المولد والنشأة
ولد ريتشارد في أكسفورد بـ إنجلترا في 8 من سبتمبر 1157م
ونشأ نشأة عسكرية .. فـشبّ ميالاً لـ الحرب والقتال ..
وعندما بلغ الحادية عشرة ورث عن والدته دوقية [ أكيتين ]
بـ فرنسا ثم تولى سنة 1172م دوقية
[ بواتييه ]
وهي إحدى المقاطعات الفرنسية التي كانت تابعة آنذاك لـ سلطة ملك إنجلترا ..
و يبدو أنه كان معارضًا لـ سياسة والده الملك هنري الثاني طامعًا خلافته
فـاشترك مع إخوته في مؤامرة ضد والدهم سنة 1173م
و لكنها فشلت .. ثم ما لبث أن عفا عنه والده وانصرف إلى دعم سلطانه على المقاطعات التابعة له
وشرع في الضغط على أبيه
لـ يعترف به وريثا شرعيا يخلفه على عرش إنجلترا والمقاطعات الفرنسية التابعة لها ..
و لم يكتف ريتشارد بـ ذلك بل تحالف مع فيليب أوغسطس
لـ تحقيق غرضه في الوصول إلى عرش إنجلترا وأعلن تمرده على والده
وثار ضده سنة 1188م .. ولم يكن أبوه في سن تسمح له
بـ مقابلة تمرد ابنه بضربات قوية فقد كان كبير السن عليل البدن الأمر الذي عجل
بـ وفاته سنة 1189م وخلفه ريتشارد ملكاً على عرش إنجلترا في 6 من يوليو 1189م
بـ أسم ريتشارد الأول ..
الإعداد للحملة الصليبية
و في أثناء فترة صراع ريتشارد لـ الوصول إلى العرش كان المسلمون
قد استردوا بيت المقدس بعد أن ظل أسيرًا في أيدي الصليبيين نحو 90 عامًا ..
و بدأت ترتفع صيحات عاتية في أوربا تنادي
بـ استعادة بيت المقدس و استعادة الروح التي ضاعت تحت سنابك خيل صلاح الدين
واسترداد الهيبة المفقودة ..
وصادفت تلك الدعوات هوى في نفس ريتشارد
وكان بـ طبيعته يميل إلى الحرب و يمني نفسه
بـ النصر المنشود و العودة إلى مملكته مرفوع الهامة تكلل أكاليل النصر رأسه و يلهج الناس
بـ ذكره وعلى الفور بدأ في إعداد حملته التي كلفته أموالاً طائلة
وفي الوقت نفسه كان فيليب أوغسطس ملك فرنسا و فردريك بربروسا يجهزان
لـ حملتهما لـ نفس الغرض ..
الطريق إلى عكا
أبحر ريتشارد بـ أسطوله قاصداً عكا فـ وصلها في 8 من يونيو 1191م
وقوَّى من عزيمتهم وصول قوات فيليب أوغسطس حيث جمع شمل الصليبيين
تحت زعامته وبدأ في مهاجمة عكا و قذفها قذفاً متصلاً ..
ثم جاءت قوات ريتشارد فـازداد الصليبيون قوة إلى قوتهم
وأظهرت الحامية الإسلامية ضروباً في الشجاعة وألواناً من الصبر والثبات
في مقاومة الحصار ودفع هجمات الصليبيين من البر والبحر
ولكن ذلك لم يعد كافياً بعد أن انقطعت الإمدادات والاتصالات
بينها و بين صلاح الدين الذي لم تنجح قواته في اختراق الحصار البري الصليبي ..
و لم يعد هناك مفر من المفاوضات لـ تسليم المدينة ..
واتفق الطرفان على أن يسمح الصليبيون لـ حامية عكا
بـ الخروج سالمين في مقابل فدية قدرها 200 ألف دينار وأن يحرر المسلمون 2500 من الأسرى ..
و بعد دخول الصليبيين عكا في 11 من يوليو 1191م
تجاهل ريتشارد قلب الأسد بنود الاتفاق ونقض ما اتفق عليه
فـ قبض على المسلمين بـ المدينة وكانوا نحو 3 آلاف مسلم
وقام بـ قتلهم في وحشية وهمجية في 20 من أغسطس 1191م
طعنًا وضربًا بـ السيف ..
ولم يقابل صلاح الدين الأيوبي هذا الفعلة الشنعاء
بـ مثلها ورفض أن يقتل من كان في يده من أسرى الصليبيين ..
الاستيلاء على مدن الساحل
بدأ ريتشارد بعد سقوط عكا يعد لـ الاستيلاء على شاطئ فلسطين من عكا إلى عسقلان
و يمني نفسه بـ استرداد بيت المقدس وخاض من أجل ذلك سلسلة من الحروب مع المسلمين
فـاستولى الصليبيون على حيفا التي أخلتها حاميتها الإسلامية
ثم على قيسارية التي خربها المسلمون حتى لا ينتفع بها الصليبيون ..
وفي أثناء ذلك فتح ريتشارد باب المفاوضات مع صلاح الدين
و لكنها فشلت بسبب تمسك ريتشارد بـ أن تعود مملكة بيت المقدس الصليبية
إلى ما كانت عليه قبل حطين ..
ثم نشبت بين الطرفين معركة أرسوف في 7 من سبتمبر 1191م
وكاد المسلمون يحققون نصراً عظيماً كـ ما حدث في حطين
و لكن ريتشارد ثبت في المعركة وأعاد تنظيم قواته ونجح في تحويل دفة المعركة
لـ صالحه وحقق نصراً كبيراً بعث الثقة في نفوس الصليبيين
بعد سلسلة الهزائم المدوية التي لحقت بهم ..
بعد هذا النصر الذي حققه ريتشارد اتجه إلى بيت المقدس
وفي طريقه إليه استولى على عدد من المدن العربية مثل يافا واللد و يازور والرملة والنطرون
وأصبح على مقربة من بيت المقدس بعد أن تحمل الصليبيون العناء في سبيل الوصول إليه ..
صلح الرملة
باءت محاولات ريتشارد لـ الاستيلاء على بيت المقدس
بـ الفشل أمام صلابة المسلمين في الدفاع عنها و تقوية صلاح الدين الأيوبي لـ استحكاماتها ..
ثم لم يلبث أن دب الخلاف و اشتعل النزاع بين الصليبيين
وانتهى بهم الحال إلى طلب الصلح والمفاوضة و ساعد في المسارعة إلى ذلك
ورود أنباء إلى ريتشارد بـ استيلاء أخيه يوحنا على الحكم
فـ عزم على إجراء الصلح قبل العودة إلى بلاده ..
و بعد مفاوضات شاقة عقد الصلح بين ريتشارد وصلاح الدين في 2 من سبتمبر 1192م
وهو الصلح المعروف بـ صلح الرملة،
واتفق الطرفان على أن تكون مدة الصلح ثلاث سنوات وثلاثة أشهر،
وأن تكون المنطقة الساحلية من صور إلى يافا لـ لصليبيين أما عسقلان فـ تكون لـ المسلمين،
في حين تكون الرملة واللد مناصفة بين المسلمين والصليبيين،
ونص الاتفاق أن يعطى لـ المسيحيين حرية الحج إلى بيت المقدس دون مطالبتهم
بـ أي ضريبة مقابل ذلك ..
العودة إلى بلاده
قضى ريتشارد قلب الأسد في حروبه ضد المسلمين 16 شهرًا و نجح خلالها في تقوية الصليبيين واستردادهم
لـ بعض المدن التي خسروها في حروبهم ضد صلاح الدين،
ثم غادر عكا إلى بلاده في أكتوبر 1192م،
غير أن سفينته تعرضت لـ رياح عاتية فـ رست في ميناء البندقية،
واستكمل طريق العودة برًا فـ اعتقله ليوبولد دوق النمسا
بـ القرب من فيينا وسلّمه إلى هنري السادس إمبراطور الدولة الرومانية فـ سجنه،
و لم يطلق سراحه إلا بعد أن دفع فدية كبيرة،
وعاد إلى إنجلترا حيث تُوِّج ملكا عليها لـ المرة الثانية في 17 من إبريل 1194م،
ثم رجع إلى مقاطعة النورماندى و استقر بها،
وخاض عددًا من المعارك لـ إنقاذ ممتلكات التاج الإنجليزي في فرنسا،
ثم لم يلبث أن انتهت حياته بـ سبب سهم طائش أثناء حصاره
لـ أحد حصون النبلاء في إبريل 1199م ..