بداية المغالطة في المنطق والبلاغة هي قياس فاسد، وهي صناعة علمية لا تفيد استنتاج اليقين في المحاججة، وقد يسلّم لها الخصم وقد لا يسلّم. المغالطة هي ادعاء غير صحيح قد يكون مبنيا على أسس وأدلة غير سليمة مما يقود إلى نتائج خاطئة، أو قد يستند إلى أدلة صحيحة ولكنه ينطلق منها إلى استنتاجات مغلوطة.
في هذا الموضوع سنتكلم عن مغالطة تتواجد بكثرة وتؤثر تأثيرا كبيرا في مدى قبول الأشخاص لمعلومات قد تكون لا تحمل أي اساس من الصحة حينما وقعوا ضحية لما يسمى بالإنحياز التأكيدي وهو موضوعنا في هذا المقال
يدعى أيضا الإنحياز الذاتي، وهو الميل للبحث عن وتفسير وتذكر المعلومات بطريقة انتقائية؛ تتوافق مع معتقدات وافتراضات الفرد بينما لا يولي انتباهاً مماثلاً للمعلومات المناقضة لها.
يُظهر الأشخاص هذا الإنحياز عندما يجمعون أو يتذكرون معلومات بشكل انتقائي أو عندما يفسرونها بطريقة متحيزة. ويميل الشخص للتصديق دون التأكد ، أو - أحيانا- لف المعاني الواضحة إلى معاني أخرى ليست المعنى الحقيقي للمعلومة؛ ليؤكد صحة فكرته.
هناك أحيانا يميل بعض الأشخاص إلى عدم قراءة الأفكار المضادة نهائيا، فهو لا يريد أن يجد فيها شيئا ينافي الأفكار التي ينحاز إليها.
الإنحياز موجود في كل الثقافات والبلدان وليس فقط في مجتمعنا فهناك كثيرا ممن يميل للأخبار التي تتماشى مع تفكيره أو يلوي عنق المعلومات غصبا لتثبت انحيازه.
يدعَم الانحياز التأكيدي الثقة المبالغة بالمُعتقدات الشخصية؛ ويحفظ ويقوِّي المُعتقدات في وجه الأدلة المعاكسة، وأحيانا يميل الشخص إلى تصديق المعلومات التي تأتي تأكيدا لمعتقداته وأفكاره مسبقا؛ حتى أن كانت المعلومة لا تحمل أي أساس من الصحة، وبذلك لا يتحقق القارئ من صحة المعلومة التي تميل مع ما يحب أو تقف أحيانا ضد ما يكره..
أحيانا يستخدم الكاتب مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، فإذا كان هدفه هو زيادة ثقتك في ما تحب من المعلومات سيأتي بأي شيء؛ ولو اقتضى الأمر أكاذيب وأشياء ليس لها أساس من الصحة، أو ربما يكون الكاتب نفسه ينحاز إلى أفكار يحاول أن يجعلها متوافقة مع فكرته ومع ما يحب، وأحيانا لشدة كرهه ينحاز مدفوعا بالعاطفة ضد الآخر بأفكار ومعلومات يحاول بها أن يؤكد سوء الطرف الآخر ولو بأدلة خاطئة.
هنا بعض الامثلة:
مثلا شخص يكتب عن تاريخ أو عن تحرير بلد ما، فيكتب الكاتب أشياء قد يكون مبالغ فيها ولا تحمل أي أساس من الصحة، والقارئ يميل لتصديقها بدافع العاطفة وحبه لبلده، وأحيانا يأتي بمعلومات ليست مؤكدة كأن يذكر دراسات تقول إن البلد يحتوي على ترليون برميل من النفط ولا توجد دراسة أصلا .
لعل أكثر الأمثلة انتشاراً في مجتمعنا، الإنحياز مع المعتقدات الدينية، فهو يأتي لك بمعلومة زائفة، ويغلفها بغلاف ديني
مثال : قرأت مره تفسيرا للاية القرآنية (( أفمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم)) مع أن معنى الآية واضح؛ ولكن فسرها بسقوط برجي التجارة في نيويورك عام ٢٠٠١ و بأن "جرف هار" هو اسم الشارع، وبعد البحث لا يوجد مطلقا شارع في نيويورك اسمه جرف هار بل اسم الشارع "وول ستريت".
وهنا بعض الأمثلة التي لا دليل علمي مطلقا عليها فقط ننحاز إليها بدافع الحب لمعتقداتنا مثل:
شعاع يخرج من الكعبة ويصعد في السماء، أو لبس الذهب للرجال يؤذي الحيوانات المنوية ولذلك حرم الله الذهب على الرجال، الفتاة التي مسخها الله عندما استهزأت بالقرآن وحولها إلى مخلوق بدائي، وأتوا بصورة لها هي في الأصل تمثال في أحد المتاحف، اذا توقف الطواف سيتوقف دوران الأرض —لاندري لماذا لم تتوقف مليارات السنين قبل ضهور البشر على الأرض وقبل ضهور الإسلام —وهناك أمثلة كثيرة جدا ننحاز إليها بدافع الجهل أولا وثانيا ننحاز إليها لأنها تؤكد ما يوافق معتقداتنا، وهي في الأصل لا تحمل أي أساس من الصحة
مثال آخر من نوع آخر:
مرة من المرات وجدت بعضهم قد صدق بهذا الخبر، وهو أن ترامب طلب عشرين ترليون دولار من السعودية، وقالوا إن هذا الخبر منشور في جوجل،،، إذا نضرنا إلى الناتج المحلي الإجمالي لدول العالم فلن نجد الا ثمان أو تسع دول تتكلم بالترليون وحتى هذه الدول لم تصل إلى عشرين ترليون.
إذا حسبناها بالذهب فهي تساوي قيمة أربعمائة الف طن من الذهب تقريبا. إذن فالرقم خيالي وغير صحيح، كيف صدقوا الكذبة لأنهم انحازو ضد السعودية فقط بدافع الكره. قد تكون السعودية دولة سيئة ، لكن لا يعني أن نصدق أي إشاعة، ولكن مثل ما قلنا انحازو للكذبة دون تأكد.
وهناك الكثير من الأمثلة.
اختم بهذه الجملة:
((المتعصب دائما يستقي أفكاره من جهة واحدة فقط))
إلى اللقاء.
ا/محسن عزالدين البكري
(صديق العلم)