،،،،
《علم الصوتيات》
لطالما كان كلام الإنسان والأصوات التي يصدرها تمثل عمليةً معقدةً جدًا وموضوعًا شيّقًا تمت دراسته خلال قرونٍ من الزمن، ولطالما شكّل علم الصوتيات جزءًا هامًّا من علم اللغويات خلال تاريخه الطويل، إذ تم تسجيل أول امتحانٍ بعلم الصوتيات عام 500 قبل الميلاد في الهند القديمة.
ما هو علم الصوتيات
علم الصوتيات هو أحد فروع علم اللغويات، يركّز على دراسة الأصوات الكلامية وكيفية إصدار الأصوات بالإضافة إلى تصنيفها، مع العلم أنّ عملية الكلام وإصدار الأصوات تنشأ من خلال تفاعل مجموعةٍ من أعضاء الجسم، بدءًا من الشفاه واللسان والأسنان وانتهاءً بالحنجرة والحبال الصوتية.
بدايات علم الصوتيات
كانت البدايات الأولى في الهند بين القرن السابع والرابع قبل الميلاد، عندما وضع بانيني[TH1] (Panini) قواعد للغة السنسكريتية؛ كان بانيني فيلسوفًا وباحثًا لغويًّا و كان لإنجازه هذا الفضل في تطور علم اللغويات حتى يومنا هذا.
الفيلسوف والباحث اللغوي بانيني
ومن العلامات البارزة في تاريخ علم الصوتيات سيجونغ العظيم (Sejong the Great) ملك كوريا الذي أراد لشعبه أن يكون مثقفًا ومتعلمًا، إلا أنّ النظام اللغوي المعقد والمتبع حينها شكّل عقبةً أمام طموحاته، إلى أن ابتكر مع مجموعةٍ من العلماء أبجديةً جديدةً تعتمد على الأصوات، ما زالت هذه الأبجدية تستخدم في الكوريتين حتى يومنا هذا.
تمثال الملك الكوري سيجونغ العظيم 1397-1450
من الأسماء المشهورة في هذا المجال:
- وليام جونز (Sir William Jones) 1746-1794: محامي وعالم لغويات، عُرف عنه أنه يتكلم 7 لغات بطلاقةٍ وهو بعمر العشرين.
السيد وليام جونز
- هنري سويت (Henry Sweet 1845-1912: فيلسوفٌ إنكليزيٌّ وباحثٌ في اللغة من المساهمين الأساسيين في وضع الأبجدية الصوتية الدولية. وقد عبّر عن أهمية علم الصوتيات بمقولته الشهيرة:
من دون علم الصوتيات لا يمكننا رصد أو تسجيل أبسط ظواهر اللغة.
هنري سويت Henry Sweet 1845-1912
- دانيال جونز (Daniel Jones) 1881-1967 كان بروفيسورًا في جامعة لندن، استخدم مصطلح صوت بالمعنى الحديث وكان من المروجين لمصطلح حرف صوتي/علّة/.
دانيال جونز Daniel Jones 1881-1967
ماهي الأبجدية الصوتية الدوليةInternational Phonetics Alphabet (IPA)
طور مجموعةٌ من العلماء في نهاية القرن التاسع عشر أبجديةً تمثل نطق اللغات بدقةٍ، تحقق ذلك بتمثيل كل صوتٍ في اللغة برمزٍ معينٍ. كان الهدف من توحيد اللغة المنطوقة هو تجنب الالتباس الذي قد يحصل نتيجة التهجئات المختلفة المستخدمة في كل لغةٍ.
تم نشر أول نسخة عام 1888 وتمّ إعادة تنقيحها عدة مرات خلال القرنين العشرين والواحد وعشرين.
تستخدم IPA الرموز الرومانية بشكلٍ أساسيٍّ، وقد تم الاستعانة ببعض الرموز من أبجدياتٍ أخرى كاليونانية حيث تمّ تعديلها لتتوافق مع الرموز الرومانية، أيضًا استخدموا التشكيل ليكون التمييز دقيقًا بين الأصوات ولتبيان النطق السليم لكل صوتٍ.
الأبجدية الصوتية الدولية International Phonetics Alphabet (IPA)
فروع علم الصوتيات
بفضل التطور التكنولوجي الذي نشهده في أيامنا هذه، أصبحت الفرص متاحةً لنا بشكلٍ أكبر لدراسة الأصوات الكلامية وتتبع تغيّراتٍ معينةٍ في اللغة المنطوقة، وبما أنّ الأصوات الكلامية عبارةٌ عن مفهومٍ معقدٍ فإنّ علم الصوتيات يشمل 3 مجالاتٍ للدراسة:
- علم الصوتيات النطقي: يهتم بدراسة عملية إصدار الأصوات اللغوية، إذ يدرس حركة أعضاء جسم الانسان المسؤولة عن النطق.
- علم الصوتيات الفيزيائي: يبحث في الخواص المادية للأصوات اللغوية كطبيعة الأمواج الصوتية وسعة الذبذبات وعلوّ الصوت وحدته، بالإضافة إلى عملية انتقاله من المتكلم إلى المستمع.
- علم الصوتيات السمعي: يدرس كيفية استقبال وإدراك المستمع للأصوات اللغوية، ويبحث في جهاز السمع والعملية السمعية عند الإنسان.
الفرق بين علم الصوتيات وعلم النطقيات
غالبًا ما يترافق ذكر الصوتيات مع ذكر النطقيات، إذ أن كل منهما يشكل جزءًا أساسيًّا في اللغويات. الصوتيات يدرس عملية إصدار الأصوات والتفاعل بين أعضاء الجسم ليتم إصدار الصوت، في حين أن النطقيات يرتبط أكثر بالخصائص المجردة للأصوات، فهو يدرس الصوت اللغوي داخل البنية اللغوية من حيث وظيفته وتوزيعه وعلاقة ذلك بالمعنى والقوانين التي تحكم ذلك.
تصنيف الأصوات اللغوية
في علم الصوتيات وبالذات علم الصوت النطقي إنّ الأصوات اللغوية تُقسم بشكلٍ أساسيٍّ بين أصوات الأحرف الصوتية /العلة/ وأصوات الحروف الساكنة، والفرق الرئيسي بينهما هو مقدار الانسداد في مجرى الهواء أثناء الكلام والذي قد يكون تامًّا أو جزئيًّا.
صوت الحرف الصوتي
يصدر عندما يتدفق الهواء من الرئتين عبر الفم بدون أي عوائق، إذ ينتج عن اهتزاز الحبال الصوتية، ويمكنك الشعور باهتزازها إذا ما وضعت يدك على حنجرتك أثناء إصدار الصوت، وعندما لا يحدث الاهتزاز يكون الصوت مهموسًا أو ضعيفًا.
صوت الحرف الساكن
ينتج عن انغلاق أو تضييق مجرى التنفس. ويتم تصنيف الأحرف الساكنة بحسب المنطقة المسؤولة عن إصدار الصوت من المجرى الصوتي، فالحرف قد يسمى لثويًّا أو أسنانيًّا أو لهويًّا وغيرها. كما يؤخذ بعين الاعتبار إذا ما كان الهواء الذي يمر في المجرى الصوتي عند إصدار الحرف الساكن نابعًا من الرئة أم من بعض الآليات الأخرى، وفيما إذا كان تدفق الهواء قويًّا أم ضعيفًا. ومن وجهة نظر علم الصوتيات النطقي تصنف الأحرف الصوتية بحسب موقع اللسان أو الشفاه أو فيما إذا كان الهواء يخرج من الأنف.
تطبيقات علم الصوتيات
- له دورٌ هامٌّ في تدريس اللغات سواء كانت اللغة الأم أو اللغات الأجنبية وكذلك في تصحيح النطق.
- يُستَخدم في التحقيقات الجنائية من خلال تحليل الأصوات الواردة في التسجيلات لمعرفة لمن يعود الصوت، كما في حالة الاتصالات إلى أرقام الطوارئ والأدلاء ببلاغاتٍ كاذبةٍ ومكالمات التحرش الجنسي والمكالمات مع الخاطفين أو عمليات السطو على البنوك التي يتم تسجيلها ويكون الخاطفون ملثمين.
- ومن ناحيةٍ أخرى يتم تطبيق علم الصوتيات في علوم الحوسبة والذكاء الاصطناعي:
- كتقنية التعرف على الكلام كالتي يستخدمها مترجم غوغل وتقنية الاتصال الصوتي أو البحث الصوتي باستخدام غوغل وغيرها الكثير.
- تقنية التعرف على الصوت وتعمل على معرفة هوية المتحدث.
على الرغم من كون علم الصوتيات هو علمٌ قديمٌ، إلا أن العلماء ما زالوا يواصلون العمل في هذا المجال مع الاهتمام الواضح والجليّ بتطبيقاته العملية التي أصبحت تتدخل في تفاصيل حياتنا حتى وإن كنا على غفلةٍ من ذلك.
،،،،