التعريف بسيبويه
سيبويه هو عمرو بن عثمان بن قنبر من بلاد فارس، عالم من علماء النحو، اهتم بتعلم الفقه والحديث لمدّة ثمّ انصرف إلى تعلم اللغة العربيّة فأتقنها وأبدع فيها، وقد أملى عليه حماد بن سلمة، وأخذ علوم النحو من عيسى بن عمر، ويونس بن حبيب، وأبي الخطاب الأخفش الكبير، والخليل، وقد أبدع في علوم اللغة حتى صار علماً من أعلامها وحجة، وله كتاب في النحو يعدّ معجزة لا مثيل لها واسمه ( الكتاب )
كنية ولقب سيبويه
يعود انتماء عمرو بن قنبر بن عثمان إلى بني الحارث بن كعب بن عمر بن وعلة بن خالد بن مالك بن آدد، ويختصر البعض نسبه بعمرو بن قنبر، وكان يكنّى بأبي البشر، أو أبي الحسن، أو أبي عثمان لكنّه اشتُهر بأبي بشر، كما لُقّب عمرو بن قنبر "بسيبويه" وهي كلمة فارسيّة تتكون من مقطعين "سيب" ومعناها التفاح، و"ويه" ومعناها رائحة، أي رائحة التفاح، ويوجد معنى آخر له وهو "سي" وتعني ثلاثين و"بوي" التي تعني رائحة، فيكون معنى الاسم: ذو الثلاثين رائحة أو الفوّاح الساطع، وقد عُرف سيبويه بهذا اللقب أكثر من اسمه وكنيته الحقيقية التي لم يُعرف بها إلا في كتب التاريخ والتراجم، أما عن سبب تسميته بهذا اللقب فقد تعددت الأقوال في ذلك؛ فهناك من قال إنّه أُطلق عليه لأنّ أمه كانت تغنجه به، وهناك من قال لأنّ وجنتيه كانتا كالتفاح، وقيل أيضًا لأنّ رائحته كانت طيبة، ولأنّه كان دائم الشم لرائحة التفاح، وقيل أيضًا إنّه لُقّب بذلك للطفه ودماثته .
مولد ونشأة سيبويه
تعود أصول سيبويه الى البيضاء وهي مدينة من مدن فارس سُميّت بذلك لاحتوائها على قلعة بيضاء فيها كانت تظهر عن بُعد، وهي أكبر مدينة في إصطخر، لكنّ سيبويه نشأ في مدينة البصرة حيث هاجرَ أهله، وهي من حواضر المدن الإسلاميّة، فقد اعتاد الناس في تلك الفترة الهجرة إلى تلك الحواضر أي المدن الكبيرة أو العواصم، حيث إنّ مدن العراق بغداد والبصرة والكوفة أقرب إلى بلاد فارس فكانت الهجرة إليها أكبر، وكانت مدينة البصرة التي بُنيت في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقربهنّ، وقد شيّدت قبل مدينة الكوفة بستة أشهر عام أربعة عشر هجرية. لم يستطع المؤرخون معرفة ولا تحديد تاريخ مولد سيبويه، لكنهم استطاعوا حساب ذلك بشكل تقريبي، فقد ذكر ياقوت في كتابه "معجم البلدان" أنّ عيسى بن عمر الثقفي كان أول أساتذة سيبويه، وقد أجمع المؤرخون على أنّ هذا الأخير قد توفي سنة مئة وتسع وأربعين، لذا من غير المعقول بأن يكون سيبويه قد بدأ بتلقّي العلم قبل بلوغه سن الرشد أي الرابعة عشر من عمره، فيكون حساب ذلك بأنّ ميلاد سيبويه في العام مئة وخمسة وثلاثين.
أسرة سيبويه
لم يرد في كتب التاريخ أي شيء يدلّ على أنّه كان لسيبويه زوجة وأولاد، فمن المرجح أنّه لم يتزوج بل وهب نفسه وحياته للعلم والتعليم، ولم يكن له أقارب غير أخٍ واحدٍ كان مقرب له كثيرًا، ومما دلّ على ذلك تلك الروايات التي تتحدث عن مرضه، فقد مرض مرضاً شديداً وفي الرواية أنّه كان يضع رأسه في حضن أخيه فسالت عبرات الشفقة من عيون أخيه وسقطت على وجهه، فلما شعر بها نظر إلى أخيه قائلاً :
أُخيَّينِ كنَّا، فرَّقَ الدهرُ بينَنا إلى الأَمدِ الأَقْصى، وَمَن يَأْمَن الدَّهْرا
من الجدير بالذكر أنّ هنالك رواية نقلها صاعد البغدادي عن أبي علي تقول إنّ سيبويه كان قد تزوج من جارية في البصرة، أحبته حباً شديداً وعشقته لكنّه كان منصرفاً عنها بكتبه وعلمه، فاغتاظت من ذلك وانتظرته في يوم ما إلى أن خرج من المنزل لقضاء بعض الحوائج، فقامت بجمع كتبه كلها وأحرقتها، وعندما عاد وقع مغشيّاً عليه حزناً وكبداً، وقد ذهب كثير من العلم خسارة نتيجة لتلك الحادثة، ويقال إنّه طلّق تلك المرأة على الفور، ثمّ عاد وتزوج بأخرى. وهذه الرواية لم تُذكر سوى في كتاب "الفصوص" لأبي العلاء صاعد بن الحسن (الحسين) البغدادي، وقد عُرف هذا الرجل بجرأته على الكذب، ولم يكن كتابه هذا يحتوي على أيّة معلومة صحيحة، حيث راجع أدباء ذلك العصر هذا الكتاب وأجمعوا على أنّ كلّ ما جاء فيه معلومات كاذبة، وحين بلغ هذا الكلام المنصور بن أبي عامر استدعاه ليمتحنه، فأمر بتجهيز كتاب وهميّ صُنع من الورق الأبيض وجعل له غلافًا ثمّ نزعه ليبدو وكأنّه كتاب عتيق، وعنونه بكتاب النكت لأبي الغوث الصنعاني، ثمّ وضعه بين يديه فما كان من البغدادي إلا أن أقبل عليه يُقبّله ويحلف بأنّه قد قرأه منذ زمن طويل فنسي محتواه، فقال له المنصور: "أبعد الله منك ما رأيت أكذب منك!"، فرمى المنصور كتاب الفصوص في البحر، وقال بعض الشعراء في ذلك:
قد غاص في البحر الفصوص وهكذا كلّ ثقيل يغوص فلمّا سمعهم البغدادي ردّ عليهم قائلاً: عاد إلى عنصره إنّما يخرج من قعر البحور الفصوص سيبويه وطلب العلم هاجر سيبويه مع أهله من بلاد فارس إلى البصرة كما سبق وذكرنا، فكان يحيا في أرجائها يطلب العلم ويبني لنفسه مجداً خالداً، وكان الحديث من أول ما يدرِِّس العلماء فأعجبه ذلك، فصحب الفقهاء وأهل الحديث، وكان يستملي الحديث على حماد بن سلمة، ويروي حماد أنّه جاء إليه سيبويه مع قومٍ يكتبون شيئاً من الحديث، قال حمّاد: فكان فيما أمليت ذكر الصفا، فقلت صعد رسول الله عليه وسلم الصفا، وكان هو الذي يستمل، فقال صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفاء، فقلت يا فارسي لا تقل الصفاء لأنّ الصفا مقصور، فلما فرغ من مجلسه، كسر القلم وقال: لا أكتب شيئاً حتى أتقن العربية، فلزم الخليل، وفي رواية مجالس العلماء للزجاجي أنّه لزم مجلس الأخفش مع يعقوب والخليل وسائر النحويين .
منقول من موقع موضوع أكبر منتدى عربي بالعالم