استطاع العباسيون الوصول إلى السلطة مع استلام أبو العباس السفاح أمور الخلافة وتنصيبه خليفةً للمسلمين ليكون ذلك بمثابة إعلان قيام الدولة العباسية المترامية الأطراف وعاصمتها بغداد، لكن ما إن بدأت الانقسامات تمتد في جسد الخلافة حتى ضعفت سلطة الخليفة العباسي وقامت الثورات وحركات التمرد الانفصالية معلنة بداية سقوط الدولة العباسية القوية.
السلالة العباسية
هي السلالة الثانية التي حكمت الدولة الإسلامية بعد أن تخلصت من الخلافة الأموية عام 750 ميلادي وأسست الدولة العباسية التي استمرت قوية حتى جاء الغزو المغولي من الشرق عام 1258 ليطيح بها. يعود اسم الدولة العباسية نسبة إلى العباس عم النبي محمد عليه الصلاة والسلام الذي توفي عام 653 ميلادي وينحدر أصله من الأسرة الهاشمية في قبيلة قريش في مكة.
قيام الدولة العباسية
منذ عام 718 برزت مطامع أفراد العائلة العباسية بالسلطة وبدأ أفرادها العمل على الاستيلاء عليها بالقوة من يد الأسرة الأموية، حيث استطاعوا كسب تأييد الشيعة العرب والفرس على حد سواء والموجودين في خراسان، فقاد أبو مسلم الثورة ضد الخلافة الأموية عام 747.
بعد حوالي ثلاث سنوات وقعت معركة الزاب الكبرى نسبة لنهر الزاب الكبير الموجود في بلاد ما بين النهرين نجح فيها العباسيون بالقضاء على آخر جيوش بني أمية وهزيمة مروان الثاني آخر الخلفاء الأمويين وإعلان قيام الدولة العباسية بتنصيب أبو العباس السفاح أول خليفة عباسي على بلاد المسلمين.
صعود الدولة العباسية
ساعد قبول الدولة العباسية للفئات التي رفضتها الدولة الأموية في ازدياد نفوذها بشكل كبير، فقد عانى المسلمون غير العرب والمعروفون بالموالي من التمييز ومنعوا من الدخول إلى الجيش وفرض عليهم عقد الولاء للمجتمع العربي مقابل دخولهم في الإسلام، لكن مع وصول العباسيين إلى السلطة انتهت هذه المعاملة القاسية ولم يعد يستخدم مصطلح الموالي بل أصبحوا مثلهم مثل بقية الفئات مما ساهم بزيادة أعداد المنضمين للجيش من غير العرب وأُتيحت الفرصة أمامهم لاستلام مختلف المناصب في الدولة ومؤسساتها وزيادة سيطرة الدولة العباسية على مختلف التجمعات السكانية البعيدة عن العاصمة بغداد.
بداية ضعف الدولة العباسية
مع ظهور السلاجقة وتأسيسهم لدولتهم في خراسان كان الخليفة العباسي قد فقد كثيرًا من سلطته وبدأت شمس الدولة العباسية بالغروب، فالأمويون استقلوا في الأندلس والعُبيديون في مصر وشمال إفريقيا، وحتى منطقة شمال سوريا والفرات قد خرجت عن سلطة العباسيين أيضًا، إضافة لبلاد فارس التي انقسمت إلى دويلات عديدة؛ كل هذه الفوضى والانقسامات ساهمت في تعزيز الخطابات المذهبية بين مختلف الطوائف خاصة السنة والشيعة وأصبحت الجبهة الداخلية للبلاد هشة ضعيفة لا تقوى على مواجهة أي أطماع خارجية.
سيطرة السلاجقة على بغداد
استغل السلاجقة حال الجبهة الداخلية الضعيفة للدولة العباسية وأسسوا دولة في خراسان وبدؤوا بالتوسع رويدًا رويدًا، خاصة مع اعتراف الخليفة العباسي بهم كدولة قائمة بحد ذاتها حتى وصلت جيوشهم إلى حدود العراق.
في هذه الفترة كانت بغداد تحت سيطرة أبو الحارث أرسلان البساسيري أحد قادة بني بويه الأتراك الشيعة والذي كان على خلاف مع الملك البويهي والخليفة العباسي الذي طلب مساعدة السلطان السلجوقي طغرل بك، فسارع بدوره إلى دخول بغداد عام 1055ميلادي ليعترف به الخليفة سلطانًا على كافة البلاد وبذلك أصبحت العراق تحت سلطة السلاجقة.
علاقة السلاجقة مع الدولة العباسية
بقيت العلاقة وطيدة بين الدولة العباسية والسلاجقة قرابة ثمانية عشر عامًا إلى أن بدأ السلطان طغرل بك بمحاولات تهدف للاستحواذ على كافة السلطات في العراق خاصة تلك التي تعود للخليفة العباسي، كما عمل على نقل كافة خيرات العراق وثرواته إلى بلاده في خراسان وعيَّن على بغداد حاكمًا ومسؤولًا عن الأمن فيها يخضع له الجميع حتى الخليفة نفسه. مع كل تلك الممارسات ازدادت العلاقة سوءًا عدما تقدم السلطان السلجوقي لخطبة ابنة الخليفة الأمر المرفوض تمامًا وفقًا لتقاليد العائلة العباسية، فكان له ذلك رغم عدم رضا الخليفة القائم.
استمر الحال على ما هو عليه من استئثار السلاجقة بالحكم وتجاهل الخليفة حتى في عهد ملك شاه الذي دخل أولاده في صراعات وانقسامات بعد وفاته كانت سببًا في إضعاف الدولة السلجوقية واستعادة الخلافة العباسية شيئًا من مكانتها وقوتها، خاصة في عهد الخليفة المقتفي الذي عمل بكل قوته على التحرر من قيود السلاجقة وإخراجهم خارج العراق ليتابع ذلك الخلفاء من بعده حتى عهد الخليفة الناصر حيث تمكن من استعادة مكانة الدولة العباسية والاستقلال التام عن السلاجقة الذين انتهت دولتهم بمقتل آخر سلطان سلجوقي عام 1157 ميلادي.
نهاية الدولة العباسية
بعد الانتهاء من سيطرة السلاجقة وأفول دولتهم، برزت قوى جديدة عُرفت بالخوارزميين الذين راحوا يتدخلون أيضًا بأمور الدولة العباسية وحاولوا الاستيلاء على بغداد إلا أنهم فشلوا في ذلك نتيجة لبدء الغزو المغولي للعالم الإسلامي في بداية القرن السابع الهجري بقيادة هولاكو الذي ما إن وصل إلى مشارف بغداد حتى أرسل إلى الخليفة العباسي المستعصم بالله يعرض عليه الاستسلام وإعلان الطاعة ويهدده بالقتل والخراب للمدينة في حال رفض ذلك؛ اعتقد الخليفة المستعصم بالله أنه قادر على مواجهة هولاكو وجيوشه فرفض طلبه ليتوعده هولاكو بالموت وتدمير بغداد وإبادة سكانها جميعًا، فما كان من المستعصم بالله إلا أن جمع رجال دولته واستشارهم ليرسوا على قرار مقاومة الزحف المغولي.
أرسل هولاكو جيوشه باتجاه بغداد وحاصروها في شهر كانون الثاني من عام 1258 فقرر المستعصم بالله الاستسلام له وإرسال الهدايا وكان ذلك في شهر شباط من ذاك العام، حيث دخل جنود المغول إلى بغداد دون قتال وعاثوا فيها خرابًا وقتلًا ونهبًا وحرقًا لكل ما أتى في طريقهم ولم يسلم منهم العلماء ورجال الدين أيضًا، أما المستعصم بالله فقد قتله هولاكو لاحقًا مع ابنيه وبذلك تكون نهاية الدولة العباسية في عام 1258 ميلادي الموافق لعام 65 هجري.