لم يكن شهر آب/ أغسطس من عام 1914 الذي شهد السفر برلك فأل خير على معظم دول العالم وخاصةً العربية منها والتي دخلت مرغمةً في براثن الحرب العالمية الأولى التي وصفت بأنها الحرب التي ستنهي جميع الحروب، والتي جمعت أكثر من 70 مليونٍ عسكريٍّ معظمهم من الأوروبيين للمشاركة في أكبر الحروب بالتاريخ.
فقد نشبت هذه الحرب بين القوى العظمى بالعالم لتشمل حلف المملكة المتحدة البريطانية وإيرلندا والجمهورية الفرنسية والإمبراطورية الروسية في مواجهة الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية والدولة العثمانية ومملكة بلغاريا.
ما معنى كلمة السفر برلك
سفر برلك هي كلمةٌ تركيةٌ تكتب seferberlik وهي كلمةٌ مكونةٌ من مقطعين “سفر” وتحمل نفس المعنى في اللغة العربية و “برلك” وتعني “معاً” أو “مجموعة”، أي يصبح معنى السفر برلك هو السفر جماعةً بغرض التهيؤ للحرب، كما فسرها البعض من خلال تقسيمها إلى ثلاث مقاطعٍ “سفر” وتعني ترحال و “بر” وهي كلمةٌ فارسية الأصل مشتقةٌ من كلمة “بُردن” وتعني إجبار أو حَمل و “لك” وهي لاحقةٌ في اللغة التركية تحول الصفة إلى اسمٍ فيصبح المعنى إجبار الناس على السفر.
أسباب إعلان نفير 1914
نفير عام 1914 أو ما يدعى بسفر برلك هو أول نشاطٍ عسكريٍّ من نوعه قامت به الدولة العثمانية بتجهيز وتهيئة الشباب في البلدان الواقعة تحت سيطرتها بشكلٍ قسريٍّ لمواجهة أعدائها من البريطانيين وحلفائهم، حيث قامت الدولة العثمانية بتنظيم منشوراتٍ عديدةٍ تحت مسمى “إعلان الجهاد المقدس” والذي كان أول إعلانٍ له في الثالث من آب/ أغسطس عام 1914 وهو ما يصادف إعلان الحرب العالمية الأولى.
وكانت الغاية من هذا الإعلان حشد الشباب في البلدان الواقعة تحت سيطرة الدولة العثمانية وتنظيم صفوفهم لخوض حربٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل بغرض تجنيب الدولة العثمانية الدخول في تلك الحرب، ولكنها ما لبثت أن دخلت بعدها في الحرب في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1914 حيث أصدر عندها شيخ الإسلام وهو أرفع منصبٍ ديني في الدولة العثمانية في ذلك الوقت فتوى الجهاد، والتي ذكر فيها أنّ الجهاد هو واجبٌ على كل مسلمٍ ضد ما أسماه بالغزاة الكفرة، وناشد كل المسلمين الذين يعيشون في بريطانيا وفرنسا وروسيا بمقاومة هذه الدول دفاعًا عن الإسلام والذود عن الدولة العثمانية وحلفائها من الألمان والنمساويين والمجر وكرر شيخ الإسلام هذه الفتوى في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1914 من خلال بيانٍ مؤثرٍ تم نشره في مختلف الأقطار الإسلامية آنذاك.
وفي 29 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1914 قام الأميرال الألماني “سوشون” بمهاجمة الموانئ الروسية الموجودة في البحر الأسود دون أخذ موافقة الدولة العثمانية وفي الوقت الذي إنشغل فيه وزراء الدولة في إيجاد حل لهذه المشكلة من أجل إبعاد البلاد عن براثن الحرب، قامت الحكومة التركية في 30 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1914 بالإعلان عن بلاغ يدّعي بأنّ الأسطول الروسي كان يعمل على تعقب نظيره التركي وبناءً عليه قامت السفينة الحربية “غوبن” بإغراق حاملة الألغام الروسية وإلحاق الضرر بباقي الأسطول الروسي.
وعلى أثر هذا البيان غادر السفير الروسي إسطنبول وتلاه مغادرة السفيران البريطاني والفرنسي لتعلن روسيا في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1914 ومن ثم بريطانيا وفرنسا الحرب على الدولة العثمانية مما حقق مآرب ألمانيا وغيرها من الدول التي دعت إلى الحرب على تركيا.
حيث يرى الكثيرون أنّ الدولة العثمانية دخلت إلى الحرب بناءً على أمرٍ من وزير دفاعها آنذاك “أنور باشا” وأنّ الخليفة السلطان “محمد رشاد الخامس” لم يكن له أي رأي بالموضوع، إذ أنّ الدولة العثمانية كانت مثقلةً بعد خسارتها لليبيا في عام 1911 وفقدانها لمعظم دول البلقان في عامي 1912و1913
السفر برلك جريمة عثمانية
ويرى الكاتب السعودي محمد الساعدي في كتابه “سفر برلك” أنّ ما قامت به الدولة العثمانية ما هو إلّا جريمةً تهدف إلى سلخ المدينة المنورة عن الحرم الملكي وتحويلها إلى ثكنةٍ عسكريةٍ بغرض تتريكها فيما بعد، لتشكل آخر حدودٍ للدولة العثمانية داخل الجزيرة العربية بسبب خوفها من قرب تشكل الثورة العربية الكبرى وانطلاقها على الاحتلال التركي آنذاك. إذ قام الأتراك بمد خط “سكة حديد الحجاز ” بغاية ربط المدينة المنورة بمدينة إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية والإستفادة منه في تأمين طريقٍ لتهجير الشباب عبر القطار أثناء الحرب.