هَلْ أخطأ سيبويْه في ثَمانينَ مَوضعاً، كَما رُويَ عن ابنِ تيميّةَ ؟
د.عبد الرحمن بودرع
يُروى أنّ أبا حيّان النّحويّ الأندلسيّ اجتَمَع بابنِ تيميّةَ، ودارَ كلامٌ بينهما، فَجَرى ذِكْرُ سيبويهِ؛فذَكَرَ ابنُ تيمية أنّ سيبويْه أخطأ في ثَمانينَ مَوضِعاً مِن مَواضعِ كتابِه، فَنفرَ عن ذلكَ أبو حَيانَ ولم يَلتمِسْ له العُذرَ، ثمّ عادَ أبو حيّانَ ذامّاً ابنَ تيميّةَ في مَجالسِه وفي كُتبِه.
والرّوايَةُ الوارِدَة لهذا الخَبَر هي أنّ ابنَ تيميّةَ، رحمهم الله جميعاً، قالَ لأبي حيّان: «ما كانَ سيبويهِ نَبيَّ النّحوِ ولا كانَ مَعصوماً بل أخطأ في الكتابِ في ثَمانينَ مَوضعاً ما تَفْهمُها أنتَ. فَكانَ ذلكَ سببَ مُقاطَعتِه إيّاه ...»
والخَبرُ ذَكَرَه ابنُ حجرٍ العَسقلانيُّ في "الدُّررِ الكامنة في أعْيانِ المائةِ الثّامنة" [باب ذِكْرِ مَن اسمُه أحمدُ]. بَل ذَكَر ابنُ حجر في الدّرر أيضا، في باب ذِكْر مَن اسمُه محمّد: أنّ مُحمدَ بنَ إدريسَ القُضاعيَّ أبا بكر القَلَلَوْسيَّ، الإمامَ في العربية والعَروض، أنّه كانَ شَديدَ التّعصُّب لسيبويه مع خفة فيه، وأنّه وردَ على القاضي أبي عمرو وكانَ شَديدَ المَهابة فتكلّم في مَسألة في العَربيّة نقَلَها عن سيبويه، فقال له القاضي: أخْطأ سيبويه، فكادَ القَلَلْوسيُّ يُجَنّ ولم يقدرْ على جَوابه لمَكان مَنصبه. فجَعَلَ يَدورُ في المَسجدِ ودُموعُه تنحدرُ وهو يقولُ أخْطأ مَن خَطَّأه، ولا يَزيدُ عَليها.
وأمّا هذِه الأخطاءُ المَزعومَة فَلَم يَردْ لها ذكْرٌ في المَصادر التي نَقَلَت الخبَرَ، والظّاهرُ أنّ ابنَ تيميّةَ رحمه الله، إنّما أرادَ بذلكَ أنّه يُخالفُ سيبَويْه في مَذهبِه النّحويّ في مسائلَ كثيرةٍ، ولا يقصدُ أنّ سيبوَيْه أخطأ بالمَعْنى المألوف، وأمّا دلالةُ الثّمانينَ فليسَت على الحَقيقَة وإنّما جاءَت كنايةً عن التّكثيرِ فَقط، وهذا مَعهودٌ من شيخ الإسلام رحمه الله الذي عُرِفَت عنه حدّة المزاج والسُّرعةُ في الجوابِ، ولكنّ ذلكَ كلَّه لا يَنفي ولا ينقصُ من مَشيختِه في العُلوم العَربيةِ والإسلامية، بل العلومِ العقلية والمنطقية نفسِها، ومُؤلفاتُه الكثيرةُ وما فيها من عِلم واسعٍ ومناقشاتٍ وتحليلٍ وتعليل تشهدُ له بالإمامَة والمشيخة في العلم.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
انظرْ: الدُّرَر الكامنة في أعيان المائة الثّامنة لابن حجر العسقلاني، ضبطه وصححه الشيخ عبد الوارث محمد علي، دار الكتب العلمية-بيروت، 1998م
وجاءَت القصةُ أيضاً كتاب:البَدر الطّالع بمَحاسنِ مَنْ بَعدَ القَرن السّابع، لمحمد بن علي الشوكاني. دار الكتاب الإسلاميّ، القاهرَة.
وكتاب: الرد الوافر، لمحمد بن أبي بكر بن ناصر الدين الدمشقي، تحقيق: زهير الشاويش، نشر المكتب الإسلامي، بيروت، ط.1، 1393
وكتاب: الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية، مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي، تحقيق نجم عبد الرحمن خلف نشر دار الفرقان, مؤسسة الرسالة، بيروت، ط.1، 1404 هـ