قصر فينيسيا (Venice Palace)، أو كما هو معروفٌ أيضًا باسم قصر دوجي (Doge’s Palace)، من أشهر الأبنية الإيطالية وقد كان يسكنه صاحب لقب “دوق البندقية أو دوجي البندقية” خلال فترة حكمه جمهورية البندقية، التي امتدت ما بين 697-1797 ميلادي، كما يُعتبر تحفةً فنيةً أثريةً وعالميةً لِما يحتويه من التفاصيل التي حملت اللون القوطي “الغوثي” في فن العمارة، يقع في فينيسيا في شمال إيطاليا.
تأسس القصر، بشكلٍ فعليٍّ وبعد العديد من التعديلات، ما بين القرنين الرابع والخامس عشر للميلادي، وهو يتألف من ثلاث طبقاتٍ شاسعة المساحة مزخرفةً بطريقةٍ تعكس ثراء وغنى القصر، وقد تعرّض القصر على مر السنوات الفائتة للعديد من التعديلات التي تماشت مع الحقبة الزمنية التي كان يمر بها..
تاريخ تأسيس قصر فينيسيا وتطوره على مر السنوات
مع مطلع القرن التاسع، كانت فينيسيا تحظى باستقلاليةٍ كاملةٍ، وفي عام 810 ميلادي، قرر الدوق أنجلو بارتيسبازيو (Angelo Partecipazio) نقل مقر الحكومة إلى منطقة ريفالتو (Rivoalto)، (ريالتو Rialto في الوقت الحاضر)، بعد أن كان في جزيرة مالاموكو (Malamocco)، فتبين ضرورة بناء قصرٍ للدوق، إلّا أنّه لم يبقَ أثر يُذكر لهذا البناء بسبب تعرضه للحرائق خلال القرن العاشر.
الدوق سباستيانو زياني (Sebastiano Ziani)
وخلال استلام الدوق سباستيانو زياني لأمور الحكم ما بين عامي (1172-1178)، قام بتغيير تصميم منطقة ميدان سان ماركو (ST. Mark’s Square) بشكلٍ جذريٍّ، كما أنّه أمر بتشييد بناءين “قصرين” جديدين، الأول كان مواجهًا للمحاكم والأبنية الحكومية، والثاني كان يطل على كنيسة سان ماركو (ST. Mark’s Basin)، وقد احتوى هذان القصران على معالمَ وخصائصَ إيطاليةٍ – بيزنطينية، والتي لا زالت معظمها واضحة المعالم حتى الوقت الحاضر، والتي يمكن رؤيتها في زخرفة وتصميم الأرضية والطرقات التي تحيط بالقصرين.
توسيع القصر خلال القرن الرابع عشر
مع نهاية القرن الثالث عشر، كان من الضروري توسيع القصر مرةً أخرى، كما تطلّبت التغيرات السياسية من بعد عام 1297 ميلادي هذا التوسيع، وفي تلك الفترة، ازداد عدد الأشخاص الذين أصبح لهم الحق بالمشاركة في الاجتماعات التشريعية والقانونية، وبدأت أعمال التوسيع بشكلٍ كبيرٍ في عهد الدوق بارتولوميو غرادينجو (Partolomeo Gradenigo)، وفي عام 1365، تمّ تكليف الفنان التشكيلي الإيطالي غوارينتو (Guariento) بتزيين وزخرفة الجانب الغربي لغرفة الاستشارات بلوحاتٍ جصيّةٍ كبيرةٍ. وقد تابعت عائلة ديل ماشيغن (Delle Masegne) تعديلات القصر خلال القرن الرابع عشر.
تجديدات فرانسيسكو فوسكاري Francesco Foscari في القرن الخامس عشر
خلال عهد الدوق فرانسيسكو فوسكاري (1423-1475)، وفي عام 1424 بالتحديد، تقرر متابعة أعمال ترميم القصر وبشكلٍ خاص القسم المطل على ميدان سان ماركوس (Piazzetta San Marcos)، لبناء محاكمَ قانونيةٍ، كما تمّ تصميم جناحٍ جديدٍ مكملًا للجناح المطل على التراس الخارجي مع بعض التعديلات على الطابق الأرضي، كما تمّ بناء صالة أو مكتبة Sala Dello Scrutinio، في نفس طابق غرفة الاستشارات العظيمة. وقد انتهت أعمال هذا القسم بإنهاء بناء بوابة كارتا (Porta Della Carta) من قِبل الرسام جيوفاني بيليني (Giovanni Bellini)، وغيره من الرسامين.
حرائق قصر فينيسيا وإعادة ترميمه
في عام 1483، اندلع حريقٌ كبيرٌ في القصر في القسم الذي ضمّ مسكن الدوق، وبتكليفٍ من أنطونيو ريزو (Antonio Rizzo) بدأت أعمال ترميم القصر، وقد عكست هذه التصليحات معالم عصر النهضة التي تبناها أنطونيو. وتمّ تشييد قسمٍ جديدٍ امتد من جسر بونتي ديلا كانونيكا (Ponte Della Canoncia) إلى جسر بونتي ديلا باجليا (Ponte Della Paglia).
وبحلول عام 1510، انتهت أعمال الترميم بشكلٍ كاملٍ كما استلم زمام الأمور الدوق مايسترو بيترو لومباردو (Maestro Pietro Lombardo) بدلًا من أنطونيو، والذي قام بدوره بإعادة تزيين وزخرفة بعض أجزاء القصر، كما أجرى بعض التعديلات على فناء القصر الأمامي. بعد انتهاء عهد الدوق مايسترو، حلّ محله الدوق أنطونيو أبوندي (Antonio Abbondi)، قام أيضًا بعمل بعض التصليحات التي انتهت بحلول عام 1559.
في عام 1574، اندلع حريقٌ كبيرٌ في القصر، ممّا أدى إلى حدوث أضرار جسيمة، وذلك بتدمير صالة (Sala Dello Scrutinio)، وغرفة الاستشارات الكبيرة كما تدمرت أعدادٌ كبيرةٌ من اللوحات الفنية لكبار الفنانين مثل جنتيلي دا فابريانو (Genlile Da Fabriano)، وتعرض القصر بعد ذلك للعديد من أعمال الترميم والإصلاحات التي انتهت بحلول عام 1580.
أعمال القرن السابع عشر
في تلك الفترة، لم يعد القصر يقتصر على مقر الحكومة، ومسكن الدوق، والمكاتب والمحاكم الحكومية فحسب، بل تقرر بناء سجنٍ داخل القصر، وكان الدوق أنطونيو دي بونتي أول من أمر ببناء سجنٍ في القصر، وكان ذلك في النصف الثاني من القرن السادس عشر، وقد تمّ بناؤه في عهد أنطونيو كونتن (Antonio Contin) عام 1600، وربطه بالقصر عن طريق جسر التنهدات (Ponte Dei Sospiri).
ومن أهم الأعمال الأخرى خلال تلك الفترة هو بناء صفوف من الأعمدة الكبيرة التي حملت طابع عصر النهضة في الجناح الذي ضمّ محاكم الحكومة، كما تمّ بناء واجهةٍ كبيرةٍ على طول قوس فوسكاري (Foscari Arch)، والتي كانت مزينةً بزخارفَ للفنان بارتولوميو مانوبولا .
قصر فينيسيا بعد سقوط الجمهورية البندقية
بعد سقوط الجمهورية عام 1797، تغيرت أهمية القصر بعد أن كان حجر الأساس لجمهورية البندقية، ففي البداية، أصبحت البندقية تحت الحكم الفرنسي ثمّ حمتها النمسا، وأخيرًا وفي عام 1866، أصبحت تحت حكم جزءٍ من إيطاليا، وخلال تلك الفترة، أصبح القصر مقتصرًا على عددٍ من المكاتب الإدارية وبعض المؤسسات الثقافية المهمة مثل مكتبة مارسيانا (Biblioteca Marciana) وذلك حتى عام 1904.
وبحلول القرن التاسع عشر، كانت معظم معالم القصر قد اضمحلت وقامت الحكومة الإيطالية بدورها بالتمويل من أجل إصلاحاتٍ وترميماتٍ واسعة، كما تمّ نقل جميع المكاتب ما عدا المكتب الحكومي الأساسي، من أجل حماية المعالم التاريخية. وفي عام 1923، أمر الحاكم الإيطالي ومالك القصر بأن يتحول القصر إلى متحفٍ وطنيٍّ، ومنذ عام 1996 حتى الوقت الحاضر، أصبح القصر جزءًا من شبكة المتاحف الإيطالية .
أهم أجزاء قصر فينيسيا
- ساحة الفناء: تُحيط بالقصر، وفي قسمها الشمالي تقع الكنيسة المخصصة للدوق، وهي حاليًّا كنيسة سان ماركو (ST. Mark’s Basilicia)، وفي منتصف الساحة، يوجد بئران منذ القرن الرابع عشر.
- مسكن الدوق: وهو يتموضع من ريو دي لا كانونيكا (Rio Della Canonica) مدخل القصر، وحتى كنيسة سان ماركو، وكان يتألف من عددٍ من الغرف التي سكنها الدوق، وقد تأثر بشكلٍ كبيرٍ خلال الحرائق التي حصلت في القصر، وخضع للعديد من أعمال الترميم، وقد انقسمت هذه الغرف ما بين عامةٍ وخاصة، وكانت الغرف الخاصة مخصصةً للدوق وعائلته، كما احتوت على بعض الأغراض الهامة التي كان الدوق يحضرها من منزله الخاص.