بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
أخوتي ..
يُمكِنُنا جميعًا أن نتكلّمَ بالوطنيّةِ والإلتزامِ والقيمِ الرفيعةِ . لكنَّ الأكيدَ أنَّنا ، أغلبَنا ، بعيدونَ عن هذهِ العناوينِ الرفيعةِ ، والدليلُ هوَ واقِعُنا ، فلو كُنّا ، أغلبُنا ، أُناسًا صالحينَ لَمَا وَصلنا إلى ما نحنُ فيهِ .
لِذا فلا يكفي أن يتحدّثَ فُلانٌ أو فُلانٌ عن الوطنيّةِ لكي يكونوا مِن أهلِها ، نَعَم هُم قدْ يكونونَ ، ولكن هذا يحتاجُ إلى إثباتٍ ، أنا لستُ أُعطي رأيي في أحدٍ ، ولكِن لا شيءَ يمنَعُ مِن أن يكونَ الأشخاصُ الذينَ يدّعونَ الوطنيّةَ و الصلاحَ أُناسًا كاذبينَ ، وأنّنا واهِمونَ بتصديقِنا لَهُم ، كما صدّقنا قبلَهُم السياسيينَ المُخادِعينِ المُنافِقينَ .
في مثلِ هذهِ الأيامِ من السنةِ الماضِيةِ بدَأت حركةٌ شعبيّةٌ بالهيَجانِ ، حركَةٌ أُطلِقَ عليها إسمُ (ثورةِ تشرينَ) وأنا أُسمّيها (فورةُ تشرينَ) ، فلماذا هي فورةٌ لا ثورةٌ ؟ الثورةُ يُرادُ مِنها التغييرُ مَع سَعيٍ صادِقٍ وجادٍّ للتغييرِ مِن قِبلِ الثّائرينَ ، أما الفورةُ فهوَ مُصطَلَحٌ أُعبّرُ بِهِ عن انتِفاضةٍ سَبَبُها الجَزَعُ مِن الواقِعِ وغايَتُها تحسينُ الواقِعِ بِلا منهَجٍ مُحدّدٍ لفِعلِ ذلك .
فَهل نحنُ شعبٌ ثائِرٌ أم فائِرٌ ؟
هَل نحنُ شعبٌ قرّرَ تغييرَ الواقِعِ أم طالَبَ بِذلكَ دونَ أهليّةٍ لِذلكَ ؟
هَلْ حَقًّا نحنُ نُريدُ وَطنًا ؟!!!
إخوَتي ، الإنسانُ الوطنيُّ هوَ الذي يلتَزمُ في دوامِهِ بالوقتِ والعَملِ ، هوَ الذي يلتَزِمُ بالنظامِ بِكُلِّ أشكالِه ، هوَ الذي يكرَهُ التفرِقةَ والطائِفية . فلا تُحدّثني عَن أنّكَ تُريدُ وَطَنًا وأنتَ غيرُ ملتزِم في عملِك ، وأنتَ تتجاوَز قوانينَ المرور و تستخدم الرّشوةَ والواسِطةَ في مُعاملاتِك .
في أيامِ أوجِ الانتِفاضةِ ، كُنتُ أرى العديدَ مِنَ الأشخاصِ مِن زُملائي في العَملِ ، مِمّنْ أعلَمُ يقينًا عَدَمَ امتِلاكِهِم لأيِّ شُعورٍ بالمسؤوليةِ ولا احتِرامٍ للمِهنةِ ولا أداءٍ للواجِبِ ، كُنتُ اراهُم يُشارِكونَ في الانتِفاضةِ ويُردّدونَ الشِعاراتِ الوطنيّةِ والثوريّةِ ، مُدّعينَ رغبَتَهُم في المُشاركةِ في الإصلاحِ. مُتناسينَ أو جاهِلينَ أنَّهُم جُزءٌ مِن المُشكِلةِ .
قد يبدو كلامي مشوبًا بالتّخاذُلِ أو مُحبِطًا ، ولكنّي أريدُ أن أقولَ أنَّ الأوطانَ تُبنى بالعملِ والالتِزامِ بالنّظامِ ، وليس بالشعاراتِ الرّنانةِ والمنشوراتِ المزروقةِ بمُصطلحاتٍ ثوريّةٍ . لِذا أقولُ كما أقولُ دائمًا أننا يَجبُ أن نكونَ جادّينَ في إرادَتِنا للتغييرِ عبرَ تغييرِ أفعالِنا ومبادِئِنا ، عبرَ التِزامِنا بفِعلِ الصوابِ .
يَجِبُ أن يكونَ في المُجتَمعِ نِسبةٌ مِنَ الصالحينَ الملتزمين يُمكِنُ انتِخابُهُم في الفُرصةِ القادِمةِ .
مَن يُريدُ أنْ يكونَ المُجتَمعُ صالِحًا ، بمواطِنيهِ وزُعمائِه و مسؤوليهِ ، فعليهِ أن يبدَأَ بتغييرِ وإصلاحِ أقرَبِ الأشياءِ عليهِ ، نَفسِهُ وعائِلَتِهِ ومَن يقرُبُهُ .
وخِتامًا أستخلِصُ زُبدةَ الموضوعِ بِآيَةٍ مِنَ الذّكرِ الحكيمِ :
بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )الرعد - ١١هذا المقالُ يتضمَّنُ رأيي ، وهُوَ لا يعدُو ذلكَ ، ونيّتي هيَ إبداءُهُ وليسَ التضادُّ معَ رؤيةِ أحَدٍ .
ولَكُمُ ولِآرائِكُم كامِلُ الاحتِرامِ إن تفضّلتُم بِها .