،،،،
《علم البلاغة》
علم البلاغة هو فنٌ من الفنون يعتمد على دقة إدراك الجمال وصفاء الاستعداد الفطري قبل كل شيءٍ والانتباه إلى الفروق الخفية بين مختلف الأساليب.
وهي تأدية المعنى الجليل بشكلٍ واضحٍ من خلال عباراتٍ فصيحةٍ صحيحةٍ، تقع في النفس موقعًا خلابًا، على أن يلائم الكلام المواطن الذي يُقال فيها، ومن يُخاطبهم من أشخاص.
لذلك يمكن القول إن عناصر البلاغة هي لفظ ومعنى وتأليف للألفاظ يمنحها تأثيرًا وحُسنًا وقوةً. وأيضًا دقة اختيار الكلمات والأساليب بما يناسب مواطن الكلام ومواقعه وموضوعاته وحالة السامعين والنزعة النفسية التي تسيطر عليهم وتتملك نفوسهم، فأحيانًا قد تكون كلمةٌ ما حسنةً في موطنٍ ومستكرهَةً عند ورودها في غيره.
وحسب أبو هلال العسكري فإن علم البلاغة ومعرفة الفصاحة من أحق العلوم بالتعلم وأولاها بالتحفظ.
فإذا أراد شخصٌ ما أن يطلب طلبًا، وكان غافلًا في علم البلاغة فإنه يخلّ بطلبه ويفرط في التماسه وتفوته الفضيلة وتعلق به الرذيلة، ذلك أن جهله يبين ونقصه يظهر عندما لا يستطيع أن يفرق بين الكلام الجيد والكلام الرديء واللفظ الحسن والقبيح. أما إذا أراد أن ينظم قصيدةً أو يكتب رسالةً فإنه سيجعل من نفسه مهزأةً وعبرةً لأنه يخلط الصفو بالكدر. وعند رغبته بكتابة كلامٍ منثورٍ أو نظم شعرٍ فإنه يترك الجيد والمقبول ويختار ما هو سيءٌ، فيدل على فهمه القاصر ومعرفته المتأخرة.
مؤسس علم البلاغة
يقال إن عبد القاهر الجرجاني هو واضع فن البلاغة ومؤسسها، وذلك من خلال تصريح أكثر من عالم جليل ورفيع منهم حمزة الحسيني مؤلف كتاب ” الطراز في علوم حقائق الإعجاز” حيث ذكر في مقدمة كتابه أن الجرجاني هو أول من أسس قواعد فن البلاغة وأوضح براهينه، وأظهر فرائده حيث فكّ قيد الغرائب بالتقييد وفتح أزاهره من أكمامها.
وقد اتفق المؤرخون على الثناء عليه بالعلم والدين، ولقبوه بالإمام، حيث اشتهر بالنحوي قبل أن يضع علم البلاغة.
تعريف البلاغة لغة واصطلاحًا
- لغة: جاء في معجم لسان العرب (بلغ): “بلغ الشيء يبلغ بلوغًا وبلاغًا: أي وصل وانتهى، وبلغت المكان بلوغًا: وصلت إليه.
كما في قول الله تعالى: “فإذا بلغت أجلهُن” أي قاربته، وبلغ النبت: انتهى”. تدور الدلالة اللغوية حول الوصول أو مقاربة الوصول والانتهاء إلى الشيء والإفضاء إليه.
أيضًا نجد في لسان العرب ما يقارب المعنى الاصطلاحي في القول: “والبلاغة: الفصاحة.. ورجل بليغ وبِلغٌ وبَلغٌ: أي حسن الكلام فصيحُه يبلغ بعبارة لسانه كُنه ما في قلبه، والجمع هو بلغاء، وقد بلغ بلاغة أي أصبح بليغًا”.
- اصطلاحًا: ورد في معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب: أن البلاغة هي “مطابقة الكلام الفصيح لمقتضى الحال، فلا بد فيها من التفكير في المعاني الصادقة القيمة القوية المبتكرة منسقة حسنة الترتيب، مع توخّي الدقة في اختيار الكلمات والأساليب على حسب مواطن الكلام ومواقعه وموضوعاته وحال من يكتب لهم أو يُلقى عليهم”. ولم يقتصر المعجم على تعريف البلاغة إنما تعداه إلى شروط تحققها شكلًا ومضمونًا لتأسر عقل المخاطبين، وتفعل في قلوبهم وتشمل المواقف الكلامية التي يقفها المتكلمون. كما أضاف شرطًا أهم وهو أن العمدة في الحكم على بلاغة الكلام هو الذوق وحده. أي أن اختلاف الأذواق يجعل الحكم أمرًا نسبيًّا على بلاغة الكلام.
- تعريفات أخرى من التراث
نقل الجاحظ تعريفاتٍ للبلاغة عن عددٍ من الشعراء والكتّاب القدامى، منهم:
- ابن المقفع: البلاغة هي اسمٌ جامعٌ لمعان تجري في وجوهٍ كثيرةٍ، منها ما يكون في السكوت أو الاستماع أو الإشارة أو في الاحتجاج، ومنها ما يكون جوابًا، أو ابتداءً، ومنها ما يكون شعرًا، أو سجعًا وخطبًا ومنها ما يكون رسائلًا. فعامة ما يكون من هذه الأبواب الوحي فيها والإشارة إلى المعنى، والإيجاز، هو البلاغة”.
- العتابي: قال البليغ هو: ” كل من أفهمك حاجته من غير إعادةٍ ولا حُبسةٍ ولا استعانةٍ”.
- الرماني: عرفها بأنها إيصال المعنى إلى القلب بأحسن صورة من اللفظ
- أبو هلال العسكري: سميت بلاغة عنده: لأنها تنهي المعنى إلى قلب السامع فيفهمه
- ابن سنان الخفاجي: يقول إن القدماء لم يعرفوا البلاغة لأنهم اكتفوا برصد صفاتها
- الخطيب القزويني: يعرف البلاغة بأنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته، وهي وأنها ملكةٌ يُمكن بها تأليف كلامٍ بليغٍ.
نشأة علم البلاغة
نشأت البلاغة لخدمة النص القرآني المعجز الذي شغل ويشغل الدارسين إلى يومنا هذا، وكحافزٍ للتطرق إلى حقيقة الإعجاز في القرآن والوقوف على أسراره والتعرف إلى أصوله، حيث وجد العرب في أسلوبه شيئًا مغايرًا لأساليبهم، وبأنه يتمتع بفصاحةٍ وبلاغةٍ لم يوصف بمثلها كلام، حيث تحدى بلاغتهم التي كانت موضع زهوتهم وفخرهم.
ومن أشهر كتب البلاغة التي تناولت النص الشريف: كتاب مجاز القرآن لأبي عبيدة وكتاب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة وكتاب بيان إعجاز القرآن للخطابي وغيرها.
شروط البلاغة
تعد البلاغة من أكمل وأغنى علوم اللغة وأدقّها فائدةً. وورد أنه من شروطها: توخّي الدقة في اختيار كلٍّ من الكلمات والأساليب بما يتناسب مع مواقع الكلام وموضوعات من يكتب إليهم أو يُلقى عليهم. وتُردّ البلاغة إلى الذوق، أما الفصاحة فتعنى بالمفرد عنايتها بالتركيب.
،،،،