بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}، سورة البقرة: 38.
وهبط آدم الى الأرض نبياً، وهبط معه إبليس ملعوناً، وبدأ الصراع بين، هدى الرحمن وضلال الشيطان، وانقسم أبناء آدم فريقين: فريق مع الرحمن، و فريق مع الشيطان. فريق في الجنة، وفريق في السعير. ومشت الأجيال يتبع بعضها بعضاً، ومرّت الأحقاب والدهور، والسجال قائم بين الفريقين، ولم يترك رب العزة، أبناء آدم وحدهم في هذا الصراع، بل بعث إليهم بين فترة وأخرى، أنبياء، يجددون لهم عهد الرحمن ويحذرونهم وساوس الشيطان ويهدونهم الطريق المستقيم. وأغوى إبليس من جانبه، أئمة الضلال، يميلون بالناس عن طريق الرحمن، ويحرّضونهم على فعل الشر والموبقات، مستخدمين كل أساليب الإغراء والإغواء من ملذات وشهوات وحب السيطرة والسلطان.
أكثر الناس في أغلب الأحيان مشوا وراء أئمة الضلال، وبقيت الأقلية مع أئمة الهدى، وكانت السلطة والسيطرة للكافرين على المؤمنين تارة، وللمؤمنين على الكافرين تارة أُخرى، ودائما كان الصراع قائما بين الطرفين يقوى ويضعف، يغلب هذا تارة، ويغلب الآخر تارة أخرى في بعض الفترات كان النبي ملكاً كما في عهد داود وسليمان وذي القرنين وتارة كان من الرعية ولا يملك من القوة شيئاً كما في أكثر الأحيان؛ ودائماً كانت الحكمة الإلهية تقتضي أن يختار الناس طريق الهدى بمحض إرادتهم ووعيهم، دون قسر وإكراه، وأوصى أنبياءه بعدم استخدام وسائل الإكراه على الدين حتى لو كانوا ملوكاً مسيطرين.
بعض الأمم كانت تواجه دعوة الله بالعناد والصلافة، وتجابه دعوة الأنبياء بالعنف والخشونة، فكانت تقتل بعضا وتشرد بعضاً وتفتك بآخرين {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}، سورة غافر: 5، ولم يتدخل الرب بالقوة إلا حين كانت الأمة تتمادى في الغيّ والضلال، وكانت تتحدى السماء رغم الإنذار، فيغضب الرب تعالى بعد صبر طويل، فيهلك الطاغين ثم يأتي بقوم آخرين. بعد أن كان يستنفد معهم جميع وسائل الهداية بالحكمة والموعظة الحسنة، {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}، سورة الزغرف:55.
وهكذا تزول أمم وتظهر أخرى، متنقلة من مكان إلى مكان، تارة في اليمن وأخرى في الجزيرة العربية وثالثة في انطاكية ورابعة في فلسطين وهكذا؛ كانت تقوم حضارة هنا بعد أن تزول أخرى وتبدأ مسيرة الهداية والضلال من جديد، إلى أن اكمل الرب تعالى إرسال جميع أنبيائه إلى عباده، وعددهم مائة وأربعة وعشرون ألف نبي عدا أوصيائهم.
وعلى هذا السجال انقضى من عمر الدنيا عشرات الألوف من السنين وربما أكثر ولا يعلم إلا الله.. كم من الأمم مرّت على هذه الحياة، بين مؤمنة وكافرة، وكم مضى من عمر الدنيا الى أن بعث الله تعالى خاتم الأنبياء محمداً صلى الله عليه وآله، رسولاً إلى البشرية كافة، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}، سورة سبأ: 28.
وبعث مع نبيه وسيلتين للهداية هما كتاب الله العزيز وعترته الطاهرة من أهل بيته عليهم السلام، وجعل راية الهداية في أيديهم الى ان تقوم القيامة، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}، سورة الأنبياء: 73. ومن دراسة التاريخ نكتشف أن خط "الهداية الربانية" لم يكن لينقطع ولو في أحلك الظروف، كما في عصر فرعون وهامان أو في عصر نمرود والأباطرة الرومان. كما أن وساوس الشياطين لم يكن لتزول ولو في أفضل العهود كما في عهد موسى بن عمران وسليمان بن داود.
فخط الهداية والضلال خطان مستمران في الأرض، والعداوة بين "أولاد آدم" و "أولاد إبليس" ضارية على أشدها. فاللعين المطرود من رحمة الله، قد أقسم أن يضل عباد الله ويأخذهم معه إلى جهنم ليرضي بذلك عقدة الاستكبار في ذاته الملعونة. ولكن الله الرحمن الرحيم أبى أن يسمح له بالتسلط على التاريخ كله.. والمجتمع كله. {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}، سورة ياسين: 60، فكان يرفد أبناء آدم دائماً بالمدد الغيبي عبر أنبيائه ورسله وأوليائه المقربين ليدلوهم على طريق السعادة ويحذروهم إغواء الشيطان.