.
مرايا
(1)
فشلت ..وهكذا أعيد المحاولة مرة أخرى ..كم أحتاج من مرات الفشل كى أقتنع بلا جدوى المحاولة ، أن أترك المرايا تتكسر دون أن أطارد تلك الملامح التى تتمزق وتمارس تشريح الجسد بسادية مبهجة .. ولا تترك فى يدى سوى قطع متجلطة من الدم /
سأجلس فى مواجهة الرصاصة
وأحاول إقناع الوقت بأن يمنح لعظمى صلابة النسيان
قبل أن يذوب الهواء المتبقى بينى وبين الفراغ ،
فيما أتخلص تماما من قفازى الجلدى كقاتل محترف ..
وأنا أغسل رئة المكان من ضلع أخير لجثتى .
(2)
لماذا نحتاج للقتل كمرايا متقابلة لنفى الآخر ؟!
القتل.. تلك الذات المصابة بالفصام ، لا تنجح فى الشفاء إلا بقتل ذاتها الأخرى المتخيلة /
لكل هذا الإنتاج الضخم من الرصاص والقذائف والبوارج الحربية والمصفحات
لهذا الفراغ الهائل من اللحم الذى نعيد إنتاجه فى سلالات أخرى
لماذا تقتلنا مرايا الكراهية
ولا تبقى من أجسادنا سوى أرشيف من الظلال
وأرقام ممحوة
مرصوصة كشجر أعمى على حواف غابة تقع فى منتصف الحرب !
(3)
لا يوجد عالم واحد / العالم الحقيقى يتم إزاحته دائما من خلال خلق مواز له ،
طبقتان من الوعى ..
الحلم فى مواجهة عصيان اللاوعى ؛
الحدقة العمياء التى لا تبصر سوى قسوة الذاكرة ؛
الحياة التى تسقط كساعة عتيقة من الرمل ؛
الحقيقة التى يتم إجراء نسخ لانهائية منها كى تصل فى النهاية كانعكاس زائف ومشوه /
الأصل الذى فقدانه فى منفى قديم داخل أوردة الكف
ولا نستطيع سوى التكهن فقط بمصير محتمل
أو موت يأتى فى النهاية كفاصلة بين جملتين ..
(4)
ينجح النبش بالأظافر مؤقتا فى البحث عن أحافير داخل صخرة اللاوعى
عن عظام قديمة للأفكار ..جذور ميتة للأساطير ..بنى أولية للحكايات ..كيف تطور إنتاج المعرفة من الطوطم إلى السحر إلى خلق إله كلى القدرة /
تنشأ الحاجة لتفسير العالم فى إنتاج رمز يربط بين الأنا / والآخر
العالم اللانهائى هنا لا يتم استيعابه داخل هذا العقل المحدود ، لذا تنشأ الأسطورة كمحاولة أولية لأنسنة العالم وإخضاعه ،
فى مرحلة العجز وشعور الأنا بالفقدان والتآكل والإنسحاق أمام دودة الوقت والذوبان كذاكرة من الملح فى جرح الموت تحتاج الأنا لإختراع أنا عليا لإنقاذها من السقوط والنقص وعدم الاكتمال /
الإله ..الأنا العليا ../خلق مواز ..إستعاضة عن الموت والتحلل بخلق كائن كلى تتجلى فيه صفات الاكتمال والحق والمشيئة ..
(5)
لماذا نحتاج للعالم ..
هذا الشعور الخفى بالأبدية وخلود الروح ..
هذا الإرتواء الحر الذى يفضى بنا لظمأ العبودية /
نحتاج للعالم كوهم حقيقى يستطيع التغلب على غريزة الحلم والبحث عن مرايا لوجوهنا داخل منافى الجلد /
نحتاج لأن نُوجدَ لأن النسيان يوجع الجسد كسرطان من الذكريات التى تتآكل
العالم يعطينا الحق فى ممارسة الصرخة والجنون وأن نعيد رسم الوجوه على حجر من ألوان الأرض
أن نمنح للأرض اسما لأننا نوقظ الأطفال من حلم عميق فى ذاكرة أمومتها
نحمل شرايينا كجذور من الدم
الأرض لا تموت /
نحن من نسقط فى غيبوبة عند منتصف المسافة ، لا نصل حتى تلك العقدة من التفاصيل الغامضة فى سرد الجسد
تلك الخيوط من العمر التى تهترئ وتتمزق عندما تعجز العظام عن حمل أخطائنا
تتنصل الأطراف من أخطاء الجسد الذى ينزوى عميقا إلى الداخل
لنستريح مثل صحراء
فقدت كل مائها فى هجرة إلى الحقيقة
وماتت هنا
كخريطة زائفة
تنتظر الوصول !
منقوول