بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
خبر..
سوء الظنّ الّذي يحتلّ قلوب من حولها، هو ما اضطرّ سلوى الخيّاط إلى ترك عملها، والبحث عن فرصة عمل جديدة، رغبةً منها في البعد عن كلّ ما تسمعه وتراه من قبل زميلة لها، مما ينغّص قلبها ويتعب روحها.
ترى الخيّاط أنّ هذه الزّميلة باتت لا ترى الحقيقة، وتفسّر كلّ حرف وحركة بحسب أهوائها، ولا تأخذ الأمور ببساطة، مشيرةً إلى أنها تمادت بسوء ظنّها بالآخرين، حتى وإن كانوا على خلق رفيع.
وتذهب الأربعينيّة عائدة فلاح إلى أنّ "إساءة الظنّ باتت متفشّية بين النّاس، مشيرةً إلى أنها ترى ذلك متجسّداً في كلّ جلسة تجمعها بصديقات لها، أو جارات، أو زميلات، فأصبحت كالدّاء الّذي لا دواء له، بل من الصّعب معالجته بسهولة، وقد يأخذ وقتاً طويلاً للتخلّص منها".
وتقول: "كثير من المشاكل تحدث مع المحيطين بي، نتيجة سوء ظنّهم بالآخرين، ما يجعل ردود فعلهم سلبيّة تجاههم، وبخاصّة إذا كان الأمر بين أفراد الأسرة الكبيرة."
وفي هذا السّياق، يبيّن اختصاصي علم الاجتماع، ومدير مركز ثريّا للدّراسات، د. محمد جريبيع، أنَّ المجتمعات الّتي تمرّ بأزمات معيّنة، يصبح لديها شكّ في المحيطين، وتترسّخ لديها حالة من سوء الظّنّ بهم، وقد تتحوّل مع الأيّام إلى عدوانيّة في بعض الأحيان.
والمجتمع الّذي يزيد فيه عدد السكّان، من وجهة نظر جريبيع، تزداد معه المشاكل الاجتماعيّة الّتي قد تحدث، وبخاصّة مع وجود الأغراب في البيئة ذاتها، إذ يظهر هناك نوع من المخاوف تجاه الآخرين.
من جهته، يؤكّد اختصاصيّ علم النفس، الدكتور محمد مصالحة، أن سوء الظّنّ ظاهرة لها أسبابها النفسيّة والاجتماعيّة، والتي يعيشها الفرد خلال حياته اليوميّة، مشيراً إلى أنّ الفرد يكون قد صوّر في داخله صورة سلبيّة عن المجتمع، فيراه عدوانيّاً وسلبيّاً، ولذلك، يكون ردّ فعله الداخلي والنفسي تجاه الآخرين سلبيّاً، فلا يتوقّع منهم سوى السّوء.
ومن بين الأسباب الّتي تجعل الشّخص سيّئ النيّة أو الظّنّ، وفق مصالحة، وجود ماض مؤلم في حياة الفرد، أو إساءة تعرّض لها من الآخرين، وقد يكونون من المقرّبين إليه.
ويضيف أنّ هذا الأمر قد ينعكس على حياة الفرد وعلاقاته مع الآخرين بشكل عام، فقد يتحوّل إلى شخص انطوائيّ وغير متفاعل، عازياً ذلك إلى توقّعاته الداخليّة المسبقة للأحداث، الّتي تبعده عن الآخرين في سبيل تحقيق الأمان الّذي ينشده لنفسه، لافتاً إلى أنّ هذا يختلف تماماً عن الحرص الّذي يجب على الإنسان اتّباعه.
وتعليق..
بيَّن القرآن الكريم آداب التّعامل بين المؤمنين، فمدح حسن الظّنّ بهم وأيّده بشدّة، وشجع على الابتعاد عن سوء الظّنّ، وتجنّب الحكم على النيّات، فحسن الظنّ يفضي إلى زيادة المحبّة والتّعاون المتبادل والثقة الوثيقة بالطرف الآخر؛ أمّا سوء الظّنّ، فإنّه مرض أخلاقيّ فتّاك، بل من الكبائر المذمومة في الإسلام، لأنّه يفتك بالأفراد والمجتمعات، ويجعلهم يتحرّكون في تعاملهم من موقع الرّيبة والتّشكيك والتّآمر ضدّ الآخر.
وقد تحدّثت بعض الآيات والأحاديث عن هذا المرض الأخلاقيّ الفتّاك، ومن بينها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}[الحجرات: 12].
وعن عليّ(ع): "لا تَظُنَنَّ بِكَلِمَة خَرَجَتْ مِنْ أَحَد سُوءاً، وأَنتَ تَجِدُ لَهـا فِي الخَيرِ مُحتَمَلاً". وعنه(ع): "سُوءُ الظَّنِّ يُفسِدُ الأمور وَيَبعَثُ عَلَى الشُّرُورِ".
وفي معرض تفسيره لقوله تعالى، {يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ الظَّنّ}، "أي الّذي يمثّل حالة وجدانيّة منفعلة برؤية خالية من الوضوح، متعلّقة بحدث أو بشخص في ما تثيره من انطباعاتٍ فكريّةٍ في مجال التقييم، أو من أحكام عملية في مجال السلوك الواقعي، أو في ساحة المسؤوليّة، دون أن يكون هناك أساسٌ يقينيٌّ يقطع الشّكّ ويبتعد عن الرّيب. {إِنَّ بَعْضَ الظَّنّ إِثْمٌ}، لأنّ كثيراً من الخواطر الّتي تخطر في البال، أو الّتي تبدو على سطح الأحداث، أو تتحرّك بها بعض المعطيات غير الدّقيقة أو غير الموثوقة، لا تتناسب مع طبيعة واقع الحدث أو الشّخص، لأنّ أيّة حالةٍ غير يقينيّة، لا بدّ من أن تحمل الكثير من الأخطاء والأوهام الّتي لا ترجع إلى قاعدة صواب، ما يجعل الاعتماد عليها اعتماداً على الباطل، وهو خطيئة في طبيعته أو في آثاره، الأمر الّذي يستلزم اجتناب كثير من الظّنون التي لا يعرف فيها وجه الحقّ، في ما يتميّز به الحقّ عن الباطل، حتى لا يقع الناس في الظّنون الباطلة، ويبقى أن يلاحق الفكر الظنّ بالبحث والاستقصاء للوصول إلى النتيجة الحاسمة التي تطلّ على الحقيقة.
وهذه القاعدة تضمن للمجتمع استقراره النفسيّ، عندما يعيش أفراده الشّعور بأنهم لا يواجهون الأحكام أو الانطباعات السلبيّة البعيدة عن الدقّة من قبل الآخرين، وعندما يتوخّى المؤمنون الدقّة في دراسة الحيثيّات الموثوقة، في ما يحكمون به على النّاس، أو ما يحملونه من انطباعاتٍ عنهم". [تفسير من وحي القرآن، ج 21، ص 151].