تصدر
متحف الدحيح تريند السوشيال ميديا، مساء أول الأمس الأحد، الذي يقدمه الباحث
أحمد الغندور، من خلال منصة “شاهد.نت”، متربعًا على عرش قائمة المحتوى الأكثر انتشارًا عَبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتى بعد مرور 24 ساعة على عرض أولى حلقات الموسم الجديد لبرنامج “الدحيح” الشهير.
يعتمد اليوتيوبر المصري في النسخة الجديدة من عرضه الثقافي الترفيهي، على دمج الدراما الكوميدية مع الواقع؛ بصورة توثيقية غير التقليدية، مبتعدًا عن جمود كتب التاريخ، ومتخذًا من سلاسة التقديم في البرامج الترفيهية قاعدة أساسية؛ لا سيما تلك التي اشتهر بها منذ تقديمه لأولى حلقات برنامجه على موقع “يوتيوب” في 2014، إلى ما بعد ذلك خلال 3 سنوات عمله في قناة “كبريت” المملوكة لـ منصّة (AJ+) والجزيرة، الذي استمر حتى مايو الماضي لهذا العام.
يفتتح الفنان المصري الكبير سامي مغاوري أولى حلقات “متحف الدحيح”، مُعرفًا المكان الذي تدور فيه الأحداث ويصحبنا لعوالم حقيقية أو موازية بصحبة أحمد الغندور ورفقائه المميزين، الذين نتعرف عليهم بمجرد الاطلاع على اللافتة المعلقة على المدخل “متحف عظماء العالم”؛ مُتبعًا بتفسيره الدرامي أنه ” أول متحف في العالم يضم عظماء التاريخ بالمنصورة”.
التاريخ والدراما في “متحف الدحيح” مع أحمد الغندور
إلى أن تتوالى الأحاديث بين الصحفية التي تبحث وراء الموضوع الأخير الذي أثار اهتمام رواد السوشيال ميديا في ذلك الوقت و”مغاوري” والفتاة “زينب” العاملة تجسدها الفنانة الشابة نهال كمال، التي تعلم سر هذا المتحف وتتعايش معه، ونكتشف أنه ليس مكانًا طبيعيًا بحسب ما يتحول تماثيله إلى بشر حقيقين يوميًا في تمام الساعة السادسة مساءً؛ يتفاعلون ويضحكون ويتسامرون حتى الساعة السادسة صباحًا في اليوم التالي.
وما علاقة “الغندور” إذًا؟.. يقابله المشاهدون وكأنه السبب في الأزمة المثارة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث توجه الصحفية السؤال لمسؤولي المتحف، كما يؤرق الجمهور غياب شخصية بارزة ضمن هذه التماثيل داخل متحف الشمع وتمثل “المنصورة” بما إنه متحف متواجد على أرضها، لتتفاجأ بأنهم يملكون هذا الشخص بالفعل ولكنه كان محفوظًا بالمخزن لجهلهم بقيمته، وعندما تخبرهم أنه “الدحيح” الشهير، يضعوه وسط بقية التماثيل التاريخية في بهو المتحف.
معالجة سينمائية مكررة وتيمة مبتكرة !
تشتعل الأزمة بظهور أشهر الرموز التاريخية في العالم، معترضين على تواجده وسطهم. ينفعلان “جيفارا” و”غاندي”، فيقول الثاني: “شاب تافة ميستحقش يكون وسطنا مقدمش حاجة للتاريخ”، ليوبخه “بونابرت” مشددًا على ما يجب الاهتمام به دومًا بين البشر هي الإنسانية واحترامها بعيدًا عن الإنجازات، ثم يدخل في محادثة طريفة بحضور “بوذا” مع “الغندور” الذي لا يصدق أنه يقف بجانب أحد أهم رموز تاريخ فرنسا.
“متحف الشمع” و”إحياء التماثيل” بمجرد قراءة هذه الكلمات، تعود بنا الأذهان إلى بعض معالجات سينمائية شهيرة، دارت أحداثها حول نفس الفكرة بنفس الإطار الكوميدي، ولاقت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا وقت طرحها لأول مرة بدور عرض السينما التجارية؛ أحدثهم الأجنبي “Night at the Museum” للمخرج شاون ليفي في عام 2006، والعربي “الحرب العالمية الثالثة” للمخرج أحمد الجندي في 2014.
لكن دراما “متحف الدحيح” التي نتابعها مع بداية اللحظات الأولى من العرض الذي يذاع على مدار ساعة تقريبًا يوم الأحد من كل أسبوع، لا تجعلنا نستطيع وصفه بـ “المسلسل” أو “الفيلم” بشكله الفني المتعارف عليه، خاصة أن القصة المروية ستتجدد كل حلقة بحسب الشخصية التاريخية المختار الحديث عنها، كما أنه لا يمكننا تسميته بـ “البرنامج” وهو لا يعتمد على الطريقة التقليدية في التقديم أو شكل الإسكريبت الإذاعي.
كشفت الحلقة الأولى التي يمكننا وصفها بـ حلقة “نابليون بونابرت” عن الشكل الفني، الذي سيتبعه “الغندور” في هذه النسخة من “الدحيح”؛ هو لا يقرأ التاريخ ولكنه يعيشه، ولا يسرد أحكام بل يخصص زاوية موضوعية محددة، تجعلك تمر على تاريخ عدة دول ووقائع وحقائق من وجهة نظر شخصية بارزة لم تضع قدميها تمر من على هذه الأرض مرور الكرام دون تحقيق أثر بارز، متحدثًا عما لها وما عليها بطريقة كوميدية غير الهزلية أو المنفرة؛ تحفظ قدرًا من الاحترام للتاريخ وشعوبه.
“الدحيح” يوظف الخيال في خدمة التاريخ والعلوم
إيقاع “الغندور” السريع والمتزن في الحكي، حركاته المحسوبة داخل الغرفة التي يتواجد بها، نظراته الواثقة للكاميرا التي تركز على ظهوره في منتصف الكادر بصفة مستمرة، اعتماده على هضم المعلومات وسردها بطريقة “الدردشة” مع الذات والآخرين، باتت أهم سمات “الدحيح” التي أصر على الاحتفاظ بها في برنامجه الجديد، وكأنه يؤكد أن أسلوبه فكرة لن ترتبط بوسيط إعلامي محدد، مع إتقانه لتطويعها في مسارات أخرى؛ مستغلة توظيف الخيال في تبسيط الحقائق.
لم يكتفِ دارس البيولوجيا ومحب المعرفة، بحكي التاريخ من وجهة نظر الراوي العليم بالأحداث والمعلومات، بل ظهر في “متحف الدحيح” بدور الراوي المشارك أيضًا؛ يطل ببعض المشاهد وهو يناقش “بونابرت” في بعض القرارات التاريخية التي اتخذها إبان فترة حكمه، محققًا معادلة فانتازية أخرى؛ صعبة المنال في الواقع ولكنها حق خيالي مشروع لكل الباحثين والمفكرين والشغوفين بمعرفة وقائع الماضي وما يربطه بالحاضر والمستقبل.
مررنا في الحلقة الأولى على تاريخ فرنسا ودول أجنبية وعربية، قدم “الغندور” وجهة نظر إمبراطور فرنسا قبل وبعد السلطة، إلى جانب رؤية ذاتية نابعة من كونه أحد أبناء دولة عربية احتلت من قِبل فرنسا في فترة ما خلال السنوات الماضية، وبهذا الصدد يؤكد أنه يلتزم بتقديم وجهتي النظر بطريقة غير المباشرة، يتخللها بعض الكوميديا المستصاغة من بعض المواقف أو الأقدار المتناقضة؛ مثلما بدأ كلامه عن نشأة “بونابرت” وكيف تحول في مسيرته من كاره لمحب لبلده.
“متحف الدحيح” يجمع بين بساطة اللغة وثقل التاريخ
على الرغم من بث حلقات “متحف الدحيح”، من خلال منصة رقمية سعودية، إلا إن صناعه اتجهوا للهجة العامية المصرية بعيدة عن العربية الفصحى، بالإضافة للتركيز على استخدام بعض العبارات الشبابية العصرية والتي يدركها جيدًا رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
“القطقوط صحي”، “اللي ما يعرفك يجهلك”، “نابليون بيعمل عظمة”، “الأنتخة”.. على سبيل المثال جميعها جمل متداولة بين “الغندور” و”بونابرت” و”الفتاة” التي تتولى تنظيف والاهتمام بالمتحف وخدمة تماثيله ليلًا؛ تأكيدًا للسياسة التحريرية والفكرية التي يميل لها صناع محتوى “متحف الدحيح” وهي تبسيط المعلومات بقدر المستطاع في زمن تغزوه البيانات والمعلومات من كل حدب وصوب.
الإعلان عن الانتقال من منصات العرض المجانية إلى أخرى متخصصة في تقديم محتوى الفيديو على حسب الطلب والاشتراكات، كان يحمل رسالة ضمنية بتطوير المحتوى المُقدم سواء فكريًا أو بصريًا، وهو ما وجده المشاهدون بالفعل في “متحف الدحيح”، الذي رأس فريق كتابته العلمية أحمد مجدي رجب، وكتابة علمية مؤمن خالد، وكتابة درامية محمد خميس وعبد الرحمن جاويش، إلى جانب أعمال المونتاج ودمج الجرافيكس لمينا نجم وعبد الرحمن الشافعي وتصحيح ألوان أحمد الششتاوي.
وجاءت المشاهد مصاحبة لموسيقى تصويرية خالد الكمار، وأظهرت تباين الأزياء التي عملت عليها مصممة أزياء منى التونسي، فضلًا عن تنوع الكادرات والزاوية بتوجيه مدير التصوير نزار شاكر، والإشراف على العمل كله من إخراج علاء إسماعيل.
تحدي الجماهير.. مجانية العروض VS الاشتراكات
وكالمعتاد يثير “الغندور” الآراء دومًا عقب إذاعة حلقات برامجه، عَبر منصات السوشيال ميديا، البعض يمدح أو ينتقد ما عُرض وآخرون يفكرون في مواسم جديدة من “متحف الدحيح” وهو لم يقدم سوى حلقة واحدة فقط حتى الآن؛ في إشارة لما يحاول “الغندور” تنشيطه دومًا في عقول الشباب من إثارة مشاعر الحماس والشغف والفكر والاطلاع نحو كل ما يخص العلم أو المعرفة والثقافة.
تحديات كثيرة تواجه “الغندور” في هذه المرة؛ قيمة الاشتراك، وقوة المحتوى، والقدرة على جذب المشاهدين لاستمرار المتابعة في ظل عروض فنية جيدة أخرى تقدمها نفس المنصة العربية ذات القاعدة والشعبية الجماهيرية الكبيرة.. ربما تكون المنافسة أصعب مما مر به سابقًا، ولكن المؤكد أن النتيجة ستكون غير متوقعة مثلما اعتدنا أن نراه دومًا، وهو ما سنتحقق من جدواه بالطبع خلال الحلقات المقبلة !
نرمين حلمي - أراجيك