في هذا المقال سنتحدث عن موضوع مهم في تاريخ العلوم، وسنقف على أشياء قد يغفل عنها البعض، هذا الموضوع له أهمية كبرى، وصلة كبيرة بتلقى وقبول المعلومة.
في هذا المقال هدفين
الأول :هدف معرفي
والثاني:هدف سلوكي وهو ما نسميه (العبرة) وهى التي ينبغي أن تنعكس على سلوك كل متلقي للعلم.
العبرة هي :لا تحتقر المعلومة وإن أتت من أبسط الناس، وليست المعلومة حكراً على المختصين فقط، فهناك الكثير ممن لديه حب البحث والاطلاع دون أن يحمل نفس الشهادة أو المرتبة التي تحملها أنت ، وأحيانا المعلومة قد تجدها مع إنسان بسيط جداً ، بالرغم من أن عالما كبيراً عجز عن حلها.
في تاريخ العلوم أمثلة كثيرة جداً ، فعالم الفيزياء والكيمياء الإنجليزي المشهور "فاراداي" والذي له إسهامات كبيرة جدا في المجال العلمي، وقوانين فاراداي في الكهرباء والكيمياء والفيزياء وفي صناعة محركات البنزين وغيرها الكثير، والتي لا زالت تدرس حتى الآن في جميع مدارس العالم، - هذا العالم - "فاراداي" لم يكمل حتى الدراسة الإبتدائية ولكنه كان يشتغل بمحل تجليد للكتب وكان يقرأ كل كتاب يصل إلى يده حتى تطورت ثقافته وإليكم نبذة من حياة فاراداي.
ولد مايكل فاراداى في إنجلترا سنة 1791 من أسرة فقيرة فقد كان واحداً من أربع إخوة ولم يتلقى إلا النذر اليسير من التعليم الأساسي فعلم نفسه بنفسه. عمل صبياً في دكان لتجليد الكتب وهو في الرابعة عشرة من عمره وخلال سبع سنوات قضاها في هذا العمل كان قد قرأ العديد من الكتب من ضمنها كتاب "تحسين العقل" لمؤلفه إسحاق وات. وبحماسته قام بتطبيق ما ذكره المؤلف في كتابه مما جعله شغفاً بالعلم محباً له خاصةً علم الكهرباء؛ وكان متأثراً بكتاب "كلام في الكيمياء" لمؤلفه جين مارست.
عندما بلغ العشرين من عمره، كان في أواخر عهده بمتجر الكتب حضر بعض المحاضرات للكيميائي همفري دافي بالمؤسسة الملكية، كما حضر أيضاً للأستاذ جون تاتوم، وبعد عدة محاضرات أرسل فاراداي لهمفري دافي كتاباً من ثلاثمائة صفحة فيه تلخيص ما قاله دافي في محاضراته. وقد كان رد دافي سريعاً وفخوراً بمايكل فاراداي. وفي بعض التجارب التي أجرها دافي حدثت إنفجارات أدت إلى أن قطع أصبعان لدافي وفي مرة أخرى فقد إحدى عينيه؛ فقام باستدعاء مايكل فرداي لكي يكون مساعد شخصيا له.
حسب طبقية المجتمع الإنجليزي لم يكن مايكل فرداي يعد رجلاً نبيلاً، وحينما أراد دافي أن يذهب في جولة حول قارة أوروبا رفض خادمه أن يذهب معه، فاختار دافي أن يأخذ مايكل فرداي معه في هذه الرحلة كمساعد علمي وطلب منه أن يكون خادماً له، حتى يجد دافي خادماً آخر حين يصل إلى باريس، وإضطر فرداي أن يلعب دور المساعد والخادم في هذه الرحلة، وأما زوجة دافي فكانت تعامل فاراداي معاملة سيئة ومنعته من السفر معهم في العربة؛ وجعلته يأكل مع الخدم. وهذا قد أصاب فرداي بحزن شديد جعله يفكر في العودة إلى لندن واعتزال العلم، لقد ظن فرداي أن هذه الرحلة شؤم عليه إلا أنه قد استفاد منها استفادة عظيمة؛ لمقابلته لنخبة كبيرة من العلماء وتعلمه من أفكارهم، ثم أصبح بعدها فاراداي أعضم من معلمه، بل من أشهر علماء الفيزياء والكيمياء وخصوصا ما يتعلق بمجال الكهرباء.
ا/محسن عزالدين البكري
(صديق العلم)