قصة ديك الجن مع حبيبته الجميلة ورود ومأساتهما التي ابكت الحجر :
خرج ديك الجن يوما مع صديقه الاثير بكر كعادتهما يرومون جلسة جميلة بين البساتين وتحت ظلال النخيل والاعناب فدخلوا دون علم ارضا تابعة لدير من الاديرة النصرانية التي كانت منتشرة ذلك الوقت في مناطق الشام فكان ان شاهدا بعض الصبايا الجميلات يحتفلن بمناسبة دينية ويتسامرن ويتحدثن وكانت احداهن تتغنى بابيات من شعر ديك الجن نفسه تقول :
عساكِ بحق عيساكِ
مريحة في قلبيَ الشاكي
فإن الحسن قد أولاكِ
إحيائــى وإهلاكـــي
وأولــعني بصلبــانٍ
ورهبـــان ونسَّــــاكِ
ولــم آت الكنـــائس عن
هـــوى فيــهن لـــــولاك
......
سكن ديك الجن وبكر يسمعان حديثهن وانشادها الساحر وقد تولع صاحبنا بها ايَّما تولع . كل هذا والجميلة لاتعرف ولم تشعر لاهي ولا صويحباتها بهما وياليتهم لم يعرفوا الى الابد لكن شاء قدرها وقدر ديك الجن ان يصدر من الاثنين صوت
نبه الصبايا اليهما فانبرت التي كانت تتغنى بشعره اليهما تهددهما باخبار اهل الدير بانهما اقتحما ارضه ودخلاها بدون موافقتهم . سالها ديك الجن اتعرفين لمن هذه الابيات التي كنت تنشدين فقالت الفتاة انها لديك الجن فقال لها وان قلت لك انني انا ديك الجن ؟ سكنت الفتاة وفكرت فاجابت ومن يثبت لي انك انت هو ؟ سالها ديك الجن فكيف اثبت هذا ؟ ردت الفتاة بان ترتجل ابياتا من شعرك الان . فوافق ديك الجن وانشد قصيدته الشهيرة التي جادت بها قريحته يحركها الحب الذي شعر ديك الجن انه سقط به لقمة سائغة بمجرد ان راى تلك الجميلة و تحدث اليها :
قولــــي لطيــفـك يـــــنثنـي
عن مضجعي وقت المنام
كي استريـح وتنطفـي
نار تؤجج فـي العظـام
دنـف تقلبـه الأكــف
على فراش من سقـام
أما أنـا فكمـا علمـتِ
فهل لوصلك من دوام ؟
فقالت له ولكن الجميع يقدر على هذا فربما انت حفظتها وترددها الان لذلك اطلب منك شيئا لن يقدر عليه الا ديك الجن وهو ان تبقي الابيات نفسها وتغير القافية فقط بحيث تبقي على المعنى فانشد ديك الجن وقد اطلق الحب قريحته من عقالها :
قولــــي لطيفــــك يـــنثنـي
عن مضجعي وقت الرقاد
كـــي استريـــح وتــنطفـي
نـــار تـؤجج فـي الفـــؤاد
دنــــف تقلبــــه الأكــــف
علــى فـــراش مـــن قتـــاد
أمــا أنــــا فكمــــا علمــــتِ
فهل لوصلك من معاد ؟
فلم تقتنع وطلبت المزيد فانشد ديك الجن :
قولــــي لطيفــــك ينثـنـــي
عن مضجعي وقت الهجوع
كـــــي استريــــح وتنطفــي
نار تؤجج فـي الضلـوع
دنــــف تقلبـــــه الأكــــف
على فراش مـن دمـوع
أمـا أنـا فكمـا علمـتِ
فهل لوصلك من رجوع ؟
فلم تقتنع وطلبت المزيد فزاد :
قولــــي لطيفــــك ينثـــني
عن مضجعي وقت الوسن
كــي أستريـــــح وتنطفـــي
نــــار تأجــــج في البــدن
دنــــف تقلبــــه الأكـــــــف
علـى فــراش مـن شجـــن
أمــــا أنـــا فكمـــا علـــمت
فهل لوصلك من ثمن؟
حينها , لم تقتنع الفتاة فحسب بل ان ملاك الحب اصاب قلبها بنفس السهم الذي اصاب به قلب ديك الجن فربط الحب بينهما حبا رائعا جميلا اشتهر بين العالمين عرف به الداني والقاصي وصار مضرب امثال اهل المدينة .
بعد ذلك تزوجا وعاشا اجمل حياة لايطيق احدهما فراقا عن الاخر يرفلان بسعادة لا يشعر بسرها الا المحبون العشاق .
هذي الفتاة كانت نصرانية اسمها ورود بنت الناعمة لكن الجو العام كان متسامحا وواعيا وكانت الثقافة العالية موجودة في كل بيت فكان ابوها مرحبا بديك الجن راغبا به لابنته ورود فكان ان اسلمت حين زواجها من ديك الجن بناء على طلبه .
كان من اخلص اصدقاء ديك الجن بكرالذي عرفناه سابقا وكان ديك الجن يثق به ثقة مطلقة عمياء .
وكما في كل قصة حب جميلةلابد ان يوجد من ينغصها والذي عادة مايكون من المقربين , فقد كان لديك الجن ابن عم اسمه ابو الطيب حاول مراودة ورود عن نفسها لكنها صدته بشدة وحفظت لديك الجن غيابه وكرامته لكنها لم تخبره بمحاولات ابن عمه خوفا من المشاكل التي قد تؤدي الى القتل في بعض الاحيان .
رتب ابو الطيب مؤامرة خسيسة للانتقام من ورود لانها صدته ولتحطيم هذه السعادة التي لم يفهمها واثارت غيرته . طالب ديك الجن بدَين له عليه وحين لم يستطع اقترح عليه الرحيل مع قافلة الى مدينة اخرى لتدبير المبلغ من امير كانت بينه وبين ديك الجن مودة ومحبة فرحل ديك الجن .
ظل ابو الطيب يترقب عودة القافلة لاكمال خطته الوضيعة للغدر بالاثنين فلما علم بعودتها ذهب الى ورود متصنعا الجزع وقال لها ان اللصوص اغاروا على القافلة وان ديك الجن قد قتل .
انهارت ورود وملئت الدنيا صراخا وعويلا فذهب ابو الطيب الى بكر لينقل له ماحدث وهو يتظاهر بالحزن الشديد والحرص على ورود
وطلب منه ان يذهب اليها لينقذها لانها قد تجن او تقتل نفسها . اسرع هذا الصديق الوفي اليها وحاول اسكاتها وكان يبكي هو ايضا على صديقه الحبيب . اكتمل الجزأ الاول من خطته الحقيرة فلم يبق الا الجزأ الاخر فاسرع الى ديك الجن وقال له ان ورود وبكر لم يحفظا غيبتك وانهما في علاقة اثمة منذ لحظة مغادرتك وان امرهما قد افتضح في كل المدينة وان حمص كلها تتحدث عنهما وعن سيرتك .
جن ديك الجن وفقد عقله فاسرع ليرى ورود وبكر يبكون معا فقال له ابو الطيب اترى انهم يبكون لانهم سيفترقون بمقدمك . لم يكن لدى ديك الجن في تلك اللحظة عقل يتروى به فسحب سيفه من غمده واغمده في الجسد الذي طالما كان ملهمه , هذا الجسد الذي كان الى لحظات مضت يتسابق الزمن ليضمه ويحضنه ويبث صاحبته شوقه ويغمرها قبلاته لكن الغضبة اعمت وقبلة السيف كانت اسبق . قتلها هي وصديقه المخلص بكر ليجلس يراقب جثتيهما مطعونتين وهوكان الطاعن . حين صحا على نفسه وراى ماقد فعل جلس يحتضن ورود ويبكي . كان يبكي كما لم يبكي احد من قبل . لقد انهار حبه بماساة و ضاع اجمل ما في حياته وهاهي حبيبته امامه مضرجة بالدم وهاهو صديق طفولته مضرجا بالدم قربها .
كان حبها يرفض ان يترك قلبه رغم الخيانة التي كان يتصور انها اقترفتها . في هذا الصراع الرهيب الذي شعر به ديك الجن صراع الحب والخيانة والحزن والندم .