بداية هذا المقال كتبته كمداخلة وتعليق في إحدى مجموعات الواتساب، حيث نشر أحدهم منشور يتحدث عن مدى الرقي الإنساني والإخلاقي في اليابان، شكرته أولا على نشر مثل هذه المنشورات الرائعة؛ عل وعسى أن نتغير ونصبح أفضل يوما ما، قد يكون الموضوع الذي كتبه فيه نوع من المبالغة، لكن الحقيقة في اليابان يعلمونهم منذ الطفولة ثقافة السلام وتقديم المساعدة، في اليابان توجد أكبر مدينة في العالم وهي طوكيو، لن تستطيع تصور حجمها، فسكان المدينة مقارب لأربعين مليون نسمة، قد تكون الصين الدولة الأكبر سكاناً؛ لكنهم موزعين بمساحة كبيرة، بينما نجد هنا متواجد كم هائل وفي مدينة واحدة، وتعيش تلك المدينة أمن ونضام وقانون وسلام؛ برغم العدد الهائل المتواجد فيها، في الواقع لن تستطيع أي شرطة مهما كانت قوتها ضبط مدينة بهذا الحجم، هي ربما على الاكثر تضبط 5% من الشواذ، أما الباقين 95%فهم ينظمون أنفسهم، لماذا كل هذا الإنضباط لأن لديهم ثقافة التغيير والتصحيح، عندنا إذا حاولت تقرأ أو تطلع على ما يحصل في العالم،تصطدم بحائط من التخويف والبرامج العقلية غير المحدثة، بأن هذه الدول-شريرة إستعمارية تأكل الضفادع تتآمر ضد العالم أو الحجة التي تتردد بكثرة الشعوب أخلاقياتها ليست أخلاقيات الأنظمة، في الحقيقة أن المسوؤل يأتي من الشعب ولا يأتي من كوكب آخر.
بهذه الطريقة لا نعطي أحد فرصة ليصحح وينظر ماذا يجري في العالم، في الواقع أن الدول الاستعمارية والشريرة قد حدثت برامجها وتغيرت في الأغلب، فاليابان كانت طرف النزاع في الحرب العالمية، وكان الجيش الياباني يرتكب المجازر، وتصطحب فرق الجيش في بعض الأحيان نساء المتعة المختطفات من الشعوب المقهورة، والآن أهم المبادئ وثاني بند في الدستور الياباني ينص على السعي لإحلال السلام في العالم ونبذ الحروب، لو كنا مكانها لكان البند- ((من أجل الثأر لهيروشيما))-ليس لأنهم جبناء فلا تغيب عن الاذهان قصص طيارين الكميكازي البطولية، البعض يضن الشجاعة حكر علينا، لكنهم اتجهوا للتصحيح والتغيير وتحديث الإيدلوجيات والعقول، وفق السعي لمستقبل إنساني أفضل؛ حتى العقليات والعينات المتشددة التي تظهر أحيانا في بعض الدول المتقدمة أيضا لا يقومون بتحديث البرنامج لعقولهم مع ما يتلائم وضروف العصر، مع أنهم في محل غير مقبول في مجتمعاتهم، وهنا الفرق ففي كل دولة يوجد المجرمين ولكن المجرم يسمى هناك مجرما ويسمى هنا بطلاً.
ليست اليابان وحدها لأن أغلب من لديهم برامج قديمة غير محدثة لا يزال يردد ويرى الفوضى وعدم الإنسانية في الدول المتقدمة المتقدمة، لأنها ربما كانت مستعمرة وشريرة يوما ما— لاحظ اليابان قصفت بأشد الأسلحة فتكاً وتتعامل مع الأعداء السابقين بنظرة حديثة وحسب ما يعيشون الآن لا حسب ما كانوا يعيشونه في السابق ، هؤلاء يتعلمون ثقافة الإنسانية وتقديم المساعدة، وثقافة الأخلاق منذ الطفولة، بينما أصحابنا لديهم ثقافة وأيدلوجية لا تقبل التغيير ويغيب فيها النقد،—ثقافة الأنانية وعدم تقديم المساعدة، وثقافة الطبقية بأن هناك من هو تحت وهناك من هو فوق، وهذا الطفل يكبر ويصبح مسؤول فماذا تنتضر منه؟!! لن يقدم لك أي خدمة، حتى إن قدمها فهي غالباً وفق المبدأ المخلافي - - (صورني وأنا في الجبهة )- - أحدهم لم أطلب منه مالاً ولا تجارة ولا منصب؛؛ فقط قلت له إذا سمعت يوما من الأيام أن هناك منح دراسية فأخبرني، حتى المنحة لم اطلبها فورا
- - فقط اذا سمع، - - ماذا تتوقعون؟!! عمل لي حظر (بلوك) مباشرة، كان عليه أن يكتفي بعدم الرد، أو بأنها لا توجد أي منح، لماذا قرر أن يحضرني - - طبعا رسالتي غير داخله في إطار صورني وأنا بالجبهه- - ولا يستطيع قراءتها لأن البرامج غير محدثة، فالبرامج المحدثة تقول بأن الدولة الحديثة لا يمكن أن تقوم بدون وجود رئيس لها ولا يمكن أيضا أن تقوم بدون وجود عامل النظافة، أنا شخصيا لم أذكر عامل النظافة لأني أحتقره، فقط ذكرته لأن التطبيق القديم لعقول المجتمع لا يزال يحتقره، الجميع موضف في خدمة الآخر البناء والمزارع والرئيس والمسوؤل والقائد العسكري، كل شخص في المجتمع موضف لخدمة الآخر فكما يجب إحترام رئيس الدولة يجب أيضا إحترام مخيط الأحذية ، الشخص الوحيد الذي لا يستحق الأحترام هو من لا يقدم الخدمة التي يستطيع تقديمها، أو لا يقدمها بالشكل المطلوب، أو الذي يضر المجتمع اكثر من أن يخدمهم، هذا الذي يستحق أن تحتقره فقط...
إذن وفق هذه المبادئ لا تنتظر أن يقدم مسوؤلونا أي خدمة، لغياب تحديث ايدلوجياتهم وبرامجهم العقلية، وكذلك المجتمع لا يحدث أيضا فهو يمجد المسؤولين والمسؤلين يمجدون أنفسهم ، وعندما اختصرنا الأوطان في أشخاص أصبحت لا تتسع للجميع، هذه الدول ومن ضمنها اليابان كانت دول مثلنا مبنية على القهر والظلم والتمييز واللاإنسانية لكنها نظرت لماضيها بعين ناقدة تسعى للتصحيح، نحن نردد على سبيل المثال
- - عندنا في اليمن الجنوبي- - مقولة العصر الذهبي للجنوب وغيرها، أي عصر ذهبي وسالمين مات مقتولا - قحطان الشعبي ضل رهن الإعتقال الفردي ولم يسمح له حتى بحضور زفاف ابنه الوحيد، عبدالفتاح أيضا أعدم وعلي ناصر نفي الى خارج البلاد، فعن أي عصر ذهبي تتحدثون، وهنا تغيب الرؤية النقدية ويغيب التصحيح والتطوير، والطفل الذي يعيش على ثقافة الأنانية والطبقية والفوضى لا يمكن أن يقدم المساعدة عندما يصبح مسؤولا، قد يستطيع تغيير ايدلوجيته ولكن في ضل التخويف والجدار العازل بينه وبين قراءة التطور الحاصل في العالم، لا يعطى فرصة لتغيير نفسه أولا ثم تقديم المساعدة وتغيير المجتمع، فهو إن قدم المساعدة يقدمها وفق المبدأ المخلافي- - صورني وأنا بالجبهه--اذا أردت التأكد لاحض قائمة المتبرعين لحملة خيرية منشورة تجد الشخص الذي تبرع بعشرة ألف أو ربما خمسين ألف سعودي لن يعطيك مئة ريال وفي أقل الأحوال سيسرد لك الأيمان بأنه لا يمتلك شيء وفي اليوم التالي يتبرع بعشرة ألف ، بالرغم من أنك تطلبها قرضا حتى تتحسن ضروفك وتعيدها إليه، بالرغم من تعهدك كتابيا بتسديده؛ في الواقع الرسالة التي تكتبها سيحتفض بها وهي تعتبر تعهد كتابي، بينما في حملة مساعدة المرضى قدم المساعدة وفي طلب المريض برسالة خاصة لم يقدمها، في الحقيقة هنا لن يدخل ضمن برنامج صورني، وهذا وفق مبدأ أناني فهو حين يقدم المساعدة يريد مساعدة نفسه لا غير، لكي يظهر على مواقع التواصل، نحن لا نتعلم ثقافة اسمها تقديم المساعدة كسلوك إنساني، الشخص الذي ذكرته في الأعلى بدون شك وبكل تأكيد إذا اجتمعنا في ملأ فهو لن يتوانى بتقديم المدح لي وبأني موهوب ومحب للثقافة
- - فقط ليظهر وكأنه يشجع المواهب،- -
ليست اليابان وحدها بل هناك دول كثيرة نحن مبرمجين على برنامج قديم، عندما تذكر دولة متقدمة يذكرون لك تاريخها الاستعماري والشرير أو الفكرة الأكثر تكراراً وهي المرأة وحالها هناك، ولا يرون الكم الهائل من الفساد الآخر الذي نعيشه- - تصور أني أضفت الى هذه المجموعة وإلى مواقع أخرى، مهتمة بالثقافة والعلم أيضاً، أضفت أرقام بنات ونساء من الفئة المثقفة أو المحبة للثقافة، ولا أريد أن أخبر أحداً باني أضفت أنثى، لأن 90% من العقول هنا ليست في القلب ولا في الدماغ؛ وإنما يوجد العقل بين الفخذين، وقد لا أستطيع إقناع الكثيرين أن معرفتي لهن لا تتعدى التبادل الثقافي والعلمي.. أيضا كثيرين لا يعلمون أن العالم يتغير ويصحح ويسعى للرقي أكثر وأكثر ، النرويج - أيضا- وزير الداخلية يمسك طابور مثله مثل أي مواطن، يذهب لكي يحضر بنته أو إبنه من المدرسة بسيارته الخاصة وتجده ينتضر أولادة بين الناس والناس لا تكلف أنفسها العناء للنظر اليه حتى؛؛!!!هنا يأتي مسؤول أو شخص غني لديه حفنة من المال ونقيم حلقة ضخمة حوله، حتى هو إن لم تقام الحلقة سيشعر بالضيق لأن برنامجه الايدلوجي غير محدث.
ليس كل البشر في الشعوب المتقدمة إنسانيون لكن المفارقة أن 95%منهم إنسانيون و5%عديمي الإنسانية؛ بينما هنا 5%إنسانيون و95%عديمي إنسانية.وأنا أحترم وأجل إجلالا كبيراً، أولئك الخمسة بالمئة من المتصفين بشعور الإنسانية، ولكن للأسف هم قليل جداً، نأمل أن تزيد نسبتهم في المجتمع حتى نلحق بالرحلة التي يسافر بها العالم من حولنا....
أخيراً من استوعب هذه الرسالة فليستبشر بأن برنامجه العقلي محدث أو قابل للتحديث ومن لم يستوعب رسالتي فليعرف أنه ليس بمقدور أي برنامج فتح الملف في عقله لأن الجهاز أو البرامج قديمة جداً وغير محدثة
ا/محسن عزالدين البكري