بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته



أعظم موقف قدّمته السيدة العظيمة زينب بنت علي بن أبي طالب (سلام الله عليهما) في رحلة تكاملها الإلهي! عندما رفعت يديها وقالت لصاحب العظمة والحكمة {ربنا تقبّل منّا هذا القُربان}.
◾ ما معنى القربان يا زينب؟
◾ ولماذا يُقدم القربان يا عزيزتي؟
◾ وكيف نستثمر هذا الموقف وهذا القول في أربعينيتك المباركة؟

يقول أحد العلماء الكبار:
إن من يريد أن يحصل على درجة الكمال لا بد له من قانونين!
قانون_تقديم_القربان
قانون_التعويض

فنبي الله إبراهيم (صلوات الله عليه) قدّم قربان ولكن لماذا؟
في قوله تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال: إني جاعلك للناس إمامًا) يدل على أن هذه الإمامة الموهوبة إنما كانت بعد ابتلائه بما ابتلاه الله به من الامتحانات وليست هذه البلاءات التي ابتلى عليه السلام بها في حياته (قضية ذبح إسماعيل، حرقه في النار..) ..إلا أنواع من القرابين التي قدّمها لله تعالى!
فإن سنة الله في أوليائه أن المقامات العلا تُعطى بعد تقديم انجاز يُعتد به...فعُوّض وجُعل إبراهيم إمامًا لكل البشرية!
فكلنا يقول
(اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على ابراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد).
◾ فهذه زينب قدّمت قربانا وتقُبل منها.. {إنما يتقبل الله من المتقين} وعوّضت على هذا الموقف العظيم! فلقد أنِست بالبلاء والصبر على طريق التكامل الروحي لنفسها المطمئنة.
أما نحن فعلينا أن نجتهد في هذه الأربعينية في الصبر على كل ما يقدّره لنا رب العباد ونعوّد أنفسنا على تقديم القرابين لله تعالى بشتى صورها لعلنا نحظى بنظرة الرحمة الإلهية ونصل بأنفسنا إلى الهدف المنشود في السمو والرفعة والرضى الإلهي.

كانت وصية الإمام الحسين (عليه السلام) لأخته العقيلة وصيّة ثقيلة وهامة بل كلّها تعب ومشقة.
◾ لماذا كانت الوصيّة ثقيلة عليك يا زينب؟

لقد كانت وصية الإمام عليه السلام:
{وتكفلي حال اليتامى وانظري ما كنت أصنع بحالهم فاصنعي}
لم يقل تكفلي حال اليتامى فقط!
بل قال وانظري ما كنت أصنع بحالهم فاصنعي!
◾ يعلم الله كم كان تنفيذ هذه الوصية أمرًا صعبًا على الحوراء.. وهي الحزينة الفاقدة لإخوتها وأبنائها وأحبائها..
وصدق الشاعر:

(لم تلهِ عن جمع العيال وحفظهم بفراق إخوتها وفقد بنيها)
◾ فلنتصور الموقف بما حصل بعد استشهاد الإمام (عليه السلام) حيث أنه بدأ الهجوم الوحشي على مخيمات الإمام وبعد إحراق الخيام تبعثرت النساء والأطفال في الصحراء. وفي ساعة الهجوم على الخيام كانت النساء والأطفال تلجأ إلى السيدة زينب (عليها السلام) وتخفي أنفسهم عن السياط والعصي بشخص زينب وثوبها، فكانت السيدة زينب عليها السلام تحافظ عليهم كما يحافظ الطير على فراخه حين يهجم الصقور على عشه فتجعل جسمها مانعاً من ضرب النساء والأطفال وقد اسودّ ظهرها في مدة قصيرة بسبب الضرب المتوالي على جسمها... وبعد الهجوم والإحراق بدأت السيدة زينب عليها السلام تتفقد النساء والأطفال وتنادي كل واحدة منهن باسمها وتعدّهم واحدة واحدة وتبحث عمّن لا تجده من النساء والأطفال.
◾ كلها كانت مواقف حزينة ومؤلمة ومتعبة على هذه السيدة العظيمة.
◾ وإنما كان الأصعب والأشق هو (كيف لزينب أن تنظر ما كان يصنع الحسين بحال سكينة ورقية.. لتصنع ما كان يصنعه الإمام.. الأب.. المربي.. الحنون؟
نعم يعلن الإمام أنه ما من أحد سيحلّ محله في هذا الموقع الحساس فاختار أخته السيدة العظيمة ذات الشخصية الشمولية في الحفظ والصون لأيتامه وأيتام آل محمد لتصونهم وسط الطوفان العاتي والزوبعة الجارفة.‏
لننظر في هذه الأربعينية الزينبيّة بعين البصيرة ونختار القدوة والأسوة الحسنة متأسّين بالسيدة زينب لصون أعراض فتياننا وفتياتنا في هذا الزمان المليء بالمفاسد ولتربيتهم التربية الفاضلة ورعايتهم الرعاية الحقّة..
ونرجو من بناتنا ونساء مجتمعنا أن يدقّقن في شخصية زينب الكبرى، ويَرين فيها هويّتهن وشخصيّتهن، وليتركن كل ما عدا ذلك لأنه مجرّد أمور هامشية.‏ فمن أراد بلوغ التسامي والخلوص للمولى عز وجلّ تصاغر أمامه كلّ شي‏ء، فيوفقه المولى في توجيه جميع أموره وإدارة دفّتها، فيُفاض عليه من المعنويات والرقي، فيتسلّق نحو المقامات العلمية والعملية.‏
فلْتُمسي أختي الكريمة كما أمست زينب في حراسة اليتامى والثكلى.