بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته



عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «ثَلَاثُ خِصَالٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ اسْتَكْمَلَ خِصَالَ الْإِيمَانِ: الَّذِي إِذَا رَضِيَ لَمْ يُدْخِلْهُ رِضَاهُ فِي إِثْمٍ وَلَا بَاطِلٍ، وَإِذَا غَضِبَ لَمْ يُخْرِجْهُ الْغَضَبُ مِنَ الْحَقِّ، وَإِذَا قَدَرَ لَمْ يَتَعَاطَ مَا لَيْسَ لَه بِحَقّ».

يرتبطُ الإيمانُ والاعتقادُ بالسلوك، فهو من ناحيةٍ يحدّدُ الموقفَ والطريقةَ التي يتعاملُ بها الإنسان، كما أنّ السلوكَ الصحيحَ والسويَّ النابعَ من الإيمانِ بالإسلامِ ينعكسُ استكمالاً لإيمانِ الإنسان، فيجعلُ الإيمانَ راسخاً متكاملاً، يقولُ الإمامُ الخامنئيّ: «لا تعني الروايةُ أنّ الإيمانَ محصورٌ في هذه الخصالِ الثلاث، إنما تعني أنّ مَن توافرت فيه هذه الخصالُ الثلاث، كان ذلك دليلاً على اجتماعِ خصالِ الإيمانِ كافّةً فيه؛ لأنّ كلَّ واحدةٍ منها تتوقّفُ على مجموعةٍ من الصفاتِ الحسنة، وتكشفُ عنها». وما تشيرُ إليه الروايةُ عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) سلوكيّاتٌ ثلاثٌ مؤثِّرة، عند المحافَظةِ عليها على إيمان الإنسان، حيث تنتقلُ به إلى درجةِ كمالٍ أعلى، والجامعُ لهذه الصفاتِ هو الوقوفُ عند الحقِّ وعدمُ التعدّي عنه بما يوجبُ الوقوعَ في الباطل، وهذه السلوكياتُ لا بدَّ وأن تكونَ صفاتٍ ثابتةً عند الإنسان، فهي خصالٌ له؛ أي تميّزُ شخصيّتَه:


1- الرضا العادلُ: وذلك لأنَّ هذه الحالةَ لا ينبغي أن تخرجَ إلى حدِّ الإسراف، فيعطي مَن يرضى عنه ما يزيدُ عن حقِّه؛ لأنه بذلك يأخذُ حقَّ غيرِه، وقد ورد عنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «شِيعَتُنَا الْمُتَبَاذِلُونَ فِي وَلَايَتِنَا، الْمُتَحَابُّونَ فِي مَوَدَّتِنَا، الْمُتَزَاوِرُونَ فِي إِحْيَاءِ أَمْرِنَا؛ الَّذِينَ إِنْ غَضِبُوا لَمْ يَظْلِمُوا، وَإِنْ رَضُوا لَمْ يُسْرِفُوا».

2- تجرُّعُ الغضب: ليس الغضبُ بتمامِهِ مذموم، بل بعضُهُ يكونُ مطلوباً إذا كان للهِ -عزَّ وجلَّ-، ولكنَّ الحَذَرَ ينبغي أن يكونَ من الغضبِ الذي يَخرُجُ بالإنسانِ من الحقِّ فيوقعُهُ في التعدّي على الغير، وعلاجُ حالاتِ الغضبِ تكونُ بالتمسُّكِ بصفتَي الصبرِ والحلم؛ أي العفو، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «مَا مِنْ جُرْعَةٍ يَتَجَرَّعُهَا الْعَبْدُ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ يَتَجَرَّعُهَا عِنْدَ تَرَدُّدِهَا فِي قَلْبِهِ، إِمَّا بِصَبْرٍ وَإِمَّا بِحِلْمٍ»

ولأنَّ الغضبَ حالةٌ تعرضُ للإنسان، فقد تتحكّمُ به فتُفقِدُهُ السيطرةَ على نفسه، فعلاجُها بتقويةِ الإرادةِ التي تغلبُ ذلك، فعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «أَعْظَمُ النَّاسِ سُلْطَاناً عَلَى نَفْسِهِ مَنْ قَمَعَ غَضَبَهُ وَأَمَاتَ شَهْوَتَهُ»

3- العدلُ عندَ القدرة: فإذا كان الإنسانُ يمتلكُ القوّةَ والقدرةَ على الغلبةِ والأخذِ بحقّه، لم يتجاوزْ ذلك إلى الظلم، وقد وردَ في الروايةِ عن أقربِ الخَلْقِ إلى اللهِ يومَ القيامة... «رَجُلٌ لَمْ تَدَعْهُ قُدْرَتُهُ فِي حَالِ غَضَبِهِ إلى أَنْ يَحِيفَ عَلى مَنْ تَحْتَ يَدِهِ».

إنَّ قِوامَ الحالاتِ الثلاثِ أن تَصِلَ قوّةُ النفْسِ بسببِ الإيمانِ واليقين، والتي يتميّزُ بها المؤمن، إلى حالةٍ يتمكّنُ مِن خلالِها مِن كبحِ عواطِفِهِ المتأجِّجةِ عندما يُحِبُّ أحداً من الناس، وكذلك عن شدّةِ الغضبِ وسكرةِ القوّة.