بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته


الحديث المذكور لم يرد ظاهرًا في شيءٍ من طرقنا بل ورد في طرق العامة بأسانيد بعضها صحيحة بحسب ضوابطهم، والفقرة المذكورة هي صدر الحديث النبوي، وله تتمَّة يتَّضح بها المراد من الأمر بنصر الأخ وإنْ كان ظالمًا، فقد أورد البخاري الحديثَ بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: "انصُرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا، قالوا يا رسول الله: هذا ننصرُه مظلومًا فكيف ننصره ظالمًا؟ قال: تأخذُ فوق يديه"(1).



فنصرُ الظالم بمقتضى هذا الحديث هو منعُه عن التمادي في ظلمِه، واعتبارُ ذلك من النصر للظالم ينشأُ عن أنَّ الظلم يرجع في المآل بالضرر والوبال على فاعل الظلم نفسِه فإنْ لم يكن ذلك في الدنيا ففي الآخرة حيثُ يكون مصيره العذاب في جهنَّم، فمنعُ الظالم عن التمادي في ظلمه يعودُ بالنفع على الظالم لأنَّه حين يكفُّ عن الظلم ويتوبُ إلى ربِّه يُصبح في منأىً من عذاب الله في الآخرة، لذلك كان منعُه من التمادي في الظلم هو في الحقيقة إعانة للظالم على الفوز بالكفاية من عذاب الله تعالى.



هذا وقد ورد هذا الحديث بألسنةٍ مختلفة ولكنَّها متقاربة من حيثُ المعنى:



فمن ذلك ما رُوي عنه صلَّى الله عليه وآله: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، قيل: كيف أنصرُه ظالمًا؟ قال: تحجزُه عن الظلم، فإنَّ ذلك نصره"(2).



ومنه: ما رُوي عنه صلَّى الله عليه وآله: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، إنْ يكُ ظالمًا فارددْه عن ظلمِه، وإنْ يكُ مظلومًا فانصرْه"(3).



ومنه: ما رُوي عن جابر أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: "لينصر الرجلُ أخاه ظالمًا أو مظلومًا، فإنْ كان ظالمًا فلينْهَه فإنَّه نصرُه، وإنْ كان مظلومًا فلينصره"(4).



ثم إنَّه من المحتمل قويَّاً أنَّ فقرة : " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" كان مثلاً سائراً من أمثال العرب في الجاهلية - كما يظهر من كتاب مجمع الأمثال للميداني- وكان يُضرب به للتعبير عن أنَّ الحميَّة والعصبيَّة القبليَّة تقتضيان الإنتصار للأخ مطلقاً كان ظالماً أو مظلوماً ، فتمثَّل النبيُّ الكريم (ص) بهذا المثل العربي لغرض تهذيب مؤدَّاه وتغيير مفاده بما يتناسب مع القيم الإسلاميَّة ، فجاء جواب النبيِّ (ص) في مقام بيان معنى الإنتصار للأخ الظالم أنَّ الإنتصار الحقيقي والنافع للظالم إنَّما يكون بمنعه ونهيه عن التمادي في ظلمه فإنَّ ذلك يعود بالنفع عليه في الدنيا وكذلك في الآخرة .



----------------

1- صحيح البخاري - البخاري - ج3 / ص98.

2- فتح الباري - ابن حجر - ج5/ 71.

3- الجامع الصغير - جلال الدين السيوطي - ج1 / ص420.

4- سنن الدارمي - عبد الله الدارمي - ج2 / ص311.



المصدر: مركز الهدى للدراسات الاسلامية