بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
جاء الإسلام ليبني أمّة، ولكن ليس كما كان سائداً ومفهوماً في ذلك الزمن، الأمّة التي يريدها الإسلام أمّة يصوغها الدّين، فتحمِله عقيدة، وتجسّده قيماً ومفاهيم وتعكسه سلوكاً في حركة الأفراد والجماعات...
{ و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان}(1)
خير الأمم أمّة التضامن:
جاء الإسلام ليبني أمّة، ولكن ليس كما كان سائداً ومفهوماً في ذلك الزمن، الأمّة التي يريدها الإسلام أمّة يصوغها الدّين، فتحمِله عقيدة، وتجسّده قيماً ومفاهيم وتعكسه سلوكاً في حركة الأفراد والجماعات.
وقد أكّد الإسلام على ذلك بقوله:﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾(2).
فأمّة الإسلام أمّة هي في نفسها بما تحمله خير الأمم من عقيدة وفكر ومفاهيم وقيم، وهي خير أمّة أخرجت للنّاس، فخيرها ليس محبوساً فيه، وإنّما هو خير واصل لغيرها من الأمم، حيث تقدّم النموذج الأفضل للأمم على طول المسيرة البشريّة، بل هي خلاصة جهود الأنبياء والأولياء وثمرة حركتهم، وهذه الأمّة لن تكون خير أمّة أُخرجت للنّاس ما لم يفض خيرها ويصل إلى غيرها عبر أمرين، تقديم النموذج الرائع والجذّاب والنوّار بالفضائل وما لم تقم بمهمّة نشره وتوسيعه، وذلك لا يقوم إلّا (ثانيا)بدوام حركة التطهير أو فقل الإصلاح الداخليّ ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولأنّ هذه المهمّة مسؤوليّة عامّة فإنّ صناعة خير الأمم، وإبراز آيات جلالها وجمالها لا يكون إلّا بتجسيد مبدأ: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾(3).
والذي يمكن تسميته باعتماد منهج التضامن بين المسلمين خصوصاً في أيّام الأزمات التي تواجهها الأمّة.
دور التضامن في بناء الوحدة:
إنّ الأمم خصوصاً الأمّة الإسلاميّة تواجه في مسيرتها وحياتها أزمات ذات أنواع وألوان فمنها:
- الأزمات الاجتماعيّة
- الأزمات الاقتصاديّة
-الأزمات الأمنيّة والعسكريّة
- الأزمات الطبيعيّة أو الكونيّة الناتجة من الكوارث والآفات الطبيعيّة
- الأزمات الثقافيّة والفكريّة
ومن أخطر الأزمات الأمنيّة التي تواجهها الأمّة الفتن التي يسعى الأعداء إلى إيقاع الأمّة فيها والتي تأخذ أشكالاً وتتخذ أدوات فكريّة وثقافيّة وأحياناً عرقيّة وغير ذلك، بهدف تمزيق الأمّة والسيطرة عليها.
فالتضامن والتكافل والتعاون بين مختلف قوى الأمّة ،كفيل بدفع أخطار هذه الأزمات جميعا، وحفظ الأمّة ومجدها وعزّها .والتضامن ركيزة من ركائز بناء وحدة الأمّة الكفيلة بدرء هذه الأخطار وكبح قدرتها على تقويض بنيان الأمّة، ولذا كان التأكيد على هذه الوحدة: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾(4).
كيف يتجلّى مبدأ التضامن والتعاون؟
ثمّة ألوان مختلفة يتجلّى فيها مبدأ التضامن والتعاون الذي قوامه كونه تعاوناً وتضامناً على ما فيه تقوى الله، أي حول قيم الإسلام وشريعته وعقائده ومفاهيمه، وليس تضامناً قبليّاً على طريقة نصرة القريب ظالماً أو مظلوما، بل في ضوء ما فيه رضا الله واجتناب سخطه، ومن المجالات التي يتجلّى فيها التضامن:
1- لزوم الوحدة:
بمعنى ملازمة كلّ قول وفعل يقوّي عرى الوحدة بين المسلمين وعدم الذهاب إلى ما يوجد الفرقة والتناحر وقد دعانا الإمام الصادق عليه السلام إلى ذلك قائلاً: "من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه"(5).
2- التكافل الاجتماعيّ وقضاء الحوائج:
فالتكافل الاجتماعي القائم على حبّ المسلم لأخيه المسلم وإيثاره، وأن يكون ضمير المسلم صاحياً اتجاه أخيه المسلم كما يمكن تفسير الحديث المشهور عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم"(6).
المطلوب أن يحمل المسلم هموم أمّته وأبناء أمّته وليتحوّل هذا الاهتمام إلى خطوات عمليّة إذ إنّه حين سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "اتّباع سرور المسلم"، قيل: يا رسول الله: وما اتّباع سرور المسلم؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "شبعة جوعه، وتنفيس كربته، وقضاء دينه"(7).
فالتكافل الاجتماعيّ حقيقة هو نظام أخلاقيّ يستند إلى خلفيّة عقديّة ومن وجوه تجسيد التزامه الدينيّ وانتمائه إلى الإسلام.
3- نصرة المظلوم:
فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "يقول الله عزَّ وجلَّ: وعزّتي وجلالي لأنتقمنّ من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمنّ ممّن رأى مظلوماً فقدر أن ينصره فلم ينصره"(8).
فالإسلام يريد بذلك تربية المنتمين إلى عقيدته والملتزمين بشريعته على خلق عظيم وهو رفض الظلم ومقاومته، سواء أتى الظلم من خارج الأمّة الإسلاميّة ومن عدوّ خارجيّ، أو كان الظالم من داخل الأمّة فرداً عاديّاً كما يمكن الفهم من دعاء الإمام السجّاد عليه السلام: "اللهمّ إنّي أعتذر إليك من مظلوم ظُلم بحضرتي فلم أنصره..."(9)، أم مطلقاً كما جاء في وصيّة الإمام عليّ بن أبي طالب لولديه الحسن والحسين عليهما السلام حيث قال: "وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً"(10).
وحيث إنّ بعض أنواع الظلم خصوصاً الداخليّ والذي قد يقع من سلطان جائر غاشم فثمّة مبدأ آخر متفرّع على مبدأ نصرة المظلوم وهو التناحر الذي هو من تجلّيات التضامن والتعاون، فالتناحر هو بالدرجة الأولى نوع من الحركة الموحّدة والجماعيّة في مواجهة الظلم الخاصّ أو العامّ لكن أهمّ تحدّياته ومجالاته الظلم العامّ الواقع على الأمّة أو فئة كبيرة منه، ومعناه أن يلتزم أبناء المجتمع بنصر بعضهم بعضاً ونصر الله تعالى، وإن كان نصر بعضهم بعضا وهم محقّون هو نصر لله، فإن فعلوا ذلك ولم يتخاذلوا يتحقّق الوعد الإلهيّ: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ﴾(11).
ولذا اعتبرت النصرة من واجبات كلّ مسلم اتجاه كلّ مسلم وقد رتّب الله تعالى على نُصرته لأخيه أجراً كبيرا، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن أخذ للمظلوم من الظالم كان معي في الجنّة مصاحباً"(12) فيما يترتّب على خذلان المسلم للمسلم خذلان الله له من مواطن هو أحوج ما يكون فيها للنصرة.
الحسين عليه السلام شهيد النصرة:
إنّ القارئ لتفاصيل السيرة الحسينيّة، يعرف بيقين أنّ حركة الإمام الحسين عليه السلام من مقوّماتها ذلك الظلم الواقع على أبناء الأمّة الأمنيّ والاقتصاديّ وحتّى الفكريّ والعقائديّ، ولم يكن مثل الحسين عليه السلام ليقرّ على ذلك ولا ليسكت عن استصراخ دين الله له وهو الأجدر بالنهوض والثورة، ولكن ثمّة أمر آخر واضح وهو تلك الكتب التي أتته والرسل التي وافته من شتّى أرجاء الأمّة وبالخصوص من أهل العراق يشكون ما يقع عليهم من ظلم بني أميّة، فاستصرخوا كما عبّرت زينب عليها السلام الحسين وأهل بيته والهين... لكن كان ما كان من خذلان...
ندعو الله أن يجعلنا من الثابتين الناصرين المتناصرين المتعاونين على كلّ ما فيه تقوى الله تعالى.
-------------------------
الهوامش:
(1)سورة المائدة، الآية 2.
(2) سورة آل عمران، الآية 110.
(3)سورة المائدة، الآية 2.
(4) سورة الأنبياء، الآية 92.
(5)الكافي، ج1، ص405.
(6)الكافي، ج2، ص163.
(7) وسائل الشيعة، ج16، ص256.
(8) ميزان الحكمة، ج 2، ص 1774.
(9)الصحيفة السجّاديّة دعاء التوبة.
(10)نهج البلاغة، الوصية رقم 47.
(11)سورة الحجّ، الآية 40.
(12) بحار الأنوار، ج75، ص359.
المصدر: كتاب زاد عاشوراء،