بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته



بدأت موجة من الأفكار المنحرفة تظهر في زمن الرسول الأكرم (ص) كترك الزينة وهجران النساء وعدم أكل الطعام الّلذيذ. فغضب الرسول (ص) لهذه الشائعة غضباً شديداً، وقال يومئذٍ: " فمن رغب عن سنتي فليس مني". وقال كذلك: " أما إني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأضحك وأبكي فمن رغب عن منهاجي وسنتي فليس مني". فقد تطرق المصطفى الأكرم (ص) إلى ردّ تلك الأفكار الضالة والمنحرفة التي شاعت آنذاك؛ أي كان البعض يعتقد بأنه يجب عليه أن يعمل ليلاً ونهاراً للآخرة فقط، فتراه يترك الدنيا، ويحاول قتل رغباته وغرائزه بشتّى الوسائل.

وكانت تلك الأفكار المنحرفة قد تكررّت مراراً في زمن نبيّ الله، وكان (ص) في كل مرّة يردعها في قوله الشريف: " فمن رغب عن سنّتي فليس منّي". هكذا كان نهجه، وكذا كانت طريقة ونهج الأئمة الأطهار من بعده. وها هو التاريخ يخبرنا عن زهد أمير المؤمنين (ع)، الذي التزم بالزهد الإسلامي الصحيح والمحبّب إلى نفوس العالمين، لا الزهد الذي ابتدعه المنحرفون. فقد كان عليه السلام أسداً في النهار، وراهباً في اللّيل.

لذلك ينبغي للإنسان أن يتعبّد في وقت العبادة، وفي وقت العمل ينبغي له أن يعمل. أمّا الّذين حرّموا على أنفسهم ما أحلّ الله، لا يتأتى لهم أن يتحمّلوا الحياة الزوجيّة_ إذا تزوّجوا أو يستطيعوا أن يتحمّلوا ضغط وتربية الأولاد بدون عقد نفسيّة. هؤلاء عقائدهم مخالفة للإسلام تماماً.

ولكنّ القرآن الكريم لم يتعرض إلى عقدهم النفسيّة في سياق الآيات. فالفرد الذي قتل غريزته، وأصرّ على معصيته مع مرور الأيام، أضحى قاسيَ القلب، مجرداً من العواطف والأحاسيس والمشاعر الإنسانيّة؛ كذلك الذين يمتلكون فكراً ولا يستفيدون منه أو يستخدمونه في التفكير فهم أضل من الحيوان.
﴿ إنّ شرّ الدواب عند الله الصمّ البكم الّذين لا يعقلون﴾ ( الأنفال: 22). فلا يجدر بالشباب أن يقتلوا غرائزهم كبتاً أو ينزووا عن المجتمع الذي يعيشون فيه لأجل الزهد بالدنيا، فإنّ كبت الميول ومحاربتها ليس من المنهج الإسلامي في شيء، ويصيب الإنسان من اليأس والعقد النفسيّة، حيت تراه منعزلاً عن المجتمع...

يجب عليهم أن يتدبّروا كتاب الله العظيم، وسنّة نبيّه، والأطهار من بعده، وكذلك أن يسمعوا للمراجع العظام والعلماء الأفاضل، لكي يصحّحوا مسارهم ذاك لأنّه خطأٌ فاحش، ومعصية كبرى تهدم المجتمع الإسلامي. لهذا شرَّع سبحانه وتعالى إرضاء الرغبات والغرائز بالطريقة الصحيحة من ناحية، وحرّم قتلها أو سحقها من ناحية أخرى. ورغّب البشر بالعمل من أجل الحظوة بالآخرة من دون نسيان النصيب الدنيوي.
﴿وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا﴾ ( القصص/ 76).

فما لديك من ثروات وقدرات عقلية، كنّ على حذر من نسيان الحياة التي تلبث فيها، ومراعاة العدل بينها وبين الآخرة. ولا تصرف كل عمرك وعقلك وسلامتك لحساب واحدة على الأخرى، بل يجب أن تبتغي ما آتاك الله للآخرة دون نسيان نصيبك من الدنيا.