بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
الطاعة تقرّب من الجنة
في القرآن الكريم تأكيدٌ على عنوانين يقرّبان الإنسان إلى الله تعالى، ولا شيء غيرهما، وهما الطاعة والتقوى، حتى إن قرب الأنبياء والأولياء إلى الله تعالى إنما كان من خلال هذين العنوانين، لأن الله هو خالق الجميع، فليس بينه وبين أيّ عبد من عباده أية قرابة، وإنما يكرم عباده من خلال العمل والطاعة والتقوى، وهذا ما أكدت عليه أحاديث رسول الله(ص) والأئمة من أهل البيت(ع).
ومن بين هذه الأحاديث التي تؤكِّد على الطاعة، عن أبي جعفر محمد الباقر(ع) قال: "خطب رسول الله(ص) في حجة الوداع ـ وهي خطبة خطبها رسول الله (ص) في آخر حجة حجّها والمسلمون مجتمعون هناك، وكأنه أراد أن يبلّغهم رسالته الأخيرة ممّا يأخذون به أو يدعونه ـ فقال: أيها الناس، والله ما من شيء يقرّبكم من الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به، وما من شيء يقرّبكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه ـ فإن الله قد حرّم ما يفسد الإنسان في عقله وقلبه وحياته، وما يفسد نظام الكون كلّه، وبذلك تكون المشكلة في الإنسان الذي قد يرتكب أعمالاً تؤدي إلى غضب الله وسخطه، "وهذا ما لا تقوم له السموات والأرض" ـ ألا وإن الروح الأمين ـ ولعل المقصود به جبرائيل ـ نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها ـ فالله تعالى، ومن خلال الأسباب التي أودعها في الكون والإنسان، جعل لكل إنسان رزقاً معيناً قد يحصل عليه بجهده أو من حيث لا يحتسب مما يقدّمه الآخرون إليه، فالإنسان لا بد من أن يستكمل رزقه قبل أجله ـ فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ـ حاولوا أن تأخذوا الرزق من حلاله، ولا تستعجلوا الأمر لتأخذوه من حرامه، ولا تبذلوا كلَّ جهدكم وحياتكم في طلب المال، لأن للحياة أكثر من مسؤولية وموقع ـ ولا يحمل أحدكم استبطاء شيء من الرزق أن يطلبه من غير حلّه، فإنه لا يُدرك ما عند الله إلا بطاعته"، فإذا أردت أن تحصل على رضى الله ورحمته، فإن الطاعة هي التي يمكن لها أن تقرّبك منه سبحانه.
وفي حديث آخر للإمام الباقر مع أحد أصحابه، وكان (ع) يتحدث معه عن مسألة التشيّع، وهل هو مجرد خفقة قلب في حب أهل البيت(ع)، أو أنه عقيدة وموقف وحركة والتزام وطاعة وتقوى، لأن الكثير من الناس يتحدثون عن أن "حبّ عليّ حسنة لا تضرّ معها سيئة"، والقرآن الكريم يكذّب ذلك: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يُجزَ به ثمّ لا يجد له من دون الله وليّاً ولا نصيراً}، هذا نص القرآن، وما "خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الجدار"، كما يقول أهل البيت (ع)..
شيعتنا من اتقى الله وأطاعه
يقول الإمام الباقر (ع) لصاحبه "جابر بن عبد الله الأنصاري": "يا جابر، أيكفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبنا أهل البيت، فوالله ـ وعندما يحلف الإمام الباقر (ع) فمعنى ذلك أن القضية في المستوى الخطير ـ ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون ـ الشيعة الأوائل الذين كانوا يلتفون حول عليّ والحسن والحسين(ع) ـ إلا بالتواضع والتخشّع والأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبرّ بالوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكفّ الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء"، فقلت: يابن رسول الله، ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصفة؟! فقال (ع): "يا جابر، لا تذهبنّ بك المذاهب ـ لا تأخذك الأفكار والتمنيات ـ حسب الرجل أن يقول أحبّ علياً وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعّالاً ـ بأن يقتدي بعليّ (ع) في إخلاصه لله ولرسوله وفي طاعة لله والتزامه بالحق ـ فلو قال إني أحبّ رسول الله فرسول الله خير من عليّ ـ وليسمعها الذين يحاولون أن يقدِّموا الإمام عليّ(ع) على النبي(ص)، وعليّ(ع) يفتخر أن النبي (ص) ربّاه وعلّمه ـ أويكفي الرجل أن يقول إني أحبّ رسول الله ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنّته ما نفعه حبّه إياه شيئاً. فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحبّ العباد إلى الله عزّ وجلّ وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته. والله يا جابر، ما يُتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجة، من كان لله مطيعاً ـ هذا هو خط أهل البيت (ع) ـ فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع".
الصبر طريق إلى الجنة
وطبعاً هذا مما يحتاج إلى صبر. وفي حديث يبيّن فيه جائزة الذين يصبرون على طاعة الله وعن معصيته وعن البلاء، قال أبو عبد الله الصادق(ع): "إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس فيأتون باب الجنة فيضربونه، فيقال لهم: من أنتم؟ فيقولون: نحن أهل الصبر.. فيقال لهم: علامَ صبرتم؟ فيقولون: كنا نصبر على طاعة الله ونصبر عن معاصي الله، فيقول الله عزّ وجلّ: صدقوا أدخلوهم الجنة، وهو قول الله عزّ وجلّ: {إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب}.
الارتباط النوعي للتقوى
وفي حديث عن الإمام الباقر (ع) ـ ونحن إنما نبيّن هذه الأحاديث حتى نعرف كيف ننفتح على أهل البيت(ع)، وكيف نرتبط بهم أمام هذا الغلوّ الذي بدأ بعض الناس يمارسونه ويعتقدونه وينطلقون به باسم حبّ أهل البيت (ع) ـ فعنه (ع): "يا معشر الشيعة، شيعة آل محمد، كونوا النمرقة الوسطى ـ وهي الوسادة المتوسطة لا المنخفضة ولا المرتفعة ـ يرجع إليكم الغالي ـ الذي ينحرف كثيراً إلى أن يتحدث بالغلوّ ـ ويلحق بكم التالي ـ وهو المتأخّر ـ قال له رجلٌ من الأنصار يقال له "سعد": جُعلت فداك، ما الغالي؟ فقال (ع): "قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا ـ بحيث يرتفعون بنا عن الدرجة التي وضعنا فيها الله ـ فليس أولئك منا ولسنا منهم"، قال: فما التالي؟ قال: "المرتاد، يبلّغه الخير فيؤجر عليه"، ثم أقبل علينا فقال: "والله ما معنا من الله براءة، ولا بيننا وبين الله قرابة، ولا لنا على الله من حجة، ولا نتقرّب إلى الله إلا بالطاعة، فمن كان منكم مطيعاً لله تنفعه ولايتنا، ومن كان منكم عاصياً لله لم تنفعه ولايتنا، ويحكم لا تغتروا، ويحكم لا تغتروا".
وفي بعض الأحاديث التي تبيّن ارتباط التقوى بالنوعية، أي بوعي الإنسان لعمله وصلابة موقفه أمام المعصية والانحراف، عن مفضّل بن عمر قال: كنت عند أبي عبد الله(ع) فذكرنا الأعمال، فقلت: ما أضعف عملي، فقال (ع): "مه، استغفر الله، إن قليل العمل مع التقوى خير من كثير العمل بلا تقوى" ـ هل ينطلق عملك، مع قلّته، من روح تخاف الله ويمنعها هذا الخوف من أن تقبل على المعصية ـ فقلت: كيف يكون كثير بلا تقوى؟ قال (ع): "نعم، مثل الرجل يُطعم طعامه، ويرفق جيرانه، ويوطئ رحله، فإذا ارتفع له الباب من الحرام دخل فيه، فهذا العمل بلا تقوى، ويكون الآخر ليس عنده، فإذا ارتفع له الباب من الحرام لم يدخل فيه".
إنّ الله تعالى يريدنا أن نتقرّب إليه، ونحن عندما نصلي ونصوم ونحجّ ونعتمر إنما نضمر في أنفسنا أننا نفعل ذلك قربةً إلى الله، فعلينا أن نعمّق إحساسنا بالحاجة إلى القرب من الله تعالى والحصول على رضاه ولا شيء إلا رضاه، وعلينا عندما نعيش في الدنيا أن نعرف أن الدنيا ليست دار بقاء، بل أن نحدّق دائماً بالآخرة، كما قال قوم قارون له: {وابتغ فيما آاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض}.