بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
طرح البعض شبهةٌ ترتبط بوقوع الشرور في النظام الكوني الذي نعيش فيه، وملخصها هو: إن هناك بعض الشرور، مثل الأمراض والأوبئة والآلام وتحدث كذلك براكين وزلازل يترتب عليها هلاك مجموعةٍ من الناس، كما أنَّ بعض الناس باختيارهم يرتكبون جملةً من الأفعال القبيحة، كالظلم والجور والكذب ومقابلة المحسن بالإساءة، إلى غير ذلك من الأفعال القبيحة، فالشر موجودٌ حينئذٍ، فمن حقنا أن نسأل:
هل يعلم الله (تبارك وتعالى) بوجود الشرور في هذا الكون؟
فإن قلت: لا يعلم.
فيلزم من ذلك نسبة الجهل إلى الله (تبارك وتعالى)، وهذا ما لا يعتقد به الإلهيون.
وإذا كان يعلم، فهل الله (سبحانه وتعالى) قادر على إيجاد الكون من دون شرور؟
فإن قلت: غير قادرٍ يلزم من ذلك نسبة العجز إلى الله (تبارك وتعالى)، والله (جلَّ شأنه) في عقيدة الإلهي ليس عاجزًا، فإذا كان الشر موجودًا والله (تبارك وتعالى) يعلم به، وهو قادرٌ على إيجاد الكون بلا شرور، فسوف يكون هو الفاعل للشر، وحيث إنَّ فعل الشر قبيحٌ، فيلزم من ذلك نسبة فعل القبيح إلى الله (تبارك وتعالى).
وقد يقول الإلهي: إنَّ الباري (تبارك وتعالى) أوجد هذا الكون وما فيه من الشرور لحكمةٍ، وهي أن يختبر الناس، فإنَّه يقال في مقام الجواب على كلامه: إنَّ الله (تبارك وتعالى) في عقيدة الإلهي يعلم بما كان ويكون وبما سوف يكون، ولا يخفى عليه خافيةٌ، فهو يعلم نتيجة الاختبار، فلماذا يخلق الخلق لأجل نتيجةٍ هو يعلم بها قبل خلق الخلق؟
في مقام الجواب على هذه الشبهة أذكر مجموعة من الأمور، هي:
الأمر الأول: الشرور لازمة لحقيقة الكون.
الأمر الثاني: الاختبار الإلهي بين الغاية والتحقق.
الأمر الثالث: الفرق بين نتيجة الاختبار الإلهي ووقوعه.
الأمر الرابع: الخير الغالب والشر التبعي.
الشرور لازمة للكون
إنَّ وجود الشر في هذا الكون أمرٌ لازمٌ لا يقبل الانفكاك عن حقيقة هذا الكون، فإنَّ الله (تبارك وتعالى) قبل أن يخلق الخلق أراد أن يوجد نوعين من العوالم وهما:
النوع الأول: العالم الذي كله خيرٌ، ولنعبر عن هذ النوع بعالم الملائكة، فإنَّه في عالم الملائكة يوجد اختيارٌ، وهذا الاختيار لا يترتب عليه شرٌ أبدًا.
النوع الثاني: العالم الذي يوجد فيه خيرٌ وشرٌ، وهو عالم الدنيا وعالم المادة المحكوم بقوانين التزاحم وقوانين عالم الطبيعة، وخلق عالم الملائكة ليس خلقًا لعالم الدنيا، كما أنَّ إيجاد عالم الدنيا ليس إيجادًا لعالم الملائكة، فهذان قسمان مختلفان، وإيجاد أحدهما ليس إيجادًا للآخر.
لماذا لم يخلق الله الرقم (2) كالرقم (3)؟!
ومن الخطأ أن يقول شخصٌ: لماذا لم يُخلق عالم الدنيا كعالم الملائكة لا شر فيه؟ وذلك لأنَّ طرح هذا السؤال بهذه الصيغة هو نظير أن يقول شخصٌ: لماذا لم يخلق الله (تبارك وتعالى) الرقم 2 كالرقم 3، فجعله فردًا ولم يجعله زوجًا، فهذا السؤال في نفسه خاطئٌ، لماذا؟
لأنَّ الزوجية بالنسبة إلى الرقم 2 ذاتيةٌ، فلا يمكن أنَّ يوجد الرقم 2 وهو فردٌ، فإن وجد الرقم 2 فهو زوجٌ، فإذا قال لنا شخصٌ: لماذا لم يخلق الرقم 2 فردًا؟ فإنَّنا سوف نقول له بأنَّ طرحك لهذا السؤال لم يكن بطريقةٍ صحيحةٍ، لأنك لما قلت: لماذا لم يُخلق الرقم 2؟ فأنت تتحدث عن الرقم 2، ولما قلت فردًا، فأنت تتحدث عن حقيقةٍ أخرى تختلف عن حقيقة الرقم 2، فلو كان الله (تبارك وتعالى) سيحدث الرقم 2 فهذا يعني أنَّه أوجد الرقم 2، ولو كان سيحدث حقيقة فردية تتصف بالفردية فهذا يعني أنه لن يخلق الرقم 2، فإذا قيل خَلق الرقم 2 والمخلوق في خلق الرقم 2 فرد، فهذا يعني: أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) خلق الرقم 2 ولم يخلق الرقم 2 في آنٍ واحد، وذلك لأنَّ الزوجية ذاتيةٌ للرقم 2، ولا يمكن انفكاك الزوجية عن الرقم 2.
بعد اتضاح هذا المثال نقول:
إنَّ الأمر كذلك بالنسبة إلى عالم الدنيا، فعالم الدنيا حقيقته أنَّه عالم المادة، وعالم القوانين الحاكمة على المادة، و عالم التزاحم، وحقيقة كوكب الأرض أنَّه مخلوقٌ من هذه المادة، ومحكومٌ بالجاذبية، ولا يمكن أن توجد الأرض وهي مكونةٌ من حقيقةٍ أخرى، لأنَّ ما سوف يوجد هو مكونٌ من حقيقةٍ أخرى وليس هو كوكب الأرض الذي نعرفه بل هو كوكبٌ آخر، فلا يمكن أنَّ يوجد عالم الطبيعة وعالم المادة ليس مكونًا من هذه الطبيعة وهذه المادة، وليس محكومًا بهذه القوانين الحاكمة على عالمنا، لأنَّ الذي سوف يوجد حقيقةٌ أخرى، فقول القائل: لماذا لم يُخلق عالم الدنيا كعالم الملائكة؟ يعني أنَّ الله (تبارك وتعالى) لم يخلق عالم الدنيا وإنما خلق عالمٌ آخر، نظير قولنا يخلق الرقم 3 فيكون فردًا، ولا يخلق الرقم 2 الذي هو زوجٌ.
فالشرية[1] إن كانت موجودةٌ في عالم الدنيا فذلك بسبب أنَّ هذه الشرية أمرٌ ذاتيٌ لعالم الدنيا، وليست أمرًا يقبل الانفكاك عن عالم الدنيا، نعم الله (تبارك وتعالى) قدرته عامةٌ، وبإمكانه أن يوجد عالمًا آخر كله خيرٌ، وقد فعل ذلك في عالم الملائكة، وأوجد الجنّة وهي دار السلام وكل ما فيها خيرٌ، ولكن خلق الله (تبارك وتعالى) لعالم الملائكة أو للجنة يعني أنه (سبحانه وتعالى) لم يخلق عالم الدنيا، وما نعتقد نحن به كإلهيين هو أن الله (تبارك وتعالى) كما شاء أن يخلق عالم الملائكة شاء أن يخلق عالم الدنيا، وكما شاء (سبحانه وتعالى) أن يخلق الرقم 3 شاء أن يخلق الرقم 2، ومن الخطأ أن يقال لماذا لم يخلق عالم الدنيا كعالم الملائكة، لأنَّ مرجع هذا التساؤل في حقيقته إلى: لماذا خلق عالم الدنيا ولماذا لم يكتف فقط بخلق عالم الملائكة؟
الاختبار الإلهي بين الغاية والتحقق
إنَّ الله (تبارك وتعالى) خلق عالم الدنيا كما خلق عالم الملائكة لغايةٍ وهي: أن يُعرف ويُعبد، قال (جلَّ شأنه): (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ــ سورة الذاريات، الآية 56 ـــ وقال تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) ــ سورة الطلاق، الآية 12 ــــ ، نعم لكي يدخل الإنسان الجنة لابد من اختبارٍ، فالباري (تبارك وتعالى) جعل الجنة مشروطةٌ بالاختبار، ومن الواضح أنَّ شرط دخول الجنة ليس العلم بالاختبار، وإنَّما واقع الاختبار، خصوصًا إذا قلنا بنظرية تجسد الأعمال، التي ترى أنَّ نعيم الإنسان في الآخرة وعقاب الإنسان فيها ليس إلا نتيجةً لفعله في الدنيا (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة ٧-٨ ،(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) النساء ١٠ ، وبناءً على هذه النظرية، فالإنسان هو الذي يكتسب الجنة بفعله، وهو الذي يكتسب النار بفعله .
تبعية العلم المصيب للواقع
وعِلم الله (تبارك وتعالى) بأنّ الإنسان سوف يدخل في الجنة أو في النار وإن كان سابقًا على وجود الإنسان، ومتقدمًا على دخول الجنة أو النار، إلاّ أنَّه تابعٌ لوجود الإنسان ولدخول الإنسان في الجنة أو دخوله في النار، وذلك لأنَّ كل علمٍ تابعٌ للمعلوم، فلأنَّ الإنسان في المستقبل سوف يذهب إلى الجنة أو سوف يذهب إلى النار عَلِم الله (سبحانه وتعالى) بذلك من الأزل، ولو كان الله (عزَّ وجل) يعلم من الأزل بأن زيدًا سيدخل الجنة وهو في الواقع سيدخل للنار، فلن يكون ما يعلمه الله (تبارك وتعالى) عِلمًا مطابقًا للواقع.
إذًا فصاحب هذه الشبهة وقع في خلط بين موردين وهما:
المورد الأول: الخلط بين غاية الخلق وبين شرط الدخول في الجنة والنار، فإنَّ غاية الخلق العبادة والمعرفة، بينما شرط دخول الجنة والنار هو اختيار الإنسان، بأنَّ يكتسب الإنسان الفعل الحسن ويجتنب عن الفعل القبيح باختياره.
الأمر الثاني: الخلط بين سبق علم الله (تبارك وتعالى) وبين تقدم المعلوم وتبعية العلم السابق للمعلوم، فإنَّ الغاية من إيجاد الخلق تحقق العبادة في الخارج، وهذه الغايةٌ وجوداً وعدماً متقدمةٌ على العلم، لأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يعلم بالأشياء كما هي، فإن كان نحو تحقق الغاية بالتزام جميع العباد، فإنَّ الله (تبارك وتعالى) يعلم من الأزل بالتزام جميع العباد، وإن كان نحو تحقق هذه الغاية التزام البعض دون البعض، فإنَّ الله (سبحانه وتعالى) من الأزل يعلم بالتزام البعض دون البعض الآخر، وبعبارةٍ مختصرةٍ نقول: نحن نعتقد أنَّ الله (جلَّ شأنه) خلق الخلق لعبادته، فلأنَّه (سبحانه وتعالى) يحب ذاته ويحب أن يُعرف و يعبد فأوجد الخلق لذلك . نعم بعض الخلائق سوف يلتزمون بعبادته دون البعض الآخر، وهذا يعلم به الله (تبارك وتعالى) منذ الأزل، إلاَّ أنَّ الغاية ليس هو العلم بتحقق الغاية الثابت من الأزل، وإنَّما الغرض والعلة هو تحقق الغاية خارجًا، وهذه الغاية سوف تتحقق ولو من بعض العباد.
وإذا قلت: لكنها لن تتحقق من البعض الآخر، فلمَّاذا خلق الله (تبارك وتعالى) البعض الآخر؟
قلت: السرّ في خلق البعض الآخر هو: أنَّ هذا الكون لا يمكن أن يوجد بمجموعه تامًا كاملًا بخلق البعض دون البعض الآخر، فإن الله (تبارك وتعالى) يوجد هذه النشأة بمادتها وبقوانينها، ثم بمقتضى هذه النشأة الذي هو أمرٌ ذاتيٌ بالنسبة إليها، يوجد مطيعٌ ويوجد عاصٍ، ولا أقلًا من احتمال ذلك، وهذا نظير مزارعٍ يرسل الماء على الأرض، وهو يعلم أنَّ بعض الحشائش الضارة تستفيد من الماء، إلاَّ أنَّ غرضه من إرسال الماء هو أن يسقي الأشجار النافعة، -طبعًا هذا المثال يقرب من جهةٍ وبعيد من جهات متعددة -، وما أريد قوله هو: أنَّ العقل يقبل أنَّ الفعل حكيمٌ في ما إذا كان يترتب على الفعل بعض الجهات السيئة التي لا يمكن أن تنفك عن الجهات الحسنة، ولكن بشرط أن تكون الجهات الحسنة غالبةً، وهذا ما سوف يأتي تفصيله لاحقًا.
الفرق بين نتيجة الاختبار الإلهي ووقوعه
لو سلمنا أنَّ الغرض من خلق الخلق هو الاختبار، فهل يمكن أن يُشكل علينا بأن الله (تبارك وتعالى) يعلم من الأزل بنتيجة الاختبار فلمَّاذا يخلق الخلق لأجل الاختبار؟
وجوابنا هو: لا يمكن أن يُشكل علينا بذلك، والسبب راجعٌ لمَّا بيانه في الأمر الثاني، وهو أنَّ هناك فرقاً بين العلم بنتيجة الاختبار وبين تحقق الاختبار وواقعه، فالباري (سبحانه وتعالى) غرضه ليس العلم بنتيجة الاختبار، وإنما أن يتحقق الاختبار خارجًا، وأن يتحقق ما يعلم به من الأزل، ويمكن أن أقرب ذلك بمثالٍ: -ونؤكد مرة أخرى على أنَّ الأمثلة دائمًا تقرب من بعض الجهات وتبعد من جهاتٍ أخر، فينبغي أن نلحظ جهات التقريب- لو فرضنا أنَّ شخصًا يعلم بأنَّه سوف يلتقي بصديقه لو ذهب إلى الحديقة، وكان غرضه أن يلتقي بصديقه، فهل يصح أن نقول لا معنى لأن يخرج إلى الحديقة لأنَّه يعلم إن ذهب إلى الحديقة فسوف يلتقي بصديقه، مما لا شك فيه عدم صحة هذا القول، وذلك لأنَّ الغرض ليس هو العلم بالالتقاء، وإنَّما هو أن يتحقق واقع الالتقاء بينهما، وهذا الواقع غير متحققٍ قبل الخروج.
والأمر كذلك بالنسبة إلى خلق الخلق إذا كان الغرض هو الاختبار، فالباري (تبارك وتعالى) يعلم بنتيجة الاختبار ولكن الغرض ليس هو العلم بنتيجة الاختبار، وإنَّما الغرض أن يتحقق الاختبار خارجًا، والاختبار ليس متحققًا خارجًا في الأزل وإنما يتحقق بعد خلق الخلق.
الخير الغالب والشر التبعي
إذا قلنا بأنَّ الشر أمرٌ حقيقي في الخارج وليس أمرًا نسبيًا، وأنَّ نشأة الدنيا لا تنفك عن الشر، فيدور الأمر بين ألا يخلق الله (تبارك وتعالى) الدنيا، وبين أن يخلقها فيترتب على ذلك الشر الموجود فيها، فهل يجوز عقلًا لله (سبحانه وتعالى) أن يخلق عَالم الدنيا فيترتب في ذلك بعض الشرور، أما يتعين على الله (تبارك وتعالى) ألا يخلق أبدًا؟
لقد ظن المستكشل أنَّه في هذه الحالة يتعين على الله (عزَّ وجلَّ) ألا يخلق أبدًا، لأنَّه إن خلق فسوف يكون (سبحانه وتعالى) قاصدًا للشر، وقصد الشر قبيحٌ.
وللرد عن هذا أقول: إنَّ قصد الشر إذا كان تبعيًا فإنَّه لا يكون قبيحًا، ولكي يتضح هذا المعنى أضرب المثال التالي:
من الأمور التي يُقرّها العقلاء ويرون حسنها إدخال وسائل المواصلات الحديثة في البلاد كالطائرات والقطرات والسيارات، وإدخال الكهرباء، مع أنَّ حوادث الموت التي تقع بسبب وسائل النقل أو بسبب الكهرباء كثيرةٌ جدًا، وتقع يوميًا، فلمَّاذا لا يلوم العقلاء المسؤولين عن البلاد لأنهم أدخلوا الكهرباء أو أدخلوا وسائل النقل الحديثة؟
السر في ذلك عائدٌ إلى أنَّ إدخال هذه الأمور وإن ترتب عليه شرٌ إلاَّ أنَّ خيرها غالبٌ، فهذه الشرور ليست مقصودةٌ في ذاتها فيما إذا أدخل المسؤولون الكهرباء أو المواصلات، وإنَّما هي مقصودةٌ بتبع قصد الخير الغالب، ولهذا لا يكون قصدها التبعي قصدًا سيئًا، يوجب اتهام المسؤولين بأنهم شرّيرون.
مسك الختام:
إذا قام دليلٌ على وجود الله (تبارك وتعالى) وهو: أنَّ هذا العالم حادثٌ، أو أنَّ هذا العالم ممكنٌ، ولا بد لكل حادثٍ من محدثٍ، ولا بد لكل ممكنٍ من واجب يقومه، فلا بد أن نقول بأنَّ الله (تبارك وتعالى) هو الذي خلق هذا الكون، لأنَّ ما نعبر عنه بلفظ الله (تبارك وتعالى) نقصد به من أوجد هذا الكون، وإذا كان في هذا الكون شرورٌ، فلا يمكن أن نستكشف من وجود هذه الشرور أنَّ الإله شريرٌ، وذلك لأنَّه من المحتمل عقلًا ـ ولا دافع لهذا الاحتمال ـ أنَّ هذه الشرور ذاتيةٌ لا تنفك عن نشأة الدنيا، فلا يمكن أنَّ توجد هذه النشأة من دون هذه الشرور، فيدور الأمر بين عدم خلق هذه النشأة، أو خلق هذه النشأة وترتب هذه الشرور، ومن المحتمل أنَّ خير هذه النشأة غالبٌ على شرها، وأنَّ الإله أوجد هذه النشأة بقصدٍ أصليٍ للخير الموجود الغالب، وقصدٍ تبعيٍ للشرور، فلا يكون إيجاده لهذه النشأة مع هذه الشرور موجوبًا لاتصافه بكونه شريرًا، بل يكون خلقه موجبًا لاتصافه بأنه خيرٌ، لأنَّه رجح الخير الغالب.