بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الشخصية المعجزة.
إن المتتّبع والمنقِّب يقف مذهولاً أمام عظمة شخصية النبيّ الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في أبعادها كافة، ومما لا شك فيه أنّ النتيجة المتحصِّلة عنده هي أنه صلى الله عليه وآله وسلم شخصية البشر كلُّ البشر أعجز عن الوصول إلى إدراكها ومعرفتها بتمام المعرفة والإدراك، فضلاً عن الإهتداء إلى وصفها وبيان أبعادها في جوانبها الروحية والمعنوية والعملية والفكرية... من حيث الصفات والكمالات الفردية أو الاجتماعية أو الإنسانية، ومما لا شك فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم فرد بكل ما للفرادة من معنى، لا ندّ له ولا مثيل في طول البشرية بل الخليقة وعرضهما.
وقد اجتمعت في شخصه المقدس كلّ الصفات المأمولة للإنسان الكامل، وقد ختم كل مقامات الكمال لتُختم بنبوته النبوات. وحقّ لنا القول إِنّ النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في خلقه وصفاته يلامس حدّ الإعجاز، لينال تأكيد العظيم عزَّ وجلَّ لذلك بقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.2
بركات الوجود المحمدي:
ولا تقتصر آثار وجود النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم على أخلاقه وشخصه، فإنّ له بركات لا نبالغ إذا قلنا أنها عمّت كل جوانب عالم المخلوقات ولعلّ قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾3 إشارة إلى عموم الرحمة الواصلة إلى الخلائق بسببه صلى الله عليه وآله وسلم. وكي لا يطول بنا المقام نذكر بعضاً من هذه البركات والآثار.
1- الأمان: ومعنى أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمان أي أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم مانع من عذاب الإستئصال، أي إهلاك البشرية، ويمكن لنا أن نقول بالنسبة إلى العذاب الدنيوي فإنّ له جهتين من الأمان:
أ- قبل ولادته: قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾.4 والمعنى أنه تعالى بقوله: وما "كان وما كنا" يشير إلى أنه قد أجرى سنّة دائمة وأبدية في أن لا يعذب أحداً إلا بعد اتمام الحجة، وهناك احتمال قوي أن يكون المراد بإهلاك القرى هو كل القرى بما يعمّ الحياة البشرية على الأرض، والمانع، منه يكون هو ارسال الرسول إلى أمّها التي هي المركز، وقد احتمل بعض المفسرين كونها مكة. وعليه فإن الله رداً على ما نقله القرآن عن مشركي مكة وهو قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا...﴾.5 يصبح المراد هو أنَّ هناك شرطين لإهلاك البشرية أحدهما عموم الظلم والثاني استيفاء الحجة بخاتم الرسل فهو صلى الله عليه وآله وسلم أمان قبل الولادة حتى يولد.
ب- أمان أثناء وجوده وأداء رسالته: قال تعالى في سورة الأنفال الآية 33: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. يقول السيد الطباطبائي في تفسير الميزان: "والمعنى ولا يعذب الله هذه الأمة وانت فيهم حياً...". والعذاب المقصود هنا نفيه ليس ما حصل من قتل وأسر وغير ذلك، وإنما المقصود عذاب الإستئصال بآية سماوية كما كان يجري للأمم السابقة قبل الإسلام.
2- الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الوسيلة للتقرب إلى الله: قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.6
وقد نقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "سلوا الله لي الوسيلة...".
والمعنى أن يدعو الإنسان ربه أولاً: أن يُعطي الرسول الوسيلة وثانياً: أن يُتوسل به صلى الله عليه وآله وسلم لقضاء الحوائج وغفران الذنوب.
وقد جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "الوسيلة درجة عند الله ليس فوقها درجة، فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة".
وعن كون الوسيلة تعني التوسل بمقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورد عن الإمام علي عليه السلام: "أيها الناس إن الله تعالى وَعَدَ نبيّه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم الوسيلة ووعدُه الحق ولن يخلف الله وعده، ألا وإنّ الوسيلة على درج الجنة، وذروة ذوائب الزلفة ونهاية غاية الأمنية" وفي تفسير الميزان قال: "... إن الوسيلة هي مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ربه الذي به يتقرب هو إليه تعالى".
3- واسطة في غفران الذنوب: ولعل هذا المقام هو من مصاديق الوسيلة، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيم﴾.7
وهذه الآية واضحة في كونه صلى الله عليه وآله وسلم من مصاديق الوسيلة في قبول الإستغفار وإزالة آثار وتبعات الذنوب في الآخرة.
4- الشفاعة: وأيضاً يمكن اعتبار الشفاعة النبوية في الآخرة من مصاديق الوسيلة والأمان.
قال تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُود﴾.
روى أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقبلاً على علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يتلو هذه الآية: ﴿فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُود﴾8 فقال: "يا علي إن ربي عزَّ وجلَّ ملَّكني بالشفاعة في أهل التوحيد من أمتي وحظر ذلك عمن ناصبك أو ناصب ولدك من بعدك".9
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا قمت المقام المحمود تَشفَّعت في أصحاب الكبائر من أمتي، فيشفعنّي الله فيهم، والله لا تَشفَّعت فيمن آذى ذريتي".10
خاتمة:
لا مجال لبيان تمام البركات المترتبة على الوجود المقدس للنبي الأكرم، ولا نعتذر بكون المقام مقام ايجاز، بل عذرنا هو عدم القدرة على الإحاطة التامة بهذه البركات، ليس فقط تقصيراً، وإنما أيضاً لكوننا قاصرين ولأنها أيضاً لم تظهر بتمامها في عالم الشهادة، وننتهي بما جاء عن أبي جعفر عليه السلام حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مقامي بين أظهركم خيرٌ لكم فإن الله يقول: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ ومفارقتي إياكم خير لكم". فقالوا: يا رسول الله مقامك بين أظهرنا خيرٌ لنا، فكيف تكون مفارقتك خيراً لنا؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم:"أما أن مفارقتي إيّاكم خيرٌ لكم فإنّ أعمالكم تُعرض عليّ كلّ خميس واثنين، فما كان من حسنة حمدت الله عليها، وما كان من سيئة استغفرت الله لكم".11
1- ميزان الحكمة، ج2، ص1472.
2- سورةالقلم، الآية: 4.
3- سورة الأنبياء، الآية: 107.
4- سورة القصص، الآية: 59.
5- سورة القصص، الآية: 57.
6- سورة المائدة، الآية: 35.
7- سورة النساء، الآية: 64.
8- سورة الإسراء، الآية: 79.
9- تفسير نور الثقلين، ج3، ص207.
10- تفسير نور الثقلين، ج3، ص208.
11- تفسير القمي، ج، ص276.