يبدو طفل برج السرطان منذ أسابيعه الأولى متقلب المزاج ينتقل من حالة لأخرى بالسرعة التي ينتقل بها من اليقظة إلى النوم ومن الجوع إلى الشبع . محور عالمه الصغير الطعام والشراب ومختلف الصور الملونة التي تمر أمام عينيه تتلقفها ذاكرته الحادة – حتى في تلك المرحلة المبكرة بغية الاحتفاظ بها إلى حين الحاجة . وليست تلك الصور الحسية وحدها ما يحويه ذهنه , فهو يستوعب الكثير من المشاعر والأحاسيس ثم يخرجها بعد فترة كاملة غير محوّرة كأنها الصور التي تخرج من قلب ” كاميرا ” دقيقة الصنع .
في صحبة هذا الطفل متعة حقيقية لما يرتسم على قسماته من تعابير متلاحقة تتأرجح بين الضحك والبكاء . من المؤكد أن حاجاته العاطفية أكثر منها عند الأطفال الذين في مثل سنه . ولأن الشعور بالغربة والعزلة يلازمه دوماً , فنجده في حنين مستمر إلى عطف الآخرين واهتمامهم به . غير خجله الفطري يحول دون البوح بما يعتمل في نفسه , ولذلك يبقى من واجب ذويه أن يُدركوا تلك الحاجات , وأن يعملوا لقضائها بالوسائل الملائمة .. ثم إن هذا الطفل سريع الضحك والبكاء . إذا أطلق العنان لدموعه اندفعت كالسيل . تلك هي وسيلته لكسب العطف والاهتمام . عندما ينجح في هذا المسعى ينقلب إلى مخلوق مرح بالغ السعادة , وعندما يفشل يُصبح انطوائياً متجهم الوجه ..مخاوفه الكثيرة معظمها وهمي من وحي خياله . إنه يخشى العتمة والنار والسيارات والضجيج وغيره . على أهله أن يعالجوا فيه تلك الحالة السلبية , وأن يُشاركوه فرحه وشقاءه وإلا فقد ثقته بهم وبنفسه وأصبح في المستقبل إنسانا عدائياً منزوياً عن البشر ..بهذه المناسبة نقول أن هطول المطر يُثـير في هذا الطفل ردود فعل متباينة تختلف باختلاف ظروفه وحالاته النفسية , فأما أن يشعر نحوه بالخوف والقلق أو ينفعل منه بصورة إيجابية يعبر عنها بالرسم أو الشعر أو الموسيقى .. يبدو طفل برج السرطان إما نحيلاً جداً أو سميناً جداً , ويتوقف ذلك على حالته النفسية وعلى مدى إقباله على الطعام الذي يعتبر إحدى نقاط ضعفه . في الدراسة يُظهر ميلاً خاصاً إلى مادة التاريخ فيحفظ بسهولة عجيبة الأسماء والحوادث والتواريخ . مواهبه الكثيرة تتجه نحو التصوير الفوتوغرافي والمسرح والفنون بصورة عامة . يبدو منذ طفولته الأولى مُحباُ للمال والاقتصاد ولا يُستبعد أن يكسب قروشه الأولى وهو طفل لم يتجاوز بضع سنوات من العمر وذلك مقابل عمل يؤديه لأهله أو للجيران ..خياله الخصب يُصوّر له أحياناً أنه طفل غير محبوب أو غير مرغوب فيه مما يقوده إلى أوضاع نفسية صعبة ..إن إقناعه بعكس ذلك واجب مُحتم على والدته في الدرجة الأولى وخصوصاً لأن تعلقه بها واتكاله عليها في جميع المناسبات لا يتركان لغيرها مجال الاحتكاك به . على كل حال لا يسع أم هذا الطفل سوى التساؤل عن أفضل طريقة تربيه بها وإن كان ينفع معه اللين أم الحزم . بالإضافة إلى ارتباطه بوالدته يُظهر هذا الطفل تعلقاً بأخوته وأخواته يدوم حتى سن المراهقة في تلك الفترة قد ينقلب إلى شاب ثائر معارض دون أن يكون هناك سبب مباشر لهذا التحوّل . أما قبل ذلك فهو طفل سهل القيادة على الرغم من تقلبات مزاجه وكثرة أوهامه ..من الأمور التي تـلفت إليه الانتباه منذ الصغر حرصه على نقوده وأشياءه الخاصة ولعبه ذلك الحرص الذي يقوم على غريزة الأمومة وقدرته على اختلاق صديق أو أكثر وهمي يقضي معه أوقاته . ويتميز منذ الصغر أيضا بيد خضراء تحوّل التراب إلى رياض غناء . إنها إحدى الظواهر التي تستحق من أهله التشجيع .
هذا الطفل الضاحك الباكي يُقدس بيته ولا يستطيع الافتراق عنه . فمهما غاب أو بعد نراه يعود مسرعاً إلى حيث تنتظره اللقمة الطيبة وذراعا أمه الحنون ..