سيناء للفلسطينيين، والضفة لإسرائيل، ومصر شاهد على العقد
لعقود طويلة ظلت مشكلة «وطن بديل للفلسطينيين في سيناء» أو ما أُطلق عليه «البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين»، تَحدِّيًا يُؤرِّق منام قادة الفكر والساسة والعسكريين داخل الكيان الصهيوني. إلا أن الحكومة المصرية لوحت بما لم يحلُم به أكثر المتفائلين جُرأة داخل الشاباك، واضعةً كل التكهنات والتخوفات طيَّ النسيان.
السيسي الذي التقى عباس في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2014 اقترح عليه أن يتم إقامة الدولة الفلسطينية على 1600 كم مربع من مساحة سيناء. بحيث تكون هذه المساحة امتدادًا لقطاع غزة.
هذا ما نوَّهت إليه إلئيت شاحر، المراسلة السياسية لإذاعة الجيش الإسرائيلي، التي كانت أول من كشف طابع العرض الذي طرحه السيسي على عباس. وهو الأمر الذي يمكن الاستدلال عليه من خلال متابعة جذور ذلك المقترح وما آلت إليه الأمور في كل مرة يُعرض فيها.
وقائع وأحداث
مقترح يتسحاق عيتسيون و دافيد تترسكي
الوقت: عام 1954
الحدث: تأسيس لجنة تُسمى «سلطة تأهيل اللاجئين».
الهدف: بدعوى المشاكل الديمغرافية يدعي الكيان الصهيوني أنه لا يوجد لديه أي مجال في اسرائيل لعودة اللاجئين الفلسطينيين؛ لذا يجب ترحيل الفلسطينيين خارج إسرائيل وهو ما عُرف لاحقًا بسياسة الإبعاد.
الوقائع: أعدَّ البروفيسور يتسحاق عيتسيون وشريكه دافيد تترسكي دراسة تهدف إلى حل قضية النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية. حيث تقوم هذه الدراسة على استحداث وطن جديد للفلسطينيين داخل سيناء. وبحسب الدراسة فإن هذا الحل يقوم على:
- مساهمة ومشاركة دول المنطقة إسرائيل وفلسطين ومصر، وكذلك مساهمة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة.
- أما إسرائيل ستتنازل عن: 300 – 400 كيلو مترًا مربعًا من أرض النقب. وإخلاء المستوطنات اليهودية في غوش قاطيف وقطاع غزة. وكذلك ستقيم منشأة لتحلية المياه وقرى زراعية للتصدير بتكلفة تقدر بنحو مليار دولار.
- أما مصر، فستتنازل عن 3500 إلى 12,000 كيلو مترًا مربعًا في شمال سيناء. ومستطيل رفح والعريش، وبحيرة بردويل، وبير الحمة، وجبل لبني، وأبو عجيلة و كتسيعوت وستحصل في المقابل على اعتراف ومكانة سياسية بارزة بالمنطقة
وهو الحل الذي يتنازل بموجبه السارق عن جزء مما سرق فضلًا منه وكرمًا كما يدعي، كما يُطالب المسروق بمساعدته في استباحة السرقة! حقًا لقد فاقوا كل مستويات التبجُّح!
مقترح دالاس[3]
الوقت: 26 أغسطس 1955
الحدث: مشروع وزير الخارجية الأمريكي دالاس لإنهاء مشكلة اللاجئين.
الهدف: عودة اللاجئين إلى وطنهم «إلى الحد الذي يكون ممكنًا».
الوقائع: قدمت وكالة غوث مشروعًا لحل مشكلة اللاجئين: بعودة بعضهم إلى وطنهم، وتسكين من بقي منهم في الدول العربية التي يقيمون فيها. وهو المقترح الذي لاقى قبولًا لدى الحكومة المصرية في 1953 بعد ممارسة ضغوطٍ دولية عليها، فقامت بتسكين بعض أهالي غزة في سيناء.
وتضمن المشروع تشغيل اللاجئين وتوطين 12 ألف أسرة على أراضٍ يجرى تحويلها إلى أراض زراعية في شمال غرب سيناء. دون أن يتعارض هذا الأمر بالضرورة مع حق العودة. لكن سرعان ما نقض اليهود عهدهم-كالمعتاد-بهجوم على قطاع غزة في 28 فبراير 1955.
مقترح إيجال آلون
الوقت: بعد شهر واحد من حرب 1967
الحدث: نظرية وزير الخارجية الإسرائيلية إيجال آلون في الأمن الإسرائيلي والتي اعتمدت عليها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في رسم توجهاتها الاستراتيجية خلال العقود الأربعة الماضية.
الهدف:
- مشروع تسوية سياسية مع الفلسطينيين والعرب.
- مشروع أمني لضمان المحاور الأمنية مع الجوار العربي لإسرائيل.
- مشروع استيطاني.
الوقائع: اعتمدت الاستراتيجية الخاصة بآلون في هذا المشروع على:
- تحديد الحدود الشرقية للدولة العبرية بنهر الأردن وخط يقطع البحر الميت من منتصفه تماما مع المملكة الأردنية الهاشمية.
- ضم المناطق لغور نهر الأردن والبحر الميت بعرض بضعة كيلومترات إلى نحو 15 كيلومتر وإقامة مجموعة من المستوطنات والتجمعات الزراعية والعسكرية والمدنية فيها بأسرع ما يمكن مع إقامة ضواح ومستوطنات سكنية يهودية في القدس الشرقية.
- تجنب ضم السكان العرب إلى الدولة العبرية بقدر الإمكان حتى ولو أدى ذلك إلى تبني خيار الترانسفير أو التهجير بحق السكان الموجودين بالفعل في فلسطين 48 لمراعاة الاعتبارات الديمغرافية.
- إقامة حكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية في المناطق التي لن تضمها “إسرائيل”.
- ضم قطاع غزة إلى الدولة العبرية بسكانه الأصليين فقط مع نقل لاجئي 1948 الموجودين في القطاع وتوطينهم الضفة الغربية أو إلى العريش التي كانت محتلة آنذاك.
- حل مشكلة اللاجئين على أساس تعاون إقليمي يتمتع بدعم ومساعدة دولية سياسية ومادية على أن تقوم” إسرائيل” بإقامة قرى “نموذجية” للاجئين-طبقا لما ورد في المشروع-سواء في الضفة الغربية أو في سيناء.
مقترح جولدا مائير
الوقت: 9 نوفمبر 1971
الحدث: مشروع رئيسة الحكومة الإسرائيلية «جولدا مائير.»
الهدف: الدخول في محادثات سلام دون شروط مسبقة.
الوقائع: يتضمن المشروع أن تكون محادثات السلام بدون شروط مسبقة تُملى على إسرائيل. كما يعرض انسحابًا من بعض أجزاء سيناء-والتي كانت محتلة آنذاك-ولكن كان شرطها أن تبقى سيناء منطقة منزوعة السلاح. كما اشترطت بقاء شرم الشيخ تحت سيطرة إسرائيل.
مقترح يهوشع بن آريه
الحدث: الرئيس السابق للجامعة العبرية، يهوشع بن آريه، يستعرض في خطة بحثية موسعة مقترحات للمشكلة الفلسطينة-الإسرائيلة. تلك الدراسة التي تحولت إلى مشروع يحمل عنوان «تبادل أراضٍ إقليمية».
الهدف: تصفية القضية الفلسطينية عن طريق الأراضي العربية.
الوقائع: ذهب آريه في رؤيته للتنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة لتبادل ثلاثي للأراضي بين مصر وإسرائيل وفلسطين، إلى تنازل مصر عن مدينتي رفح والشيخ زويد لإقامة غزة الكبرى، على أن تحصل مصر مُقابل ذلك، على أرضٍ في صحراء النقب.
وهو الأمر الذي تحصل بموجبه إسرائيل على مساحات تتراوح ما بين 40 إلى 60% من أراضي الضفة الغربية، مع منح الفلسطينيين قطعًا بديلة في صحراء النقب. محافظة بذلك على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة، كما تمنح تلك الاتفاقية الشرعية الدولية والقبول العالمي لتلك المستوطنات.
تقوم تلك الاستراتيجية الإسرائيلية على عدة محاور أهمها:
- مشروع آريه يتسم حصرا بكونه تعدٍّ صارخ على السيادة الفلسطينية والمصرية على أرضيهما، حيث يرى آريه أن إسرائيل من حقها تحديد مصير الدولة الفلسطينية في غزة، كما أنها تحدد ما إن كانت المصلحة في سيادة فلسطين على الضفة وغزة أم لا، الأمر الذي أشار إليه بتصويره للوضع الحالي في غزة: بقنبلة موقوتة وتهديدٍ لأمن إسرائيل. لذا حريٌ بالمجتمع الدولي أن يتدخل لتفكيك تلك القنبلة وخروج فلسطين من الضفة إلى سيناء.
- مصر شاركت في حرب 48 وكانت سببًا في نزوح اللاجئين إلى قطاع غزة، كما أن القطاع نفسه كان تحت الإدارة المصرية لمدة 19 عامًا، ولذلك على مصر التدخل والمساهمة في الحل.
- إسرائيل غير ملزمة بتوفير طريق رابط بين الضفة وغزة، وهو الأمر الذي يفرض نفسه حال عودة الفلسطينيين إلى حدود 67
- لا يجب أن تُكلف إسرائيل بإثقال كاهلها باستيراد عمالة فلسطينية للقطاعات التي تسيطر عليها.
- إسرائيل غير قادرة على تهجير 250 ألف مستوطن يعيشون في الضفة الغربية، بينما تمتلك مصر مساحات واسعة من الأراضي غير مأهولة، لكنها لا تملك موارد كافية لتطوير هذه المساحات.
- كما أن مصر وفلسطين والمجتمع الدولي لهم مصالح خاصة سياسية واقتصادية في الوصول لحل سلمى طويل الأجل للنزاع.
خطة جيورا إيلاند لتقسيم سيناء
الوقت: عام 2004
الحدث: مقترحات وطن بديل للفلسطينيين في سيناء: ورقة مقترحات بقلم الميجور جنرال الإسرائيلي المتقاعد جيورا إيلاند رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي (2004-2006)، ونشره مركز بيگن-السادات للدراسات الاستراتيجية في منتصف يناير 2010.
الهدف: تصورًا لحل نهائي لإقامة الدولة الفلسطينية.
الوقائع: واحدة من الخطط التي يستحيل معهما التأويل كثيرًا كانت خطة رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، الجنرال جيورا إيلاند. ظهرت هذه الخطة للعلن ما بين عامي 2004 و2006. حيث قدمت تفاصيل واضحة لخطة التبادل الثلاثي للأراضي. ونصت الخطة على مضاعفة مساحة غزة مرتين أو ثلاث مرات، وذلك بضم 600 كيلو مترًا مربعًا من سيناء إلى القطاع. بما فيها 20 كيلومترًا مربعًا على طول ساحل البحر المتوسط.
متناسيًا أن تلك المساحة التي يتحدث عنها في غزة وشمال سيناء: أقل من مساحة لواء غزة في زمن الانتداب البريطاني على فلسطين، حيث كانت مساحة هذا اللواء آنذاك 1190 كيلومترًا مربعًا
وفيما يخص إسرائيل: فإنها ستقوم بنقل أراضٍ تخضع لسيطرتها في منطقة وادي فيران بجنوب صحراء النقب إلى الدولة المصرية، وتعتمد مساحة تلك الأراضي على المفاوضات متعددة الأطراف. كما أنها ستلتزم بالانسحاب من قطاع غزة.
مشروع جاى نجور
الوقت: يوليو 2006
الحدث: خطته لإعادة صياغة الشرق الأوسط بأكمله.
الهدف: انتشار الفلسطينيين إلى الشرق لا إلى الغرب في اتجاه الدولة الصهيونية والمطالبة بحق العودة.
الوقائع: كانت الخطة التي قدمها رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط بمركز هرتسليا الإسرائيلي للأمن القومي «جاى نجور» لإعادة ترسيم الشرق الأوسط مشابهة إلى حد كبير لما طرحته جولدا مائير. فحواها أن:
- يُقسم العراق إلى ثلاث دول، بحسب مقياس طائفي: سُنَّة وشيعة وكرد.
- كما أنه ثمة حاجة إلى تغيير جوهري في النظام السوري.
- وعلى الأردن أن يتحمل المسؤولية عن الضفة الغربية.
- أما مصر فستصبح مسؤولة عن قطاع غزة.
- يجب أن يقوم في لبنان نظام دولي جنوب الدولة وشرقها، لمنع عودة الأصولية الشيعية أو غيرها.
وتُعدُّ موافقة مجلس النواب المصري على مشروع السعودية لإعادة إعمار سيناء هو ما فتح الأبواب الموصدة على مصرعيها، وأعاد إلى الذاكرة التاريخ الصهيوني المتلون ومحاولاته استمالة الخونة من حكام العرب في سبيل انتزاع الحلم الإسرائيلي «إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات»
هذا العرض ما هو إلا بيان لما يحدث في الخفاء وأحيانًا أخرى في العلن، ولأنهم يروننا أمة لا تقرأ؛ قاموا بنشر الكثير من تلك الدراسات على مرأى ومسمعٍ منا واثقين أن العرب لن يلقوا لها بالًا.
أخيرًا
نود التنويه على أن الشعب الفلسطيني وأي أخوةٍ لنا مضطهدين: فهم مرحب بهم فوق كل أرض وتحت كل سماء، كوننا أمة واحدة وجسد واحد. ولكن… ما وهنَّا لتلك الدرجة التي تسمح لبني صهيون وعملائهم من حكامنا بإملاء شروطهم علينا بتسليم أرضنا للمحتل، ليس هذا فحسب، ولكنهم يُطالبوننا بفعل ذلك بنفس راضية مطمئنة، مستخدمين تخديراتهم المحفوظة بالغة التأثير “مساعدة الشعب الفلسطيني وحمايته من الاضطهاد”.
يسرقون رغيفك… ثم يعطونك منه كسرة… ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم… حقًا يا لوقاحتهم… أهكذا وبكل بساطة تُباع الأرض وتُدنس المقدسات!
لم ننتهِ عند هذا الحد، فمهمتنا لا تقتصر على إيضاح الحقائق، ولم تنسدل الستائر بعد، فالفصل القادم أهم… فتابعونا في الجزء الثاني من المقال وتحليل سياسي وأمني وديمغرافي لتلك الوقائع وأسباب وقوع الاختيار على “سيناء والأردن”