يطلق اسم العصور الوسطى على الفترة في التاريخ الأوروبي الممتدة بين انهيار الحضارة الرومانية في القرن الخامس بعد الميلاد وعصر النهضة، والذي اختُلِف على تحديد بدايته سواءً كانت في القرن الثالث عشر أو الرابع عشر أو الخامس عشر تبعًا للمنطقة الأوروبية وعواملٍ أخرى.
نشأة فكرة العصور الوسطى
بدأ المفكرون والكتاب والفنانون الأوروبيون في القرن الرابع عشر بالاحتفاء بحضارة وفنون اليونان القديمة وروما، وبناءً على ذلك فقد قاموا باستبعاد الفترة بعد سقوط روما وإطلاق اسم العصور الوسطى أو حتى العصور المظلمة حيث لم يُسجَّل فيها أي إنجازٍ أو إنتاج عملٍ فنيٍّ أو ظهور قادةٍ عظماء. أهمل الناس الذين عاشوا في العصور الوسطى تقدم أسلافهم وغرقوا في ما أسماه المؤرخ الإنجليزي أدوارد غيبون “البربرية والدين”
لقد أوجد دعاة المبادئ الإنسانية (الإنسانيون) مصطلح العصور الوسطى ليفصلوا أنفسهم عنه، وقد قاموا بهذه الحركة انطلاقًا من إحساسهم بالحرية من جهةٍ، وقبولهم لفكرة العصور التاريخية الوسطى من جهةٍ أخرى؛ أي أن التاريخ هو سلسلةٌ من العصور واضحة المعالم ضمن إطارٍ زمنيٍّ محددٍ، فهم لم يتحدثوا عن عصور التاريخ الستة التي تحدث عنها القديس أوغسطين، أو يؤمنوا بنبوءة يواكيم فيوري (عالم لاهوت إيطالي) لكنهم ورثوا مع ذلك فلسفة التاريخ التي بدأت بالجنة والتي قد تنتهي بالقدوم الثاني للمسيح. وفي هكذا مخططٍ زمنيٍّ؛ فإن آلاف السنين الممتدة بين القرن الخامس والخامس عشر يمكن اعتبارها فترةً مميزةً في التاريخ.
دور الكنيسة في العصور الوسطى
تبعًا لكتاب مختارات نورتون (Norton Anthology) فإن المجتمع في العصور الوسطى تكون من ثلاث فئاتٍ: النبلاء،الارستقراطيون الوارثون، والكنيسة التي كان واجبها آنذاك أن تهتم بالشؤون الروحية، وكل من تبقى في المجتمع غير ذلك.
لقد كانت الكنيسة المؤسسة الأوروبية العالمية الوحيدة وامتلك الأساقفة المحليون كل السلطة في الكنيسة، واعتبرت الكنيسة نفسها المجتمع الروحي للمسيحيين، والبعيدين عن مملكة الله، المنتظرين في عالمٍ عدائيٍّ إلى أن يحين يوم الخلاص، وتواجد أهم أعضاء هذا المجتمع خارج الحكومة الكنسية في الأديرة التي انتشرت في أوروبا.
في أوج هذه العصور أصبحت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية منظمةً ضمن تسلسلٍ هرميٍّ متقنٍّ حيث أصبح البابا رأس الكنيسة في غرب أوروبا وأسس سلطةً عُليا. ظهرت الكثير من الابتكارات في مجال الفن الإبداعي، ولم تعد الثقافة حكرًا على رجال الدين، وتوجهت كتاباتٌ جديدةٌ لجماهيرٍ مثقفةٍ جديدةٍ امتلكت الوقت والمعرفة الكافيان للاستمتاع بهذه الأعمال.
أما أواخر العصور الوسطى فتميزت بالصراع فبدأت المدن والبلدات بالنمو وازدياد سكانها بأعدادٍ كبيرةٍ جدًا وأرادت الحصول على استقلالها من التبعية ونتج عن ذلك ارتفاع مستوى التفكير الاجتماعي والسياسي، وبدأ الناس في أواخر هذه الفترة في اتخاذ حياة المسيح نموذجًا ليقلدوه ونظموا أنفسهم في طوائفٍ وجماعاتٍ رسوليةٍ فقد ظهر ميولٌ كبيرٌ إلى الدين والحاجة إلى اتباع المسيح وأتباعه.
لقد لعبت الكنيسة خلال العصور الوسطى دورًا كبيرًا في حياة الناس فكانت القائد الروحي والحكومي أيضًا، أما دورها في القرن العشرين تضاءل ولم تعد تملك تلك السلطة الكبيرة التي امتلكتها في العصور الوسطى.
العالم الإسلامي في العصور الوسطى
شهدت هذه الفترة ازدياد قوة العالم الإسلامي، فبعد وفاة النبي محمد عام 632م غزت الجيوش الإسلامية أجزاءً كبيرةً من الشرق الأوسط ووحدتها تحت سلطة الخليفة، وكان العالم الإسلامي في العصور الوسطى أكبر من العالم المسيحي بثلاث مراتٍ، وشهدت مدنٌ كبيرةٌ كالقاهرة وبغداد ودمشق نهضةً ثقافيةً وحضاريةً كبيرةً، وكتب الشعراء والعلماء والفلاسفة آلاف الكتب على الورق الذي وصل إلى العرب من الصين في القرن الثامن.
كما ترجم الباحثون النصوص اليونانية والإيرانية والهندية إلى العربية، وابتكر المخترعون تقنياتٍ مثل الكاميرا ذات الثقب والصابون وطواحين الهواء والأدوات الجراحية، وأول آلة طيرانٍ ونظام الترقيم الذي نستخدمه اليوم، إضافةً إلى قيام الباحثين الدينيين والمتصوفين بترجمة وتفسير وتعليم القرآن، والنصوص الدينية الأخرى للناس عبر الشرق الأوسط.
الحملات الصليبية
في حوالي أواخر القرن الحادي عشر من العصور الوسطى بدأت الكنيسة الكاثوليكية بإرسال بعثاتٍ عسكريةٍ (حملات صليبية) إلى المدينة المقدسة لطرد المسلمين “الكفرة” منها، وقد اعتقد الصليبيون أن هذا الأمر سيغفر لهم خطاياهم ويضمن لهم حياةً أبديةً في الجنة.
بدأت تلك الحروب الصليبية عام 1095 وانتهت في أواخر القرن الخامس عشر، وقد زُهِقت أرواحٌ كثيرةٌ من الطرفين، كما أن تعرُّض الصليبيين للعلوم والآداب والتقنيات الإسلامية كان له أثرٌ كبيرٌ على فكر أوروبا.
الحياة في تلك العصور
كان الفلاحون والخدم أفقر طبقات الشعب في العصور الوسطى وعاشوا بشكلٍ رئيسيٍّ في الريف والقرى الصغيرة، وكان واقع الخدم أكثر سوءًا من الفلاحين فقد امتلكهم الأسياد الذين عملوا في أراضيهم ودفع الخدم أجارًا لهم مقابل تأمين سكنهم، كما حُرموا من حق التعليم والزواج والرحيل إلى مكانٍ آخر دون موافقة أسيادهم.
أما النجارون فقد اعتبروا من نخبة التجار، فلكي يصبح أحدهم نجارًا كان عليه أن ينضم إلى نقابةٍ كمتدربٍ ليتعلم المهنة وأن يكون على معرفةٍ بالرياضيات وأعمال الخشب واستخدام الأدوات، وتم تعيين النجارين الماهرين كمختصين لدى الملكة والنبلاء وحصل النجار الرئيس على أجورٍ عاليةٍ، وبالنسبة للحدادين فقد كان عليهم صنع أدواتهم أولًا ثم البدء بممارسة المهنة.
أهم أحداث العصور الوسطى
- معركة الهستنغز والغزو النورمندي 1066م.
- إنهاء كتاب Domesday عام 1085م.
- إقرار الحملة الصليبية الأولى 1095م.
- مقتل توماس بيكيت 1170م.
- توقيع الميثاق الأعظم (Magna Carta) عام 1215.
- معركة بانوكبرن 1314م.
- تفشي مرض الموت الأسود (الطاعون) في بريطانيا 1348م.
- ثورة الفلاحين عام 1381م.
- هزيمة هنري الخامس للفرنسيين في معركة آجينكورت 1415م.
- هزيمة ريتشارد الثالث في معركة بوسورث 1485