ألّف عالم النفس الأمريكي روبرت لفتون في 1987 كتابًا بعنوان: Thought Reform and the Psychology of Totalism، وفيه يناقش الخطوات التي يمرّ بها الفرد عند انضمامه لجماعاتٍ دينةٍ أو سياسية. ويُعتبر هذا الكتاب مرجعًا رئيسيًا لتحليل سلوكيات الجماعات الإرهابية أو العصابات الدينية مثل أتباع ديفيد كوريش والذين انتحروا جماعيًا في تكساس في منتصف التسعينيات حرقًا بعد أن حاصرتهم قوات الأمن بتهمة التحريض على استخدام العنف، كذلك جماعة بوابة السماء الذين انتحروا لكي تحلّق بهم سفينة الفضاء إلى الجنة وغيرهم الكثير.
سأورد هنا ملخصًا لأهم أفكار هذا الكتاب لعلها تفيد البعض ممّنْ تعرّض إلى عملية غسل دماغ أو من يعرف أحدًا قد تعرّض لهكذا عملية سواءٌ من أفراد أسرته أو أصدقائه. لكنْ في البداية لنحدد ما نقصد به عندما نتكلم عن “الجماعات”.
الجماعة: هي مجموعةٌ من الأفراد، تؤمن بأيديولوجيةٍ تحتوي على معتقداتٍ مشحونةٍ عاطفيًا عن علاقة الإنسان بأمورٍ غيبيةٍ لا يمكن التعرف عليها ماديًا وتدفعه باتجاهٍ شمولي، والمقصود بالشمولية هنا جعل الأيديولوجية هذه تهيمن على جميع جوانب حياة الإنسان. عادةً يكون فكر هذه الجماعات مرتبطٌ بالدين، لكن ليس بالضرورة دائمًا فقد يكون مرتبطًا بالسياسة أو الإثنان معًا. وتعمل هذه الجماعات إلى تحويل الأفراد المنضمّين إليها من أناسٍ عاديين إلى أعضاءٍ في الجماعة عبر عدة محدداتٍ وهي:
1- التحكم في محيط العضو: هنا يُعزل العضو المرتقب نفسيًا وجسديًا عن العالم الخارجي ويتمّ التحكّم بما يرى ويسمع ويقرأ، يتمّ هذا الأمر عادةً عن طريق وسائل منها: المحاضرات، النشاطات الجماعية، المخيمات… وخلال هذه الفعاليات يُغرس في العضو فكرة “العدو الخارجي” أي خارج الجماعة أو ما يُسمى “نحن و هم”. وحثُّ الفرد على التفكير أنّ الجماعة على صواب والعالم الخارجيّ على خطأ، ونلاحظ المفهوم المماثل في منطق الجماعات الإسلامية هو “الفرقة الناجية”.
2- التلاعب الرّوحاني: عبارةٌ عن غرسٍ لفكرة أنّ قائد الجماعة هو صاحب رسالةٍ إلهيةٍ أو تاريخيةٍ وأنه مختارٌ لتوصيل هذه الرسالة، ويتمّ حثُّ الفرد على سماع ما يقوله القائد وُيقنَع أنّ تنفيذ ما يؤمر به هو السبيل الوحيد للخلاص، وعادةً ما يتمتع هذا القائد بشخصيةٍ كاريزميّةٍ يستخدمها لإثارة الحماس لدى الأعضاء وحثّهم على جلب المزيد من الأعضاء والأموال وحتى وإن كان عن طريق الخداع لأنّ الغاية سامية، لذلك فهي تبرر الوسيلة حتى وإنْ كانت غير أخلاقية.
3- نقاء العقيدة: ينظر للوجود على شكل قطبان، النقي وغير النقي، الخير والشر، البياض والسواد فلا يوجد وسط، وبالطبع فإنّ أعضاء الجماعة هم وحدهم الأنقياء وكل من خارجها تشوبه الشوائب، كما تُستخدم النزعة نحو الشعور بالذّنب والعار للتّأكد أنّ الأعضاء يحافظون على “نقائهم”، لذلك تُستخدم مصطلحاتٍ مثل الاستغفار والاستعاذة بشكلٍ مستمرٍّ لتطهير النفس من الشوائب.
4- الاعتراف بالخطيئة: هنا يُغرس في ذهن العضو فكرة أنه كان مُخطئاً أو ضائعاً قبل انضمامه للجماعة وأنه يأسف لذلك كما يُعبّر عن سعادته لإنقاذه في الوقت المناسب من قِبَل الجماعة، والعضو هنا “يعلن استسلامه” وتسليم روحه وكيانه للقائد وإلى رسالته العظيمة، هذه الخطوة مهمةٌ جدًا لتنفيذ الأوامر الصعبة لاحقًا لأنّ الفرد قد جُرّد من إرادته وقابل للتسيير بالريموت كنترول.
5 -التقديس المطلق: يضع القائد حول نفسه هالةً من القدسية ونفس الشيء بالنسبة لعقيدته والتي يُنظر إليها بأنها الرؤية الأخلاقية المطلقة للوجود، ويمنع نقد أو مناقشة هذه “المسلمات” ويُؤثم من يتجرّأ على القيام بذلك ويهدّد بعقاب “غيبيِّ” مثل إصابة أهله بالمرض أو الذهاب إلى الجحيم، وهنا يُرغم الفرد على تقديس وتبجيل كل من يرتبط بالعقيدة سواءٌ كان حيًا أو ميتاً واعتبار الإساءة لهم هي إساءةٌ للعضو نفسه، وتصل درجة التقديس هذه إلى استعداد العضو للتضحية بأسرته مقابل الحفاظ على قدسية رموز العقيدة.
6 -اللغة المشحونة: يتميز خطابُ الجماعة بعباراتٍ مليئةٍ بالعاطفة الجياشة التي تهدف إلى شلّ التفكير أو التمحيص، و تكرر هذه العبارات بشكلٍ مستمرٍ حتى تصبح مبرمجة في ذهن العضو، و يحيط العضو نفسه بصورٍ ورموزٍ لهذا الخطاب مثل الملصقات على السيارة والزينة، بل حتى لافتات في الشوارع تمولها الجماعة وأتباعها ومحبيها.
7- العقيدة أهمّ من الفرد: الفرد يذوب في العقيدة فهو ليس ذا قيمةٍ كإنسان بدون هذه العقيدة المقدسة، وإذا تجرّأ الفرد وانتقد العقيدة فإنه يُتهم بأن هناك خطأ ما فيه وفي صفاته الشخصية مثل الجبن أو النفاق، بمعنى آخر فإنّ مجرّد التشكيك في العقيدة يعني تلقائيًا أنّ العضو فيه شيءٌ خاظئ.
8- إقصاء الآخر: وهذه هي أخطر مرحلةٍ وهي التي تتبناها الجماعات الإرهابية لتبرير أفعالها، حيث تطرح منطقها بشكلٍ بسيطٍ جدًا، بما أنّ الجماعة تمثّل الخير المطلق، وبالتالي كلّ من هو خارج الجماعة يُعتبر شرٌّ مطلق يتوجّب على أعضاء الجماعة القضاء عليه، وإنّ القضاء على الآخر ليس محلّ اختيارٍ بل هو واجبٌ على كل عضوٍ في الجماعة، وكلّ من هو خارج الجماعة لديه خياران اثنان: الانضمام إلى الجماعة أو الفناء، والإقصاء قد يأخذُ شكلًا متطرفًا مثل التصفية الجسدية أو شكلًا مخففًا مثل حجب الأصوات ولجم الآراء التي تشكل تهديدًا للجماعة وأفكارها.
في الختام، إسأل نفسك، هل تنطبق عليك أيٌّ من الخصائص أعلاه؟ هل مررت بتجربةٍ مماثلة؟ هل تجد نفسك لا شعوريًا تُطالب بإخراس شخصٍ قال رأيًا لا يوافق عقيدتك؟ هل توجد صورٌ أو ملصقاتٍ في سيارتك تعبّر عن عقيدةٍ معينة؟ هل تقدّس شخصًا أو فكرةً لدرجة أنك مستعدٌ أن تقتل أخاك فيما لو أساء إليها أو سخر منها حتى؟ هل تعتقد أن عقيدتك صحيحةٌ ومن يخالفها سيذهب إلى الجحيم؟ هل يوجد شخصٌ ينتمى إلى هذه العقيدة تعتبره قائدًا و تشعر بالفخر والحماس عند سماع صوته؟
إذا كان الجواب نعم لواحدٍ أو أكثر من هذه الأسئلة، فهناك احتمالٌ كبير يا عزيزي أنك تعرّضت لعملية غسيل دماغ.
منقول.