إصلاح ذات البين .. عبادة نحتاج إليها
قد يظنُّ البعض أن العبادات والشعائر التعبُّدية تَقتصِر على الصلوات الخمس وما يَليها مِن نوافل، وكذا الصيام والحج، إلا أنَّ الأمر أوسع من ذلك وأعمُّ وأشمَلُ؛ فهذه الشعائر المفروضة والمَسنونة يُضاف إليها الكثير والكثير مما قد يَغفل الناس عنه، والذي يتعلَّق بالدرجة الأولى بسلوكهم، ومعاملاتهم مع بعضهم البعض؛ فقد جرى الإسلام بتعاليمه السمحة على إعلاء قيمة الأخلاق الفاضلة، والمثُل العليا، ونَشرِها، وتحبيب الناس وترغيبهم فيها؛ فقد روى أبو داود والترمذي وصحَّحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أدلُّكم على أفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟))، قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ((إصلاح ذات البَين؛ فإنَّ فساد ذات البين هي الحالِقة، لا أقول: تَحلق الشعر، ولكن تَحلِق الدِّين )).
إنَّ الذي يُراقب ويحصي ما هو منظور من قضايا في ساحات القضاء - يقف على حقيقةٍ مرَّة، مفادها أن معظم تلك القضايا تتعلَّق بالعلاقات بين الناس، والخصومات التي لا تكاد تنتهي؛ حيث تجد أُسَرًا تَتنازع، وشركاء مُتشاكِسين، وجيرانًا مختلفين، وكلها تمسُّ ذات البَين، وهذا يَلفت أنظارنا إلى أنَّ الأزمة التي تَعيشها أمَّتنا المسلمة إنما هي أزمة أخلاق لا غير.
رُوي أنَّ أبا بكر رضي الله عنه عيَّن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاضيًا على المدينة، فمكَث عُمر سنةً كاملة لم يختصم إليه اثنان، وعندها طلَب مِن أبي بكر رضي الله عنه إعفاءَه من القضاء، فقال أبو بكر: أمِنَ مشقَّة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟ قال عمر: لا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا حاجة لي عند قوم مؤمنين، عرَف كلٌّ منهم ما له من حق، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب، فلم يُقصِّر في أدائه، أحَبَّ كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقَّدوه، وإذا مرض عادُوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعَدوه، وإذا أصيب عزُّوه وواسَوه، دينهم النصيحة، وخلُقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيمَ يختصمون؟!
هل غابت تلك الصورة المثالية من المجتمع المسلم؟! أم أن صورًا أخرى طغتْ وطفت على تعاملات الناس وعلاقاتهم؟!
عبادة مفروضة:
إنَّ عبادة الإصلاح بين الناس مِن أجلِّ العبادات وأعظمِها؛ لذا اهتمَّ بها القرآن الكريم، وجاءت الأوامر بالصُّلْح بين المتخاصمين في مواضع شتَّى، قال الله تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]، بل إنَّ العلماء عدوها من الفرائض التي أمَرَ اللهُ بها المؤمنين؛ حيث قال سبحانه: ﴿ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾ [الأنفال: 1].
إنَّ دينَنا الإسلامي علَّمنا التعامل بالحسنى مع الناس قولاً وسلوكًا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الإسراء: 53]، فالشَّيطان لا يزال بالإنسان حتى يُوقعه في هذه العداوة البغيضة التي تقطع الصلات، وتُفسِد المودَّات، روى مسلم وأحمد والترمذي وحسنه من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الشيطان يئس أن يَعبُده المصلُّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم))، والتحريش هو: التَّحْريض بالشَّرِّ بين الناس حتى يَختصموا ويَقتَتِلوا، والمؤمن الصادق يتعامل مع الناس من مُنطلَق قول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34]، ولأجْل أنَّ هذا التعامل صعب على النفوس الضعيفة والمُندفِعة والمتهورة؛ قال الله تعالى في الآية التي تليها: ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 35].
هل دبَّ إلينا داء الأمم؟
لقد حذَّر الإسلام بتوجيهاته وأوامره ونواهيه في القرآن والسُّنة من التقليد الأعمى لغيرنا، خاصة في المساوئ والمفاسد وسوء الأخلاق، وكان هذا التقليد آفةَ المشركين حين أعرَضوا عن الإسلام بحُجَّة أن آباءهم لم يكونوا عليه، بل كان دأبهم وديدنهم وعقيدتهم عبادة الأصنام؛ قال الله تعالى مخبرًا عن ذلك: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 170]، أما السنَّة الشريفة فحذَّرت من ذلك أشد تحذير؛ فقد روى البخاري في صحيحه - كتاب الاعتِصام بالسنَّة - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لتتبعنَّ سننَ مَن كان قبلكم، شِبرًا شِبرًا، وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ تَبعتموهم))، قلنا: يا رسول الله، اليهودوالنصارى؟ قال: ((فمَن؟))؛ أي: مَن غير هؤلاء تقلدونهم؟
وأشرُّ ما ورثته هذه الأمة من الأمم قبلها، هذا الداء الذي شخَّصه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ روى الترمذي وأحمد عن الزُّبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دبَّ إليكم داءُ الأمم قبلَكم: الحسد والبغضاء، والبَغضاء هي الحالقة؛ حالقة الدِّين لا حالِقة الشَّعر، والذي نفس محمد بيده، لا تُؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أُنبِّئكم بشيء إذا فعلتُموه تحاببْتم؟! أفشوا السلام بينكم))، كذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التدابُر والتقاطع بين المسلمين؛ روى البخاري ومسلم في صحيحَيهما، والترمذي في سننه، وقال: حسن صحيح، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقاطَعوا، ولا تدابَروا، ولا تباغَضوا، ولا تحاسَدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحلُّ لمُسلم أن يَهجر أخاه فوق ثلاث))، وفيه نهي صريح عن التقاطع، الذي هو ضدُّ التواصُل، وكذلك نهيٌ عن التباغُض الذي يؤدِّي إلى الشحناء والتقاطع أيضًا، أما الحسد فيَكفي أنه يأكل حسنات العبد، ويجعل صدره ضيقًا حرجًا مِن نِعَم الله على عباده، وما ذلك بسلوك سويٍّ، بل هو خلُق دنيٌّ، يستحق صاحبه الحرمان، بل إنَّ عاقبتَه الخسران في الدنيا والآخرة؛ لأن صاحبه أساء الأدب مع ربه، ومع نِعَمه؛ يقول الشاعر:
أيا حاسدًا لي على نِعمتي أتدري على من أسأتَ الأدبْ؟ أسأتَ على الله في حُكمهِ لأنَّكَ لم تَرضَ لي ما وهبْ فأخزاكَ ربي بأنْ زادَني وسدَّ عليكَ وجوهَ الطلبْ!
عبادة تبشر صاحبها بالجنة:
إنَّ الذي يُنقِّي قلبَه من هذه الأدران، وتلك الأمراض، ويَبيتُ محبًّا للناس، غير مقطِّع الصِّلات والأرحام، يعفو عمَّن ظلمه، يُعطي مَن حرَمه، يصل من قطعه - لهو جديرٌ بالفوز برضا الله تعالى وجنَّته، ولقد أكَّدت السنَّة الشريفة على ذلك؛ روى أحمد في المسند - وقال مُحقِّقه شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين - وروى الترمذي، والنَّسائي، والطبراني، والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يَطلع عليكم الآن رجلٌ مِن أهل الجنَّة))، فطلع رجل من الأنصار، تَنطف لحيتُه ماءً من وضوئه، مُعلِّقٌ نعلَيه في يده الشمال، فلما كان مِن الغدِ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((يَطلُع عليكم الآنَ رجلٌ مِن أهل الجنَّة))، فطلَع ذلك الرجل على مثل مرتبتِه الأولى، فلمَّا كان من الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: ((يَطلع عليكم الآن رجل مِن أهل الجنَّة))، فطلَع ذلك الرجل على مثل مرتبتِه الأولى، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، تبعَه عبدالله بن عمرو بن العاص، فقال: إني لاحَيت أبي - أي: خاصمته - فأقسمتُ أنْ لا أدخلَ عليه ثلاث ليالٍ، فإنْ رأيتَ أن تُؤويني إليك حتى تحلَّ يَميني فعلتَ، فقال: نعم، قال أنس: فكان عبدالله بن عمرو بن العاص يحدِّث أنه: بات معه ليلةً، أو ثلاثَ ليالٍ، فلم يرَه يقوم من الليل بشيء، غير أنه إذا انقلب على فراشه ذكر الله وكبر، حتى يقوم لصلاة الفجر، فيُسبِغ الوضوء، قال عبدالله: غير أني لا أسمعُه يقول إلا خيرًا، فلما مضَت الثلاث ليال كدتُ أحتَقِر عمله، قلتُ: يا عبد الله، إنه لم يكن بيني وبين والدي غضبٌ ولا هِجرةٌ، ولكني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات، في ثلاث مجالس: ((يَطلع عليكم الآنَ رجل من أهل الجنة))، فطلعت أنت تلك الثلاث مرات، فأردتُ أن آويَ إليك، فأنظر عملَك، فلم أرك تعمل كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيتَ، فانصرفتُ عنه، فلما وليتُ دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيتَ، غير أني لا أجد في نفسي غلاًّ لأحد من المسلمين، ولا أحسده على خير أعطاه الله إياه، قال عبدالله بن عمرو: هذه التي بلغَتْ بك، وهي التي لا نطيق".
فالمسارعة المسارعة إلى تلك الفضائل، ونبذ ما عداها من رذائل، حتى نلحق بالأوَّلين، الذين اتَّقوا وكانوا مُحسنِين، ولنُكثر مِن الدعاء الذي علَّمه ربنا لنا: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الحشر: 10].
الصلح في نطاق الأسرة:
ما أعظمه من صلح حتى تستقيم الأسر، ويهنأ الأبناء بجو أسريٍّ، يتعاون فيه كل زوجين من أجل التنشئة الطيبة والصالحة لهؤلاء الأبناء؛ فإنَّ الشِّقاق والخلاف داخل الأسرة يفتك بها أشد فتك، بل يفتك بالمجتمع كله، فالأسرة نواة المجتمع، ولقد أمر الإسلام بالتعاون والتعامل بالرفق في كل الأمور، والأسرة هي الأَولى بكل برٍّ وخير ومودَّة، فخيرُ الناس خيرُهم لأهله، وإذا حدَث ما يُعكِّر صفو هذه الحياة من شقاق وقطيعة، فإن الإصلاح هو ما أمر الله به عن طريق أصحاب الألباب، مِن الذين رزقهم الله الحكمة في لمِّ الشَّمل، وتذليل العقبات لإعادة الحياة إلى طبيعتها؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ﴾ [النساء: 35]، وأجمل وصْفٍ وصَفَ الله تعالى به الصُّلحَ أنه خير؛ فقال تعالى: ﴿ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ [النساء: 128]، فهو خير مِن الشقاق، وهو خير مِن الفراق، وهو خير مِن البغضاء التي تكونُ في النفوس.
بقيَ لنا أن نُبيِّن صفات من يتدخَّل للإصلاح؛ إذ ينبغي أن يكون مَقصَدُه الأول إرضاء الله تعالى، والإخلاص في عملِه، وبذْل النصيحة للطرفين، حتى يوفق في مهمته، كذلك عليه أن يتحرَّى العدل؛ ليُنصف المظلوم، ويردَّ إليه حقه، ويعمل على تضييق دائرة المعرفة بتلك المشكلة متى أمكنه ذلك؛ حتى لا يَستشري الخبر ويَنتشِر، ويتكلم فيه هذا وذاك، كلٌّ حسب فهمه، فتتعدد الأفهام، وتختلف الرؤى، ويتَّسع الخرق على الراقع، فيقل احتمالُ التوصُّل إلى حلٍّ يُرضي الطرفَين، فكتمان الأسرار والأخبار أول طريق النجاح والإصلاح بين المتنازعَين، وكما قيل: استَعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان.
إنَّ المجتمع بما فيه من أضداد ورؤى مختلفة، وأهواء متعدِّدة - لَيَحتاجُ إلى هذه الفضيلة وتلك العِبادة؛ عبادة إصلاح ذات البَين، التي يَنبغي أن يُمارسها أفراده كلما وجدوا أنفسهم في دائرة خلاف أو شِقاق، قد تجرُّهم إلى طريق كله بَغضاء وشحناء، لا يوجد فيه رابح وفائز ومُنتصِر، فالكلُّ في نهايته خاسِر، والخسارة لا يُشترط أن تكون في المادة فحسب، بل إنَّ خسارة الأصحاب والخلان، لهي أعظم الخسارة، كيف لا وهي تهدم المجتمع هدمًا، وتشقُّه ليس نصفين، بل أرباعًا وأخماسًا وأسداسًا وأكثر من ذلك؟
إن سنَّة الله في الخلق أن يكون البأس بينهم؛ روى مسلم في صحيحه عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله زوى لي الأرض فرأيتُ مشارقها ومغاربَها، وإنَّ أمتي سيَبلُغ مُلْكها ما زُوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمَّتي ألا يهلكها بسَنَة عامة - أي: بالقحط والمجاعة - وألا يُسلِّط عليهم عدوًّا مِن سوى أنفسِهم فيَستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمَّد، إني إذا قضيتُ قضاءً فإنه لا يردُّ، وإني أعطيتُكَ لأمَّتكَ ألا أهلكهم بسنَة عامَّة، وألا أسلِّط عليهم عدوًّا مِن سوى أنفسِهم يَستبيح بيضتَهم، ولو اجتمع عليهم مَن بأقطارها - أو قال: مَن بين أقطارها - حتى يكون بعضهم يُهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا))، وفي رواية أخرى لمسلم: ((سألتُ ربي ثلاثًا، فأعطاني ثنتين ومنعني واحدةً؛ سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسنَة فأعطانيها، وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يَجعل بأسَهم بينهم فمنعنيها))، وما دام الخلاف فطريًّا وموجودًا لا محالة، فينبغي أن نُرشِّد الخلاف، فنتحاور بالأدب، ونُجادل بالتي هي أحسن، ولا يَحملنا هذا الخلافُ إلى إثارة العداوات، والدعوة إلى التحزُّب والعصبيات؛ فالجميع لا بدَّ أن يَستشعروا أنهم في سفينة واحدة، إن غرقتْ غرقت بالجميع، فلا ناجيَ يومئذٍ، نسأل الله السلامة.
فلنبدأ من الآن؛ فطريق "الألف ميل" يبدأ بخطوة، والصلح خير، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
اللهم ألِّف على الخير قلوبنا، وأصلِح ذات بيننا، واهدِنا سبل السلام، ونجِّنا من الظلمات إلى النور، إنَّك نعم المولى ونعم النصير.