بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
يَبدأُ الحُبُّ كَقطرةٍ من ماءٍ مُلوّن يُضافُ لماءٍ صافٍ, سُرعانَ ما تَكبرُ هذه القطرة وتنتشِر في وَسَطِ السائل لتكوّنَ عِشقاً, فهيام, حتى يتلوّن الماءُ بأكمله نكون قد وصلنا لمرحلةِ الجُنون !
ولو اعتبرنا هذا الماءَ الصافي قلباً نَقيّاً يَعيشُ بفطرته التي خَلَقها الله بها, وأَضَفنا له قطرةً من لَونٍ مُرَكّز مُستَخلَصٍ مِن عنايةٍ وعَطفٍ واهتمامٍ وتوجيهٍ مُتواصلٍ سنرى الأَثَرَ وَلو بعدَ فترةٍ, وهوَ أَن يُصبح هذا القلب, وهذا الفَرد تَحتَ سُلطانِ الحُب, وتُصبحُ أَفعالهُ وتَحرّكاتُه مَقرونةً بمن يُحب, وبذلكَ يَخضَعُ لهَيمنَةِ الحَبيب وهذا ما قد يُسمّى جُنوناً ..
في يَومٍ من الأيام ِ زارَ بوذا راهبٌ يَرغبُ أَن يُمضي ما تبَقّى مِن حياتِهِ بالقيامِ بالرياضاتِ الروحية والتقرب للإله والانقطاع له, سأله بوذا بدايةً: “هَل أحببتَ أحداً حتى الآن؟” , ارتَبَكَ الراهِبُ واندَهَش, كَيفَ يَسأَله عَن الحُبِّ المادِّي وَهُوَ يَطلُبُ الحُبَّ الرّوحي الإلهي وتَركَ الدُنيا ! أَكمَلَ بوذا: ” أَجَل, لا تَندَهِش, فَلو لَم تَختبِر الحُبَّ المادِّي لتَعَذّرَ عَلَيكَ اختبارُ الحُبِّ الإلهي, انصرف واختَبِر الحُبَّ المادِّيَ أَولاً ثُمّ عُد إِلَيّ!
عِندَما نَطّلِعُ على القِصّةِ السابقة -مِنَ الجانب الفِكريّ والروحيّ لا العقائدي- نَستنتِج أَنّ القَلبَ لا يَقدِرُ على حُبّ المَعبود إلّا بوُجودِ شُروطٍ مُسانِدة, تُحَفِّز مثلَ هذا الحُب, وَلَو لَم يُجرّب القَلب الحُب المادّي لكانَ حَجراً غَيرَ صالحٍ للتَعامُل معه, وَكما قيلَ سابِقاً؛ خُلِقَ القلبُ لِيُحِبّ ويُحَب, فأَينَ يَجد الإنسان الحُب؟
يجدهُ في عِنايةِ الحُسَينِ بأنهُ ارتضاهُ أن يَكونَ من شِيعَته, وَعَطفِهِ في أَن جَعَلَ مَنابِرَهُ مَدارِساً يَتَربّى تحتَها, وَفَتَحَ بُيوته له لِتُقدّمَ الاهتمامَ وَالتَوجيه المُتَواصِل فَيزدادُ الحُبُّ حُبّاً, والعِشقُ عِشقاً, وَالهِيامُ هِياماً فالجُنونُ جُنوناً بالحُسين ..
فالحُسين عليه السلام هوَ الذي يُقرّبُنا يوماً فَيوم من حُبّ الله وعشقهِ عَزّ وجَل, وقَد قالَ الإمامُ الصادق عليه السلام: “مَن أَرادَ الله بَهَ الخَير قَذَفَ في قَلبِه حُبَّ الحُسين وحُبّ زيارته”, وأَيُّ خَيرٍ يَرتَضيهِ الله لِعِبادِهِ غَيرَ حُبِّهِ عزّ وجل, فالطَريقُ الأَقرَبُ إلى حُبِّ الله هُوَ حُبُّ الحُسين عليه السلام, فالحُسين يَدُهُ الرؤوفة هِي التي تُمسِكُ بالعاشِقينَ والعاصينَ والتائبين.
وكَما في بَعضِ مَعاجِمِ اللغة, الحُبّ هو العَطفُ والرحمةُ والاهتمام, وحُبُّ الحُسين جزءٌ من حُبِّ الله جلّ وعلا, فَهوَ رَحمةُ الله الواسِعة وطَريقَ الأُمَّةِ لمعرفة الإله وحبّه وَهُوَ بابُ نَجاتِها, ولِكَي تكون علاقَةُ الحُبِّ ناجحة يجب أَن يَحدث تفاعلٌ مَحسوس بينَ الطرفين ولِتأَكيدِ هذا المعنى نَذكر حديثَ المُصطفى صلّى الله عليه وآله: “حُسَينٌ مني وأنا مِن حُسين, أَحَبَّ الله مَن أَحَبَّ حُسَيناً”, فحُب الحسين صلوات الله وسلامه عليه هو الحَلَقة التي تَصِل بين العَبدِ وَعِشقِ المِعبود, وَهُوَ البابُ الذي يُعرَفُ منهُ الله.