أخذ صوته يتردد في عقله ” لا تفقد الامل ابدا يا بني ” ، ترددت تلك العباره في عقله ووجدانه ، كلما أتي الى ذلك المكان الكريه إلى نفسه ، وجلس في انتظار دوره ، تذكر حديثة مع الدكتور حسن وهو يراجع كل البحوث والتقارير الطبيه التي احضرها معه يومها بيأس ، ثم يرفع الطبيب رأسه اليه قائلا : – الطب بيتقدم باستمرار وبسرعه يا نجيب اكثر مما تصور وما يبدو اليوم مستحيلا ، قد يصبح امر بسيط في الغد القريب يومها ابتلع نجيب لعبه بصعوبه ، وهو يساله بصوت مخترق يعني هذا انه ما ما من امل ، حاليا في الشفاء أيها الطبيب ، رجع الطبيب حسن في مقعده قائلا ك من قال هذا ربما لا يكون هناك علاج لحالتك في الوقت الحالي ، ولكن من قال أن الشفاء مستحيل ثم قال : ان الحياة يا بني ليست من حقنا ولكن كلها في يد الخالق عز وجل ، وهو وحده يملك الشفاء حتى وان قال الاطباء غير هذا ، فلا تفقد الامل ابدا يا ابني ، اذهب الى قسم العلاج الاشعاعي في مستشفى الشفاء الميداني ، وهناك ستتلاقى العلاج الاشعاعي .

ذكريات مؤلمه كانت تجتاحة في تلك اللحظة ، و تتلاشي الذكريات السعيدة من عقله ولكن الواقع الان هو الشيء هو يجلس في قسم العلاج الاشعاعي، ويتلقى العلاج المنتظم مع عده اشخاص دون ان تلوح في الافق بادره امل في الشفاء ، ودون ان ياتي ذلك الامل الذي تحدث عنه الطبيب يوما .
انتبه الجالس الى جواره ومال نحوه قائلا: هل تشعر بالملل التفت اليه نجيب متطلع اليه لحظه ثم صمت دون ان يجيب .
انه واحد من الوجوه المختلفه التي يراها في كل مره ياتي فيها لتلقي جلساته العلاجيه ، وواحد ممن حاولوا اكثر من مره مجارته الحديث ولكنه كان يرفض ، و كالمعتاد وكما يحدث في كل مره لم يرد نجيب وهو يشيح بوجهه بعيدا عن الكلام ، لم يكن يرغب في تبادل الحديث مع أي مريض الذين يشاركون في موعده لقد استمع اكثر من مره الى احديثهم وحديث العذاب والمرض والموت ، هو يكره الاحاديث عن المرض والموت والألم ، فهو واحد ممن يميلون الى المرح والسعاده والفرح، ويكره في حياته كلها الحزن واحاديث الالم والمرض ، ولهذا ابعد نفسه دائما عن الاخرين ، ولهذا ايضا تراجع محدثة الى الخلف وهو يتذكر ، فنجيب لا يحب الحديث مع الاخرين ابدا انه يحب دائما في مقعد في الركن البعيد في قاعه الانتظار، ينتظر دوره في صمت لا يحدث احد .


حتى يحين موعد الجلسه التي تستغرق دقائق و بعدها مباشره دون ان يلقي نظره واحده على الآخرين وبعدها يرحل ، وفي ذلك اليوم اخذ ينظر الى ساعته يتمنى مرور الوقت سريعا والدقائق حتى يحين دوره ، وتنتهي الجلسه وفجاه دخلت هي صوره للرقه والانوثة والجمال ، تمشي على قدمين رقيقتين فتاه جميلة جدا نحيلة الجسد ولها عيون حزينة تمتلىء بحزن الدنيا كلها عبرت باب قاعه الانتظار ، اخذ يتساءل في نفسه ما الذي اتي بها الى هنا ، وكيف لم يرها من قبل وعيناه الاثنين امراه في عينيها كل جمال الدنيا ، كيف لم يرها ، كيف في لهفه حقيقيه التفت الى المريض الذي يجلس بجواره وسأله :
– من هذه الفتاه ، تطلع اليه الرجل غير مصدق ، فهل تحدث اخيرا نجيب معه ، اجابه بسرعه لم اراها من قبل يبدو انه وجه جديد وجميل ، بدا مصطلح مفاجاه بالنسبه لنجيب انه مصطلح ويصلح لنجمه في سنيمائية او تلفزيونيه جديده ، وليس لفتاه تلج هذه القاعده لأول مره او مريضه جديده.

– لم يدري لماذا شعر بكل هذا الوجع عندما نطق العباره الاخيره مريضة جديده ، هل يمكن هذا يمكن ان يكون ذلك الملاك الجميل مجرد اضافه جديدة الى عالم المرض والالم ، لم يكن عقله ينطق الكلمه حتى شعر بالالم لالمها والحزن لحزنها الواضح ، لم يبكي قلبه من اجله ومن اجل مرضه ولكنه بكى من اجلها هي ومن اجل تعبها فقط ، كانت في انتظار جلسه علاجيه تبدوا المرة الاولى التي تاتي للمكان .

– جاء ميعاد جلسته قام من المقعد دون ان يرفع عينيه عنها واتجه الى حجره العلاج الاول ، و امام باب الحجره تردد لحظات في الدخول كانت هناك حجرات اخرى ربما دخلت قبل ان ينتهي ولا يراها عند خروجه ، شعر بالحزن قال الطبيب بضجر : دورك يا استاذ نجيب فهناك من ينتظرون ولم يكن امامه مفر سوى الدخول للغرفة وتلقى علاجة الاشعاعي .

– القى عليها نظره اخيره ثم جلس في العلاج الاشعاعي واسلم نفسه للفنيون والاطباء الذين وضعوه على الجهاز الكبير، وطلب منه الطبيب ان يغلق ثم يبدا جلسة العلاج ، بدت وكانها تستغرق وقت طويل ودهرا كاملا .
– انتهت الجلسة وخرج مسرعا الى قاعه الانتظار و تطلع في لهفه الى المقعد الذي كانت تجلس عليه بخيبه الامل لقد كان خاليا تردد في مكانه وهو يتطلع الى الغرف الاخرى ، وبعدها انطلق ورحل فلم يكون من الطبيعي ان يبقى بعد انتهاء جلسته وينتظر ، ولكنه المرة الاولى التي يحزن لمغادرته هذا المكان وتمنى لو يبقى فيه للابد وكان عقله مشغول بذلك الملاك البرىء الذي راه منذ قليل .