سينما الشعوب..!!
تمنى الفيلسوف نيتشه أمنية أراد تحقيقها حينما قال : " فيلسوف المستقبل هو تحديدا الفيلسوف الفنان"..
ويقول الفيلسوف " جيل دولوز " : " لقد بدا لنا من الممكن مقارنة المؤلفين السينمائيين الكبار ليس فقط مع الرسامين والمهندسين والمعماريين والموسيقيين وإنما مع المفكرين أيضا "
والنتيجة هي :" لا يمكن الفصل بين الإبداع الفني والتفكير الفلسفي "
منذ ايام وانا اشاهد كل يوم فيلم من افلام الشعوب بعيدا عن هوليود وتقنياتها فيصيبني الذهول من افلام الشعوب تلك حتى انه لامجال للتمايز بينها وبين هوليود..افلام من المانيا ورومانيا والتشيك والبرازيل والهند واليابان وايطاليا ووو..رائعة من جميع النواحي وفيها تاريخ الشعب وكفاحه الطويل وقصصه المريرة مع القمع والاستبداد حتى كأن الفيلم يقدم تكريما خالدا لضحيا الامّة امام انظار جميع العالم..
فيلم الماني لمدة ساعتين ممكن ان يغنيك عن عدّة كتب يتحدث الفيلم عن صعود النازية وسرور الالمان بها..!!..والحرب العالمية الثانية والمحارق وغرف الغاز ودخول الحلفاء وانقسام المانيا الى شطرين والنظام الشيوعي في شرق المانيا..كل هذا وأكثر خلال ساعتين مع موسيقى رائعة وأداء مذهل لخمسة ممثلين..فيلم آخر من رومانيا يتحدث عن " ربيع براغ " في خمسينات القرن الماضي وما بعده وما قبله ومعاناة الشعب الروماني مع الجنود السوفيت والمقاومة والاضطهاد والهزيمة والاستسلام والغدر والخيانة والنصر والحب...فيلم أخر من اليابان عن هيروشيما ومأساتها..والكثير الكثير من افلام الشعوب التي تسجل تاريخها في اشرطة سينمائية بدلا من كتب التاريخ..
وهنا سؤال يطرح نفسه : هل سجلت السينما العربية تاريخها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي في افلام تستحق المشاهدة..؟؟..
للأسف الشديد الجواب هو : لا..بسبب (تأميم السينما) من قبل جمال عبد الناصر الذي لايؤمن بتدخل السينما في السياسة وبالتالي لم يظهر فيلم واحد منذ انقلاب 1952 والى موت عبد الناصر اي فيلم يتكلم عن اي سلبية من سلبيات " الثورة "..بل ان السينما
قامت بترسيخ " الثورة " في اذهان الناس من خلال افلام موالية لها..بعد ذلك ظهرت كثير من الافلام التي تتحدث عن الفساد لكنها بنفس الوقت تبرر للثورة وتحمل المجتمع سبب الفساد..
عبد الناصر عندما أمم السينما (هو بالحقيقة امم الاراء والافكار)فأنه حرم مصر من اكبر مردود اقتصادي (كانت اشرطة فرقة آبا الموسيقية السويدية تجلب لخزينة الدولة اموال اكثر من شركة فولفو)وثقافي وسياسي (هوليود احد اعمدة القوة الاميركية بعد القوة العسكرية والمالية والاعلام)....وقد قالها صراحة زعيم الانقلابيين محمد نجيب بعد شهرين من الانقلاب قال : "السينما وسيلة من وسائل التثقيف والترفيه"
افلام الشعوب التي اشاهدها كل يوم والتي حازت على اعجاب الجماهير والنقاد والمهرجانات كلها تم انتاجها بعد تخلص تلك الدول من الحكم الشمولي والعسكري والمطلق (المانيا الشرقية رومانيا هنغاريا بلغاريا بولندا جيكيا سلوفاكيا..)وبالتالي السينما العربية لايبدو انها ستكون في الطريق الصحيح مستقبلا رغم انه لاينقصها شي الا حرية التعبير وحرية الفكر والرأي..