تاريخ المفكر الصينى كونفوشيوس
سأل شب صينى ذات مرة : " كيف يجب أن يحيا الإنسان حياة صالحة ؟؟؟ "، فكان الجواب : " لا تعامل الأخرين بما لا تحب أن يعاملوك به ". وكان صاحب هذه الحكمة " كونفوشيوس " الذى قدر له أن يؤثر على الحضارة الصينية تأثيراً عميقاً، و أن يصبح من أرفع المفكرين فى العالم.
كان الأسم الصينى لكونفوشيوس هو " كونغ - فو - تسو " و كان ينادى بالسيد " كونغ "، وعندما وصل المبشرون الكاثوليك إلى الصين، بعد ذلك ببضعة قرون، سمعوا الناس تتحدث عنه، فحوروا أسم " كونغ - فو - تسو " إلى اللاتينية فأصبح " كونفوشيوس ".
ولد كونفوشيوس حوالى عام 551 ق.م. فى مقاطعة " شتتونغ "، و لا يعرف سوى القليل عن حياته بالرغم من أن كثيراً من الأساطير قد نسجت حول أسمه. ومن المحتمل أن يكون أبوه قد دخل الجندية، و أن يكون مونفوشيوس نفسه قد شغل وظيفة فى الحكومة المحلية للمقاطعة التى ينتمى إليها. والمعروف إنه كان شاباً متحفظاً، واسع الأطلاع، عميق التفكير، درس الأداب الصينية القديمة، و أرتشف من حكم أسلافه و تقاليدهم.
كانت الصين فى ذلك الوقت فى حالة فقر مدقع و حرب مستمرة. وكان الإمبراطور يفتقر إلى السلطة، بينما كانت الولايات يحكمها أفراد من الطبقة الأرستقراطية التى أتسمت بالقوة و الجشع، وعدم التفكير بمصالح الرعية. فشعر كونفوشيوس بالأشمئزاز إزاء الفساد و سوء الحكم، و خيل إليه أن الناس لم يتعلموا شيئاً من الماضى.
بدأ كونفوشيوس يتعلم الحكمة الصينية القديمة من جديد، مطبقاً اياها على مظاهر الحياة من حوله، ومكرساً حياته لتخفيف الآلام و محاربة الفقر. ولم يكن كونفوشيوس يكتب كثيراً، ولكن أتباعه جمعوا أقواله فى مجلدات عدة.
و تجدر الإشارة إلى إنه عين حاكماً على أحدى المدن، فعمد إلى تطهير الطرق من اللصوص، و خفض الضرائب، وحسن معيشة الشعب، وحث الطبقة الحاكمة على أنتهاج حياة أكثر فائدة.
وتقول الروايات إنه عين وزيراً على بث دعوته القائمة على المحبة و الأخاء، ووضعها موضع التنفيذ على نطاق واسع. ولكن بذور الشر فى ذلك العصر كانت أعمق من أن يتمكن رجل من أقتلاعها، لذا فإن عدد الذين لبوا دعوته كان قليلاً. و الحياة فى البلاط الأمبراطورى بصفة خاصة كانت حياة فساد و فجور، لذلك فإنه أستقال من وظيفته. وكان قد بلغ الرابعة و الخمسين من عمره.
وخلال عشرة سنة التى تلت راح كونفوشيوس يتجول فى بلاد الصين، باحثاً عن شخص يستطيع أن يفهم تعاليمه و يقدرها. ولكنه كان يقابل بفتور فى كل مكان، وقد رفضت أفكاره بأعتبار إنها خيالية لا يمكن وضعها موضع التطبيق. وفى أواخر أيامه شعر بخيبة الأمل لفشله فى أمكان تحسين أحوال الناس، فمات سنة 479 ق.م.
وهو محطم القلب.
تعد تعاليم كونفوشيوس واحدة من أهم العوامل التى أثرت على الحياة الفكرية و الأجتماعية فى الصين. وكان هو نفسه يقول : " أننى لا اعلم شيئاَ جديداً، وكل ما افعله هو توصيل الحكمة القديمة ". ولكن الواقع إنه فعل أكثر من ذلك، فقد أستخلص من تعاليم الصين القديمة أفضلها، و صاغها فى قالب أمثر وضوحاً و تأثيراً. ومن أقواله المعروفة : " أن تتعاطف مع كل شئ، و أن نحب كل الناس، وان لا تدع مجالاً لأفكار أنانية، ذلك هو الصلاح ... ".
و بالرغم من أن كونفوشيوس لم ينجح فى تحقيق هدفه فى حياته، فظل موضع تحقير لفترة بعد وفاته، و أحرق قسم من كتبه، فإنه سرعان ما أستعاد التقدير اللائق به. وفى المعابد الصينية ظلت القرابين تقدم له قروناً عدة، تماماً كما كانت تقدم للشمس و القمر. منذ حوالى ستين سنة قام أخر أباطرة الصين برفع منزلة كونفوشيوس إلى منزلة سماوية.
مع ذلك فأن فكره ليس ديانة، كما أن واضعها نفسه لم يكن موضع عبادة، وهو لم يكن يرضى بذلك لأنه كان يعتبر الآلهة رموزاً لقوى الطبيعة، و أرواح السلف. وهو لم يكن يبغى شرفاً لنفسه، ولكنه كان يريد أن تتبع مبادئه التى تتخلص فى طاعة الوالدين و أحترام الأسرة، والسلم بين الحكام و الرعية، والعدالة و الرحمة بين الإنسان و أخيه الإنسان.
و نحن اليوم أحوج ما نكون إلى تعاليم كونفوشيوس التى وضعها منذ 25 قرناَ، وهذه التعاليم يمكن تلخيصها بعبارة طالما رددها أتباعه :
" إن الناس جميعاً أخوة "
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة adelghaly26
