أبو الأسود الدؤلي
أول من وضع علم النحو
هو: أبو الأسود بن ظالم بن جندل بن سفيان من بني الدويل بن بكر بن كنانة وأمه من بني عبد الدار بن قصي من قريش ولد قبيل الهجرة ولكن لم تصبح له شهرة إلا في أيام أمير المؤمنين (ع) ويبدو أنه سكن البصرة أيام عمر بن الخطاب وكان أبو الأسود الدؤلي من أتباع الإمام علي بن أبي طالب(ع) وقد شهد معه صفين ثم تولى حرب الخوارج وقابل عائشة يوم الجمل وأدرك معاوية ولكن لم يكن مطمئنا للحكم الأموي فعاش على نفسه لم يمدح الأموين ولم يعرض بهم وتوفي في البصرة في طاعونها الجارف سنة 69 هجرية وكان عالما من المقدمين في العلم وقد جمع شدة الفصل وصواب الرأي وجودة اللسان وقول الشعر وكان ناثراً شاعراً ويقال أنه أول من وضع قواعد النحو
أبو الأسود شاعرا
يعد أبو الأسود الدؤلي شاعرا وإن وصف شعره بغير ذات قيمة فنية وقد نشر شعره المرحوم عبد الكريم الدجيلي ثم نشر ديوانه الشيخ محمد حسين آل يس وروى اكثر أبو تمام في الحماسة بيتان من الشعر هما :
أبى القلب إلا أم عمر وحبها
عجوزا ومن يحب عجوزا يفند
كسيف اليماني قد تقادم عهده
ورفعت ما شئت العين واليد
وأغلب أشعاره في الحكمة والموعظة ومن ذلك قوله وهي أشهر أبياته :
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعلم
تصف الدواء لذي الأسقام وذي الصحى
كيما يصح به وأنت سقيم
ونراك تفلح بالرشاد عقولنا
أبدا وأنت من الرشاد عديم
فأبدأ بنفسك فأنهها عن غيها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويهتدي
بالقول منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم( )
وله أيضا الأبيات المشهورة:
وما طلب العيش بالتمني
ولكن أدل دلوك في الدلاء
تجئك بماء ملئها مرة
ومرة بحمأة وقليل ماء
الدؤلي حكيما:
وصف أبو الأسود الدؤلي بالحكمة والبلاغة وصدرت منه كلمات توحي بعقلية مدركة ولا غرابه فهو تلميذ أمير المؤمنين (ع) سيد البلغاء بعد الرسول(ص) فمن وصية أبو الأسود الدؤلي لأبنه يقول:
يا بني إذا كنت في قوم فحدثهم على قدر سنك وفاوضهم على قدر محلك ولا تتكلمن بكلام هو فوقك فيستقلوك ولا تنحط الى من هو دونك فينفروك فإذا وسع الله عليك فأبسط وإذا أمسك عليك فامسك ولا تجاود الله فان الله أجود منك واعلم أنه لا شيء كالاقتصاد ولا معيشة كالتوسط ولا عز كالعلم .
ومما قاله أبو الأسود أيضا: أن الملوك حكام الناس والعلماء حكام الملوك .
وذكروا العمامة عند أبو الأسود الدؤلي فقال:
جنة في الحرب ومكنة في الحر ومدفأة في القر ووقاء من الندى ووافية من الأحداث وزيادة في القامة وهي بعد عادة من عادات العرب ( ) . وقال أيضا: إذا أردت تعظم فهن وإذا أردت أن تفحم عالما فاختره جاهلا .
الدؤلي ومعاوية
وداب معاوية مع أبو الأسود الدؤلي ذات الدأب مع أصحاب الإمام علي (ع) في المسألة والتحقيق إذ أنه لما علم ولاء الدؤلي الى أمير المؤمنين أخذ برشوته فقد أرسل إليه بهدية منها حلواء يريد بذلك استمالته وصرفه عن حب علي بن أبي طالب (ع) فدخلت عليه ابنته الصغيرة وكان عمرها خمس سنوات فأخذت لقمة من تلك الحلواء وجعلتها في فمها فقال لها أبو الأسود :
يا بنيتي ألقيه فأنه سم هذه الحلواء أرسلها معاوية ليخدعنا عن أمير المؤمنين ويردنا عن محبة أهل البيت (ع) . فقالت الصبية : فبحق الله يخدعنا عن السيد المطهر بالشهد المزعفر تبا لرسله وأكله فعالجت نفسها حتى قاءت ما أكلت ثم قالت :
أبالشهد المزعفر يا أبن هند
نبيع عليك أحسابا ودينا
معاذ الله كيف يكون هذا
ومولانا أمير المؤمنينا
من نوادر أبو الأسود
كان أبو الأسود خطيبا متكلما عالما وكان قد جمع شدة العقل وصواب الرأي وجودة اللسان وقول الشعر والظرف وهو يعد في هذه الأصناف وفي الشيعة وفي العربان وفي المفاليج وفي الفرسان والتابعين والعقلاء والنحاة. روي أنه سمع رجلا في السوق يقول : من يشبع الجائع ؟ فدعاه وعشاه فلما ذهب السائل ليخرج قال له : هيهات إنما أطعمك على أن لا تؤذي المسلمين الليلة ثم وضع رجله في الأدهم حتى أصبح.
وروي أنه أصابه الفالج في أواخر حياته فكان يخرج الى السوق ويجر رجليه لأصابته بالفالج في أواخر أيامه وكان موسرا ذا عبيد وإماء فقيل له : قد أغناك الله السعي في حاجتك فاجلس في بيتك .
فقال: لو جلست في البيت لبالت علي الشاة .
هل كان بخيلا :
روي أنه كان بخيلا ولكن المتتبع لأقواله وأفعاله يجزم بأنه غير ذلك اذ ليس كل من حث على الاقتصاد في المعيشة والأنفاق في حذر عد بخيلا , قال لولده كما مر بنا وكما رواه الجاحظ في البخلاء:
إذا بسط الله لك الرزق فابسط وإذا قبض فأقبض ولا تجاود الله فان الله أجود منك .
وقال في الأنفاق : درهم من حل يخرج في حق خير من عشرة آلاف قبضا وقيل انه تلفظ عرجدا من برم( )فقال :تضيعون مثل هذا وهو قوت امرئ مسلم يوما الى الليل. فأن أقواله هذه لهي أدل دليل على كياسته والحقيقة أن بخل أبي الأسود مثل حمق عقيل بن أبي طالب عند الرواة والإخباريين( )ولكن مع ذلك روي عنه نوادر في البخل نذكر منها:
فقد روي أن إعرابي أكل معه فرأى للدؤلي لقما منكره وهاله ما يصنع فقال له: ما اسمك؟
قال: لقمان .
قال : صدق أهلك أنت لقمان .
وكان له دكان لا يبيع إلا مقعدا وطبقا يوضع بين يديه وجعله مرتفعا ولم يجعل له عتبا كي لا يرتقي إليه أحد قالوا فكان أعرابي يتحين وقته ويأتيه على فرس قصير كأنه على الدكان فأخذ دبه وجعل فيها حصى واتكأ عليها فإذا رأى الأعرابي اقبل أراه كأنه مشكاة فإذا قعقعت الدبه بالحصى نفر الفرس قالوا فلم يزل الأعرابي يدنيه ويتمنع هوبه حتى نفر به فصرعه فكان لا يعود بعد ذلك إليه .
وقيل أنه كان يأكل مع أعرابي فسقطت لقمة من المائدة فأخذها أبو الأسود ومسحها ثم أكلها وقال:
لا أدعها للشيطان يأكلها.
فقال له الأعرابي يتبخله :لا والله ولا لجبرائيل ولا لميكائيل.
وروي أنه كان يقول: ليس من العز من أن نتعرض للذل ولا من الكرم أن نستدعي اللؤم ومن أخرج ماله من يده أفتقر ومن أفتقر فلا بد له من أن يفزع والفزع لؤم وأن كان الجود شقيق الكرم فالانفه أولى بالكرم.
أبو الأسود والجوار:
روي أنه كان لأبي الأسود الدؤلي جار يتأذى منه كل وقت فباع الدار فقيل له :
- بعت دارك .
- قال: بل بعت جاري.
وكان لأبي الأسود جار في ظهر داره له باب الى قبيلة أخرى وكان بين دار أبي الأسود وبين داره باب مفتوح يخرج منه كل واحد منهما الى قبيلة صاحبه إذا أرادها وكان الرجل أبن عم أبي الأسود ونسيبه وكان شرسا سيئ الخلق فأراد سد ذلك الباب فقال له قومه : لا تضر بأبي الأسود وهو شيخ وليس عليك في هذا الباب ضرر ولا مؤنه فأبى إلا سده ثم ندم على ذلك لأنه أضر به فكان أراد سلوك الطريق التي يسلكها منه بعد عليه فقدم على فتحه فبلغ ذلك أبا الأسود فمنعه وقال:
بليت بصاحب أن أدنو شبرا
يزدن من مباعدة ذراعا
وان أمدد له الى الوصل ذراعي
يزدني فوق مشي الذرع باعا
أبت نفسي له إلا تباعا
وتأبى نفسه إلا أنتباعا
كلانا جاهد يدنو وينأى
فذلك ما أستطعت وما استطاعا
درس في منشأ علم النحو والإمام علي(ع):
عن أبن أبي الأسود الدؤلي عن أبيه قال: دخلت على أمير المؤمنين يوما فوجدته مفكرا فسألته فقال:
لقد سمعت في بلادكم لحنا فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية .
فقلت : إن فعلت هذا يا أمير المؤمنين أحييتنا وبعثت فينا هذه اللغة ثم أنتبه بعد أيام فألقى ألي صحيفة منها:
بسم الله الرحمن الرحيم ، الكلام كله أسم وفعل وحرف والاسم ما أنبأ عن السمي والفعل ما أنبأ عن حركة السمي والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل .
ثم قال لي: تتبعه وزد فيه ما وقع لك واعلم يا أبا الأسود الأشياء ثلاثة ظاهر ومضمر وشيء ليس بظاهر ولا مضمر .
قال: فجمعت منه أشياء فعرضتها عليه (ع) وكان من ذلك حروف النصب فكان منها إن وأن وليت ولعل وكان ولم أذكر لكن فقال لي : لمَ تركتها فقلت لم أحسبها منها قال بل هي منها فزدتها فيها.
وسمي بعلم النحو لقوله (ع) لأبي الأسود ( وأن لم ترد العبارة في خبر الزجاج ولكنها وردت في قضاء أمير المؤمنين (ع) ) بعد كلمة فتتبعه وزد فيه ما وقع لك وأنحو هذا النحو وعلى أساس هذا الخبر عد أبو الأسود الدؤلي بأنه أول من وضع علم النحو وكما ترى أنت فأن أول من وضع علم النحو هو أمير المؤمنين(ع)
وروي لأبي الأسود أخبار في مسائل لغوية ونحوية من ذلك ما رواه أبو الحسن المدائني قال: كان غلام يتقعر في كلامه فجاء أبو الأسود يلتمس بعض ما عنده فقال له أبو الأسود : ما فعل أبوك
قال : أخذته الحمى فطبخته طبخا وفتخته فتخا وفضخته فضخا فتركته فرخا .
فقال أبو الأسود : فما فعلت امرأته التي كانت تهاره وتشاره وتجاره وتزاره
قال : طلقها فتربصت غيره فرضيت وحضيت فما بضيت .
فقال أبو الأسود: قد عرفنا رضيت وحضيت فما بضيت ؟
قال حرف من الغريب لم يبلغك.
قال أبو الأسود: يا بني كل كلمة لا يعرفها عمك فأسترها كما يستر السنور صفيرها( ).
أبو الأسود ومبغضي أمير المؤمنين(ع):
كان بنو قتير عثمانية وكان أبو الأسود الدؤلي نازلا فيهم فكانوا يرمونه بالليل فإذا أصبح شكا ذلك فشكا مرة لهم فقالوا:
-ما نحن نرميك ولكن الله يرميك.
فقال: كذبتم لو كان الله يرميني لما أخطاني.
وكان يقول:
أحب محمدا حبا شديدا
وعباسا وحمزة والوصيا
أحبهم لحب الله حتى أحي
إذا بعثت على هديا
هوى أعطيته منذ إستدارت
رحى الإسلام لم يعدل سويا
يقول الأرذلون بنو قشير
طوال الدهر ما تنسى عليا
بنو عم النبي وأقربوه
أحب الناس كلهم إيليا
فإن يكن حبهم رشدا أصبت
ولست بمخطئ إن كان غيا
وروي أن نقش خاتمه كان هذا البيت:
يا غالبي حسبك من غالب
أرحم علي بن أبي طالب