بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته



المجتمع الاسلامي يمتاز عن غيره من المجتمعات في العالم بانه يصلح نفسه بنفسه، ولذا كان المجتمع النموذجي والوسط، وفق التعبير القرآني؛ {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ...}، (سورة البقرة: 143)، وقد حدد الإسلام آليات عدّة لتحقيق هذا الإصلاح، بينما نرى في التاريخ، العديد من المجتمعات لم تدم طويلاً، فعمرها لم يتجاوز نصف قرن، ومن ثم يبدأ العد التنازلي نحو الانهيار.

وإنما تموت هذه المجتمعات لأنها تفقد عامل الديمومة الأساس، وهو وجود نظام لتصفية الرواسب السلبية التي تخلقها المشاكل التي تعتريها، كالمريض الذي يشكو من تعطّل كليته عن العمل، فلا يمر دمع بعملية تصفية تبعد عنه السموم، لذلك لا يستطيع هذا الانسان ان يعيش طويلاً، لان الدم سيسمم الجسم بأكمله، وهكذا المجتمع، فهو يتعرض بسبب الصراعات والجهل، الى تراكم السموم في عروقه، فيجب ان تخرج من جسمه حتى لا تتسبب في موته.


إن الإسلام يمنح المجتمع الاسلامي أنظمة تساعده على الإصلاح والتجدد ليحافظ على حيويته وسلامته وديمومته، ومن هذه الأنظمة:

أولاً: نظام التعليم

بالقدر الذي أكد الإسلام على طلب العلم، دعا ايضاً العلماء لأن يتحملوا مسؤوليتهم في نشر العلم والأخلاق، ذلك أن العلم حياةٌ القلوب، وهو الذي يجدد دم المجتمع ويضعه دائماً على سكة التطور والتقدم في المجالات كافة.

ثانياً: نظام التذكير

ان تقادم الزمن على الانسان ينسيه معلوماته، فيخفت في قلبه نور المعرفة، ويكون بحاجة ماسة الى التذكير لتنشيط معارفه وإيحائها من جديد، وقد كان رسول الله ، صلى الله عليه وآله، يستخدم اسلوب الوعظ حتى مع كبار أصحابه، وفي طليعتهم؛ الامام علي، عليه السلام، وأبي ذر وعمار وغيرهم، علماً أن يحدثهم بأمور كان قد عرّفها لهم سابقاً.

ثالثاً: نظام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

بما أن للإنسان شعور فطري بضرورة التوافق مع الناس المحيطين به، فهو يحاول ان يلبس بما يلائم ملبس الآخرين، او يتحدث باللغة التي يتحدثون بها، ويقوم بأعمال يراها الناس صحيحة، والإسلام يثير هذا الحسّ، ويوجهه باتجاه تطبيق القيم السماوية.

وقد نمّى النبي الأكرم على الحسّ في المجتمع الاسلامي الاول ليكون رادعاً لبعض المعارضين للقيم والأحكام السماوية.

مثالاً على ذلك؛ أن ثلاثة من أصحاب النبي تخلفوا عن الجهاد في غزوة تبوك، فغضب عليهم النبي الأكرم، كما فعل الشيء نفسه سائر الأصحاب، فلم يكلمهم أحد، وبلغت المقاطعة الى زوجاتهم وأهلهم في بيوتهم، فجاءت نسائهم الى النبي، وسألنه: قد بلغنا سخطك على أزواجنا، أفنعتزلهم؟ فقال رسول الله:
«لا تعتزلنهم، ولكن؛ لا يقربونكن».

وقد نزلت آية قرآنية بحق هؤلاء؛
{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ...}، وبهذه الطريقة اكتشف هؤلاء خطأهم فعادوا الى رشدهم، فالمجتمع الحي واليقظ على قيمه وأحكامه، لا يدع أحداً، مهما كان، ينحرف عن الطريق، او يفعل ما يريد.