربية، تليها أعمال الكاتبات برونتي ثم انتقلت لتحويل أعمال نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وتوفيق الحكيم للسينما العربية.
ثم اشتهر الاقتباس من المسلسلات الإذاعية وتحويلها إلى أعمال سينمائية، ثم إعادة إنتاجها في مسلسلات تليفزيونية.
أشهرها في سينما الخمسينيات فيلم “سمارة” للمخرج حسن الصيفي عام 1956 في السنة السابقة كان مسلسلًا إذاعيًا، بالإضافة إلى عدد كبير من أفلام فوائد المهندس التي سبقت بكونها مسلسلات إذاعية ثم تحولت إلى أفلام، وعدد من الروايات التي سبق وقدمتها الإذاعة ثم تناولتها السينما، مثال “نحن لا نزرع الشوك” للكاتب يوسف السباعي التي تناولتها الإذاعة عام 1968 ثم السينما عام 1970، و “أنا لا أكذب ولكني أتجمل” للكاتب إحسان عبد القدوس الذي قدمه حسن يوسف للإذاعة في أواخر السبعينيات ثم قدمه أحمد زكي للسينما عام 1981.
إعادة تدوير عالمية محلية
لجأ الكثير من مخرجي السينما إلى إعادة تدوير الأفلام السابق إنتاجها في لتقديمها في حقبة أخرى، يضيفون الألوان والتقنيات وتفاصيل العصر الجديد وها هو فيلم جديد لا يختلف كثيرًا عن الإنتاج الأول في المضمون أو القصة.
يعد المثال الأشهر فيلم “it’s Happened on night” عام 1934 الحاصل على خمسة جوائز أوسكار باعتباره الفيلم الكوميدي الرومانسي الأول، الذي اقتبسه المخرج هنري بركات وقام بتمصير قصته في فيلم مصري لبناني “أجمل أيام حياتي” بطولة نجلاء فتحي وحسين فهمي عام 1974، والذي فشل في السينما وعلى مستوى الجماهير والمشاهدة بسبب التغير في تفاصيل القصة الذي شوهها، ثم أعاد اقتباسه المخرج أحمد فوائد للمرة الثانية عام 1981 باسم “ليلة شتاء دافئة” بطولة عادل إمام ويسرا وقد حقق النجاح الذي فشل فيه الفيلم الأول بسبب اقتباسه الحرفي لأحداث وتفاصيل الفيلم لأن الفيلم الأصلي ذاته مميز.
إعادة إنتاج دراما مراهقي التسعينيات
في ظل اكتساح شبكة نتفلكيس وغيرها من الشبكات الأخرى لإنتاج عدد ضخم من المسلسلات ظهر شكل جديد من إعادة التدوير وهو إعادة إنتاج مسلسلات دراما المراهقين التي انتشرت في بداية التسعينيات وحققت شعبية مهولة وارتبطت في ذهن الكثير من مراهقين وشباب تلك الفترة، حيث تضم المسلسلات في الغالب تصنيفات متنوعة داخل العمل الواحد كالفانتازيا ودراما العلاقات والمشاكل الشبابية وتستمر لعدد كبير من المواسم مما يشكل ارتباطًا مع المشاهد وتعلقه بالشخصيات.
1- Teen Wolf
في يونيو عام 2011 بدأ عرض مسلسل ذئب مراهق، يدور عن طالب في المدرسة الثانوية الخجول المنبوذ اجتماعيًا الذي يتعرض لعضة مذؤوب فتنقلب حياته تمامًا.
المسلسل من تأليف جيف ديفيس وبطولة تايلر بوسي وديلان أوبرابين وهولاند رودن.
استمر لستة مواسم وحقق شعبية كبيرة كما حصل على تقييمات مرتفعة في مواقع الأفلام ومن النقاد، اشتهر كونه مقتبس من فيلم “Teen wolf” الذي ينتمى لحقبة الثمانينات تحديدًا عام 1985، وهو فيلم فانتازيا كوميدية، ورغم تواضع القصة والتقنية البصرية للفانتازيا وقتها إلا أنه حقق شهرة واسعة حينها كواحد من علامات السينما الأمريكية في الثمانينات.
إلا أن المسلسل هو إعادة إنتاج لمسلسل “BIG Wolf on campus” الذي عُرض في الفترة من 1999 إلى 2002، والذي كان يعد الوجبة المكملة للمسلسل التلفزيوني الشهير “Buffy the Vampire Slayer” حيث ارتبط أدب المراهقين بالفنتازيا والرعب، والذي بدأ عرضه عام 1997 والمبني أيضًا على فيلم أنتج بنفس الاسم عام 1992.
2- Charmed
مسلسل من موسمين عرض عام 2018 على شبكة ذا سي دبليو، عن ثلاث شقيقات من الساحرات الخيرات الأكثر قوة ويعرفن في المجتمع الخارق للطبيعة بأنهن “المحسورات” وتمتلك كل واحدة فيهن قوة فريدة.
المسلسل هو إعادة إنتاج لواحد من الأكثر المسلسلات الأمريكية الطويلة شهرة في أواخر التسعينيات وحتى بداية الألفينيات، أكثرهم تحقيق لمعدلات مشاهدة تقترب من ثمانية مليون مشاهدة لثمانية مواسم و178 حلقة من البطولة النسائية.
إلا أن المسلسل حظي بتقييم متوسط رغم شهرته، فقد سيطرت الدراما العاطفية والكوميدية على جانبي الفانتازيا والغموض، واقترب كثيرًا من لحظات الفشل بحلول موسمه الرابع ثم استمر في الانخفاض حتى أعلن رسميًا أن الموسم الثامن هو الموسم النهائي، ثم تم إعادة إنتاجه بعد 12 عامًا لكنه حظي بفشل ذريع على مستوى معدلات المشاهدة والتقييمات.
ربما يعود السبب لارتباط الغالبية بالنسخة الأولى منه، وضعف التناغم بين الممثلين وتكرار القصة بالإضافة للأفكار الجديدة التي أصبحت مقررة في كل مسلسل.
3- Chilling Adventures of Sabrina
عرض عام 2018 على شبكة نتفلكيس يسرد المسلسل قصة سابرينا التي مع اقتراب عيد ميلادها السادس عشر عليها أن تختار بين عالم السحرة لعائلتها وعالمها الإنساني، والمغامرات التي تتعرض إليها أثناء ذلك.
المسلسل هو إعادة إنتاج لمسلسل “Sabrina the Teenage Witch” الذي عرض في الفترة بين 1996 و حتى 2003 والذي يعتمد على كوميديا الموقف أكثر من الفانتازيا السوداء التي اعتمدت عليها النسخة الجديدة منه، وهو مبني على سلسلة من الكتب الهزلية التي نشرت في أوائل السبعينيات بنفس الاسم للكاتب جروج غلادير والرسام دان ديكارلو، كما تحولت لثلاثية أفلام من إنتاج شركة “Archies”.
Sabrina the Teenage Witch 1996، يليه فيلم Sabrina Goes to Rome عام 1998، ثم Sabrina Down Under عام 1999.
تم عرض ثلاث مواسم من النسخة الجديدة وفي طريقهم لإنتاج الموسم الرابع، ورغم شهرة المسلسل وتحقيقه لتقييمات عالية إلا أن طابع القصة لم يكن ينتمي إلى هذه الحقبة، فرغم اجتهادات القصة ومحاولات إطفاء سوداوية أكثر وشخصيات أكثر إثارة للاهتمام والابتعاد عن الخط الكوميدي الذي سيطر على النسخ الأولى إلا أن طابع المسلسل البصري والقصة نفسها مع أدوات التكنولوجيا الحديثة لم تتناغم بشكل قوي، ولم تستطيع العناصر التغلب على التفاوت الكبير بينها فظهر عدم الاتزان الذي أفقد العمل الكثير من مميزاته.
4- Roswell, New Mexico
مسلسل تليفزيوني درامي ينتمي للخيال العلمي إنتاج عام 2019 من موسمين، حول بلدة “روزويل” في ولاية “نيو مكسيكو” حيث يعيش فيها مجموعة من الفضائيين متخفيين بين سكان البلدة الصغيرة، حين تعود (ليز) إلى بلدة “روزويل” مسقط رأسها، لتكتشف صدفةً أن حبيبها القديم الذي يعمل حاليًا شرطي هو فضائي يخفي قواه عن الجميع.
المسلسل يعتبر المتمم لأحداث أحد أشهر مسلسلات الخيال العلمي الذي اشتهر في أمريكا وعالميًا ضمن فئة دراما المراهقات والخوارق الذي عُرض في الفترة ما بين 1999 و 2002.
5- Roswell
حيث أن النسخة القديمة تتحدث عن حياة ثلاثة من المراهقين الفضائيين مع قوى خارقة الذين يعيشون في بلدة روزويل، بينما تبدأ النسخة الجديدة بعد ذلك بعشرة سنوات.
تستند النسخة الأولى على سلسلة كتب “Roswell High” المؤلفة من عشرة كتب للكاتبة “ميليندا ميتز”، نشرت كلها بين عام 1998 و 1999.
حققت السلسة الروائية والنسخة الأولى شهرة لا بأس به وتقييمات متوسطة كغالبية تلك النوعية من الدراما، بينما حققت النسخة الجديدة تقييمات أضعف يعود لافتقار الكيمياء بين الشخصيات، إطفاء المزيد من دراما العلاقات المثلية التي أصبحت تضاف إلى كل عمل فني بمبرر أو دونه، وقصة تتقدم ببطء في ظل عالم من العلاقات العاطفية المراهقة التي تؤديها شخصيات ناضجة مما خلق فجوة كبيرة بين ارتباط العملين، وبالتالي استاء الجمهور المستهدف لمشاهدته خاصة الذي شاهد النسخة القديمة وتعلق بها.
إعادة إنتاج مجموعة الخوارق الكاملة لدراما المراهقين
دراما المراهقين هي دراما تليفزيونية تركز بصفة أساسية على شخصيات في سن المراهقة، عادة تجمعهم مدرسة واحدة أو مدينة واحدة، برز هذا النوع من الدراما في بدايات التسعينيات حيث لم يكن موجود بشكل مستقل وليس جزءًا من عمل درامي آخر في سنوات التلفزيون الـ 45 الأولى، حقق شعبيته مع مسلسل “Beverly Hills, 90210” منذ بداية صدروه عام 1990 والذي بلغ عدد مواسه عشرة مواسم على شبكة فوكس التلفزيونية.
من بعدها تم التركيز على هذا النوع من الدراما باعتباره نوع مستقل من الدراما، وانتشرت في أواخر التسعينيات وبداية الألفينات دراما المراهقين الخوارق، حيث يرتبط كل مسلسل بنوع من الخوارق كمصاصي الدماء والسحرة والمذؤوبين والفضائيين ذوي القوة الخارقة.
تتكون المجموعة الأصلية من سبعة مسلسلات بدايتها “Sabrina the Teenage Witch” عام 1996، ثم “Buffy the Vampire Slayer” عام 1997، يليه “charmed” عام 1998، ثم الانفجار عام 1999 بدايته في أبريل بمسلسل “Big wolf on campus” ثم أكتوبر “Angle” المشتق من مسلسل بافي وعلى الرغم من أنه لا يعد بالكامل دراما مراهقين إلا أن انضمام شخصيتين رئيسيتين من المسلسل الأخير عُد وكأنه تكملة لقصص الشخصيات مما جعله ينضم إلى تلك الفئة، وآخر إنتاج هذا العام “Roswell”، وأخيرًا “smallville” عام 2001 الذي أعاد تقديم قصة سوبر مان من خلال دراما المراهقين.
تلك المجموعة شكلت فترة بأكملها، وحظت بالكثير من المتابعة والمشاهدة وتعلق الكثير بالقصص والشخصيات مما جعل فكرة إعادة إنتاجها مرة أخرى في العصر الحالي فكرة مثمرة في نظرة بعض المنتجين والمخرجين إلا أن غالبية ما تمت إعادة تدويره منها لم يلقَ نجاحًا كبيرًا على مستوى المشاهدة أو الجودة، لعده أسباب أهمها هو ارتباط تلك القصص بفترة معينة في ذهن المشاهد وهي سبب تعلقه بها وبالتالي حينما يعيد مشاهدتها يأمل في الحصول على نفس إثارة العواطف السابقة وهو ما لم يجده فينفر من مشاهدتها، أيضًا إعادة إنتاجها بتكرار الكثير من التفاصيل والأحداث التي لا تضيف أي قيمة حقيقية لفكرة إعادة تدويرها ويصبح الأمر مجرد إضافة التكنولوجيا واهتمامات الحقبة المختلفة، وبالتالي تصبح أعمالًا خالية من الإبداع.
ما الفرق بين إعادة إنتاج المسلسلات وإعادة إنتاج الأفلام ؟
يمكن بسهولة اكتشاف أن الاقتباس يشكل جزءًا كبيرًا من إنتاج السينما والدراما ويصعب الاستغناء عنه، حتى أن بعض القصص يعاد إنتاجها في كل حقبة كأفلام سوبر مان وباتمان وجيمس بوند، فتجدها في الستينيات والتسعينيات وأوائل الألفية والألفية الثانية، وتنتقل القصص بينهم بنفس الخطوط والشخصيات والحبكة وتلتزم بذات النهاية، تتغير التجربة البصرية وتبقى العناصر كما هي بلا أي إضافة.
لذلك يعد إعادة إنتاج الأفلام نوعًا من التجحيم الفني الذي قلما يحد عن أصله أو ما سبقه من تكرار، وبشكل ما يكتفي المشاهدون من إعادة مشاهدة النسخ على الرغم من محاولات صانعيها لإطفاء أي شيء يخصهم فيهم إلا أن الأمر ينتهي بمشاهدة نفس القصة في زمن مختلف.
أما عن إعادة تدوير المسلسلات فهو أكثر حرية في الكتابة، في إضافة أو حذف تفاصيل وشخصيات مختلفة وتغير سير الأحداث والصعود بالقصة لواجهة أخرى، زاويا جديدة وخبايا مختلفة عن النسخة الأولى منها.
إلا أن المخرجين والكتَّاب لا يخرجون من فلك استغلال نجاح الأعمال المعاد تدويرها في حقبة أخرى في محاولة لخلقه من جديد مستغلين ارتباط الكثير بالعمل الأول، وهو ما لا يصب في صالحهم في كثير من الأحيان حيث لا تتفوق النسخة الجديدة على القديمة مهما قدمت من جود، ربما بسبب ارتباط القديمة بذكريات جعلتها على ما هي عليه، بفترة معينة ومشاعر معينة لا تعود مع الجديدة بل يراها البعض بأنها مخربة لتلك المشاعر.
الفارق أنه في الأفلام يمكنك إعادة صناعة فيلم لأنك تود قول شيء جديد أو تقديمه بصورة مختلفة، لكن هذا لا يكفي لإعادة صناعة مسلسل.
إعادة تدوير الأعمال القديمة إبداع أم إفلاس ؟
يعد الاقتباس في ذاته ظاهرة طبيعية حيث إعادة تدوير الأفكار شيء يميل للأبداع، فالفكرة الواحدة يمكنها أن تناقش بأكثر من زاوية واتجاه وشكل، إلا أنه يقع إعادة التدوير في هوة الاستسهال حيث الاكتفاء بنقل الفكرة للعصر الحالي بشكل باهت وبدون أي تطوير أو ابتكار وهو ما يميل بالاقتباس إلى الفقر الإبداعي.
ستظل إعادة إنتاج الأعمال الفنية في المرتبة الثانية مهما بلغت من جودة لأنه دومًا سيحل في تلك المرتبة ويقارن بالآخر الذي سيتفوق عليه بشكل أو بآخر، سواء كونه أفضل أو كونه الأصلي.
وبشكل ما يدل على نوع من فقر الإبداع حيث يقدم عملًا فنيًا سبق تقديمه من قبل ومن خلال ذات الزاوية، حيث يشكل نوعًا من الإصرار على عدم الاعتماد بشكل أكبر على الإبداع أو المخاطرة بتجارب جديدة والبعد عن الاستسهال، عوضًا عن ذلك يقوم بتقديم عمل له مرجعية يمكنك الرجوع إليها وكذلك المشاهدين.
إذا إعادة تدوير الأعمال الفنية لإعادة إنتاجها هو نوع من الإفلاس الذي بالكاد يتخللهُ إبداع.
سارة يحيى محمد - أراجيك