بداية دعونا نعرف الفقير من هو وما هو ..
الفقير حسب التعريف الدارج العام الضيق هو من كان اسوء حالا من المسكين اي من لا يجد قوت يومه او ما يعتاش به ولغويا هو الحاجة، وفعله الافتقار، والفقير هو الذي نزعت فقره من ظهره فانقطع صلبه من شدة فقره أو الفقير المكسور الفقار يضرب مثلًا لكل ضعيف.
وحسب تعريف فوضى الامم المهترئه .. ( المتحدة ) .. هو من يعيش على اقل من دولار 1 يوميا وهو التعريف المحدود ..
وبرايي .. الفقير هو كل انسان مصاب بعوز في ناحية من نواحي حياته الاساسية سواء كان هذا العوز مادي ، صحي ، ثقافي ، اجتماعي ، فكري او انساني وعدم الوسيلة او الجهة لمعالجتة او استئصاله .. وهو التعريف الشامل المطلق للفقر بمعنى ان الفقر ( منطقا ) حاله لا تختص بالعوز المادي من عدمه فقط ، بل هي حاله عامة شامله .
فمثلا يمكن ان يكون الغني فقيرا فقرا فكريا ثقافيا وإن ملك مالا طائلا حتى يطغى عليه الفحش في الغنى فقد يكون لا يقرأ و لا يكتب مثلا او لا هوية فكرية له او لا خلفيه ثقافيه تساعده على كيفية التصرف الصحيح في ثروته مما يؤدي الى سلوكه مسارا خاطئا في توظيف تلك الثروة مما يؤثر عكسيا او سلبا على ادارته وتحريك دورته بما يخدمه ويخدم غيره وهو بهذا يكون فقيرا في هذه الناحيه مما يدخله في خانة العوز المباشر الذي يوجب الدوله العمل على استئصاله ..
وهكذا بالنسبة لانواع الفقرالاخرى في المجتمع وعليه فبهذا يصبح كل المواطنين في المجتمع العربي في جميع دولنا العربية فقراء دون استثناء ..
والان لنعد الى موضوعنا الاساس المومئ اليه بالعنوان .. ماذا يريد هؤلاء الفقراء من ثوراتهم ؟
بادئ ذي بدء نقول لقد درجت الثورات في مسلكها العام على مر العصور ان تنطلق اساسا من بين صفوف الفقراء المعوزين والمظلومين على كافة الصعد كنهاية محتومة ونتيجه اكيده لسلسلة لا متناهية من السلوكيات الخاطئة من احد اطراف المجتمع اتجاه طرف او اكثر مما يولد الشعور بالظلم والتمييز وعدم الانصاف فينفجرالغضب في لحظة تكون كافية لهدم المعبد على من فيه ويكبر هذا الغضب حتى يصبح كالطوفان بانظمام كل فقير معوز اليه من مختلف الشرائخ التي ذكرناها سابقا ..
كما حدث في الثورات العربية فمن الخطأ القول ان من قام بها المعوزين ماديا فقط بل على العكس حتى بعض فئات المجتمع المترفه شاركوا بها وبفعاليه وقوة .. وهذا ما يفسر سقوط السياسيين فيها وبأمتياز .
ثم ليجرف هذا الطوفان من يقف في وجهه وبعد وقت من المواجهه بين الطرفين تقع النتيجه المحتومة والاكيده بإنتصارالثائرغالبا واستعادته زمام المبادره والسيطرة مرة اخرى وهنا تبدأ لحظة الانجاز فيشرع هذا المنتصر إن كان على مستوى الحدث ذو بصيرة وضميرصادق مع الذات ونفس كبيرة على الصغائر والدنايا ، تؤثرالاخر وتستشعر بعظم المسؤوليه التي القيت على عاتقها ، تبدأ في اعداد العدة ورسم المستقبل وفق ما يمليه الضمير الحي والحالة الانسانية الراقيه ناهيك عن التدين الحقيقي وان لم تكن هناك خططا مسبقة أعدت لتلك اللحظة فيكون نصب عينيها اولا البدء بتصحيح الاوضاع التي بسببها ثار الثائرون وانتفض المظلومون وفق مبادئ وقيم واخلاقيات انسانية تراعي جميع الاطراف بغض النظرعن انتمائاتهم او اصطفافاتهم او اعراقهم ودياناتهم او حتى اتفاقهم او اختلافهم معها بما فيها الظالم نفسه وحفظ ماله من حقوق والمحافظة قدر الامكان على مكانته وانسانيتة تمهيدا لمحاكمته ان استحق بعيدا عن نزعة الانتقام او ضغائن التشفي وارضاء لاحقاد ماض ولى .
ثم بسرعه تلتفت الى تهدئة الانفس الثائرة الغاضبة بإجراءات سريعة وفعالة تنهي او لنقل تعالج على الاقل جزء من معاناة من يعاني من شرائح المجتمع الضعيفة وعلى كافة الصعد بدئا بالمادة وانتهائا بترميم الحالة النفسية لبعض الشرائح المتأثرة نفسيا وبالقدر المناسب في محاولة لعلاج ادران ماض قريب فيه ما فيه من انكسار اضاع الانسانية وعوز اهدر الكرامة وضياع اتلف الامل في النفوس بعيدا عن تعقيدات الروتين وانتظار ميزانيات وترتيب اوضاع امنية والاعيب سياسية فحين يشعر المظلوم لمجرد الشعور ان هناك من يهتم بامره ويعمل جاهدا لحل مشاكله ويداوي جراحاته مستذكرا في نفس الوقت دمائه التي سالت في سبيل هذه اللحظات ومثمنا ومكافأ اياها ولو بالقليل من العمل والنتائج فبالتالي ستهدأ ثورته ويخف غضبه ويعود اليه الاحساس ان وطنه قد عاد اليه يملكه بكل ما فيه وحينها بالتأكيد سيتعاون ليعيد بنائه ويصبر إن احتاج امره الى صبر حتى يستقر الوضع فيحصل على ما يريد ..
وهو بالضبط ما حلم ويحلم به الفقير في عالمنا العربي من ثوراته الهادره في عموم وطننا العربي التي لا تزال تزمجر او تلك التي ظن البعض انها انتهت ..
حلم بغد افضل وبعدالة اجتماعية اشمل وبكرامة وثقة اكبر به ومنحه كامل حقه دون استجداء او استعطاء او منة من ايا كان ، حلم بأن يشعر الاخر المسؤول انه يشاركه هذه الارض فله الحق مثله تماما فيما تطرحه من خيرات وثروات وامكانيات والمشاركة في ادارتها وحمايتها .. لا ان يعامله ويتعامل معه انطلاقا من مبدا علاقة السيد الاناني البخيل بالعبد الذليل الذي يؤمر فيطيع بل انطلاقا من مبدا الشريك الحر .
وياله من حلم بسيط ومعادلة غير معقده والاجمل منها الاستجابه حين تكون الثقة محل الخيانه والصدق محل الكذب والاحترام محل الاحتقار والامانه محل السرقة والايثار محل الانانية والشفافيه محل الكتمان والغموض .
حين تعي القيادات ان لا كثرة الجيوش ولا سياسة الوعود ولا خبرة الكهول او كثرة الحديث المنمق او صراخات التهديد بالعنف يمكنه القضاء على حاضنات القلق ، حاضنات الغضب والفوضى والتخريب والعودة الى الثورة في انفس الناس بسبب سوء الاوضاع والتمييز والتهميش وغمط الحقوق واساءة الادارة بل اشعارهم بأن حياتهم تعود اليهم ، انسانيتهم تعود اليهم ، حقوقهم المسلوبه ترد اليهم دون ان يضطروا للمطالبه بها او تسولها ممن لا يملكها اصلا.
و يا لخسارة الاحلام وتحولها لسراب في زمن تباع فيها الدماء والكرامة كأي سلعة رخيصة في زمن لا تزال الثورات تزمجر وتكشر عن انيابها بين الحين والاخر و لا يزال جمرها تحت رماد الهدوء والسكينة الظاهري فيحدث العكس وتأتي الريح على غير ما تشتهي سفن هذا الفقير ..
حين فوجئ بأن من تصدى لقيادته بعد انقشاع غبار ثورته على مستوى ادنى من الحدث بكثير ولا يوازي حتى اقل توقعاته وانه ذو نفس دنية فاقدا لأي عدة او خطه لهذه اللحظة وما بعدها اللهم الا من شعارات فارغة تافهة خادعة .
فيراه امام الموقف الجديد مجردا من كل شيئ تماما كالعاري في مهب الريح تائه في خضم الحدث كالاعمى لا يعي طريقه ، لتنكشف عورته في هذه اللحظة وليظهر انه ممن استغل الظرف واصطاد اللحظة في الماء العكر ، فلم يكن ممن فكروا او خططوا ونفذوا او حتى شاركوا وسالت دمائهم ولكنه القدر اوصله الى ما هو فيه كما حدث ويحدث الان في ثوراتنا العربية ولازال ، فتخلخلت الاوضاع وضاعت الذات وانكسرالامل بمستقبل افضل وتحولت الاحلام الى اوهام في ظل صراعات فئوية واطماع دنيوية دنيئة وانشقاقات طائفية مذهبية ذات اجندات خارجية وضيعة وافكار اقل ما يقال عنها انها احادية انانية تخدم اطرافا لا تقيم وزنا لخلق او مبدا او حتى تهتم بوضع او حال لاحد .
ففقد هذا الفقير الثائر ملكيته لثورته لصالح اخرين غرباء لا يملكون حتى الحق في الحياة ، استولوا عليها وحولوها لمصالحهم الشخصية الضيقة واهوائهم النتنه واخرجوه منها بل انهم بكل وقاحة وانحطاط راحوا يتهمونه بانه عميل جاسوس مجرم لص يعمل ضد مصلحة الوطن والدين كل ذلك لانه طالب بحقه من هذا الوطن الذي يعيش على ارضه ويستظل سمائه ويتنفس نسماته معهم ، بل لم يكتفوا بهذا فراحوا يكيدون له ويرمونه بشتى انواع النقائص ويشوهون صورته حتى يضمنون استمرارهم في الاستيلاء على حقه ومكتساباته وحين واجههم بكل شجاعة وثبات عمدوا الى اوغاد سلفهم الذين حولوا ولائهم الرخيص الى من اصبح بيده الامر فقتلوه وجوعوا اطفاله وشردوهم ثم اعتدوا على عرضه والقوا به جثة هامدة لا حراك بها ومنعوا حتى دفنه والبكاء عليه واندهش الاوغاد حين خرج ابنائه يحطمون بفقرهم كل ما تطاله ايديهم من ممتلكات عامة ومقتنات ويمزقون ويحرقون حتى التاريخ لانهم في لحظة كافرة وجدوا ان هذا الوطن بكل ما فيه وما كان عليه وما يمكن ان يكون ما عاد يعني شيئا لهم ما عاد لهم لان من امسك بزمام الامر فيه قد نكث بوعده وداس على احلامهم وقتل آمالهم فيه وهاهو يحاول الان جاهدا الاجهاز على مستقبلهم تحت مسميات شتى فكان شعارهم ان نكون معا او لا نكون فعادوا للثورة من جديد واستمروا وسيستمرون حتى يتحقق ما يريدون لا ما يريد ذوو البدلات الحريرية المعطرة اليوم وبالامس اهل لحى شعثاء مبعثرة .