عقيدة السنة في المهدي المنتظر (( عج ))
يتصور البعض أن عقيدة المهدي المنتظر عقيدة خاصة بالشيعة ، بينما هي عند السنة أصيلة كأصالتها عند الشيعة ، لافرق بين الجميع في ثبوت البشارة عن النبي صلى الله عليه وآله بالمهدي المنتظر عليه السلام ولا في مهمته العالمية ، ولا في شخصيته المقدسة المتميزة ، ولا في علامات ظهوره ومعالم ثورته.
وقد يكون الفرق الوحيد بشأنها أننا نحن الشيعة نعتقد بأنه هو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري عليه السلام المولود سنة ٢٥٥ هـ. وأن الله تعالى مد في عمره كما مد في عمر الخضر عليه السلام فهو حيٌّ غائب حتى يأذن الله له بالظهور .. بينما يرى غالبية علماء السنة أنه لم يثبت أنه مولود وغائب ، بل سوف يولد ويحقق ما بشر به النبي صلى الله عليه وآله.
وتظهر أصالة عقيدة المهدي عند السنة في كثرة أحاديثها في مصادرهم وأصولهم الحديثية والعقائدية ، وفي فتاوى وآراء علمائهم ، وفي التاريخ العلمي والسياسي لهذه العقيدة في أوساطهم عبر الأجيال.
وعلى هذا الأساس ، فإن الحركات المهدية في أوساط المسلمين السنة ، مثل حركة المهدي السوداني في القرن الماضي ، وحركة الحرم المكي الشريف في مطلع هذا القرن ، والحركات المتضمنة لأفكار مهدية بشكل بارز كحركة الجهاد والهجرة في مصر ، وأمثالها من الحركات ، لم تنشأ من فراغ ولا من تأثر بأفكار الشيعة عن المهدي ، كما يتصور بعضهم! فرواة أحاديث المهدي المنتظر من الصحابة والتابعين السنة لايقل عددهم عن الرواة من الشيعة. وكذلك من دونها منهم في الأصول والموسوعات الحديثية ، ومن ألف فيها مؤلفاً خاصاً. ولعل أقدم مؤلف سني وصل إلينا في عقيدة المهدي هو كتاب ( الفتن والملاحم ) للحفاظ نعيم بن حماد المروزي المتوفى سنة ٢٢٧ هـ. وهو من شيوخ البخاري وغيره من مصنفي الصحاح. وتوجد منه نسخة في مكتبة دائرة المعارف العثمانية في حيدر آباد الهند رقم ٣١٨٧ ـ ٨٣ ، ونسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق رقم ٦٢ ـ أدب ، ونسخة في مكتبة المتحف البريطاني تقع في نحو مئتي صفحة مزدوجة ، وقدتم نسخها سنة ٧۰٦ هـ. ويوجد على بعض صفحاتها عبارة ( وقف حسين أفندي ) مما يشير إلى أنها أخذت من موقوفات تركيا. وقد سجلت في المكتبة البريطانية سنة ١٩٢٤م. وهي التي نقلنا عنها في هذا الكتاب.
أما بقية المصادر الحديثية والعقائدية السنية التي تعرضت لعقيدة المهدي المنتظر أو عقدت لها فصلاً فتزيد على الخمسين مصدر ، بما فيها كتب الصحاح.
وأما المؤلفات والرسائل والبحوث الخاصة بالموضوع فهي تقارب عدد المصادر.
كما أن أقدم مؤلف شيعي وصل إلينا في عقيدة المهدي أيضاً كتاب ( الغيبة ) أو كتاب ( القائم ) للفضل بن شاذان الأزدي النيشابوري المعاصر لنعيم بن حماد ، والذي ألف كتابه قبل ولادة الإمام المهدي عليه السلام وغيبته!
وقد كانت نسخه متداولة بين علمائنا إلى أن فقدت في هذا القرن مع الأسف ، ولكن بقي منه ما رواه العلماء في مؤلفاتهم ، خاصة ما نقله العلامة المجلسي رحمه الله في موسوعته ( بحار الأنوار ).
وعلى مر العصور كانت عقيدة المهدي المنتظر عليه السلام من العقائد الثابتة المتسالم عليها عند علماء السنة وجمهورهم ، فإن ظهر رأي شاد ينكرها أو يشكك فيها ، تصدى له العلماء والمحققون وردوه وأنكروا عليه أن يشكك في واحدة من عقائد الإسلام ثبتت بالأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله.
وأمامنا نموذجان ممن شكك في عقيدة المهدي فرد عليهما علماء السنة :
الأول : ابن خلدون ، من علماء القرن الثامن ، صاحب التاريخ المعروف.
قال في مقدمة تاريخه ص ٣١١ طبعة دار احياء التراث العربي :. ( إعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ، ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ، ويسمى بالمهدي ، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره ، وأن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال ، أو ينزل معه فيساعده على قتله ويأتم بالمهدي في صلاته ). ثم استعرض ابن خلدون ثمانية وعشرين حديثاً وردت في المهدي وناقش في بعض رجال أسانيدها ، وختم مناقشاته بقوله ص ٣٢٢ : ( فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه في آخر الزمان ، وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل والأقل منه ).
ثم استعرض بعض آراء المتصوفة في المهدي المنتظر ، وختم مناقشته لها بقوله ص ٣٢٧ : ( والحق الذي ينبغي أن يتقرب لديك أنه لاتتم دعوة من الدين والملك إلا بوجود شوكة عصبية تظهره وتدافع عنه من يدفعه حتى يظهر أمر الله فيه. وقد قررنا ذلك من قبل بالبراهين القطعية التي أريناك هناك. وعصبية الفاطميين بل وقريش أجمع قد تلاشت من جميع الآفاق ، ووجد أمم آخرون قد استعلت عصبيتهم على عصبية قريش إلا ما بقي بالحجاز في مكة وينبع بالمدينة من الطالبيين من بني حسن وبني حسين وبني جعفر ، وهم منتشرون في تلك البلاد وغالبون عليها ، وهم عصائب متفرقون في مواطنهم وإماراتهم وآرائهم يبلغون آلافاً من الكثرة. فإن صح ظهور هذا المهدي فلا وجه لظهوره ودعوته إلا بأن يكون منهم ويؤلف الله بين قلوبهم في اتباعه حتى تتم له شوكة وعصبية وافية باظهار كلمته وحمل الناس عليها. وأما على غير هذا الوجه مثل أن يدعو فاطمي منهم إلى مثل هذا الأمر في أفق من الآفاق من غير عصبية ولاشوكة إلا مجرد نسبه في أهل البيت فلا يتم ذلك ولا يمكن ).
ومع أن ابن خلدون لم يجزم بنفي عقيدة المهدي المنتظر ولكنه استبعدها وناقش في عدد من أحاديثها ، فقد اعتبر العلماء ذلك منه شذوذاً وتكذيباً لعقيدة إسلامية استفاضت أحاديثها وتواترت ، وانتقدوه بأنه مؤرخ وليس من أهل الإختصاص في الحديث حتى يحق له الجرح والتعديل والإجتهاد.
وأوسع ما رأيت في الرد عليه كتاب ( الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ) للعالم المحدث أحمد بن الصديق المغربي في أكثرمن مئة وخمسين صفحة ، قدم له مقدمة وافية ذكر فيها جملة من آراء أئمة الحديث في صحة أحاديث المهدي المنتظر وتواترها ، ثم فند مناقشات ابن خلدون واحدة واحدة لأسانيد الأحاديث الثمان والعشرين التي ذكرها ، ثم أكمل أحاديث المهدي عليه السلام إلى مئة حديث.
والنموذج الثاني : كتاب ( لامهدي ينتظر بعد الرسول خبر البشر ) الذي نشره مؤلفه الشيخ عبدالله محمود رئيس المحاكم الشرعية في قطر ، على أثر حركة المسجد الحرام وادعاء قائدها محمد عبد الله القرشي أنه المهدي المنتظر. فتصدى لعبدالله محمود عدد من علماء الحجاز وردوا عليه ، ومنهم العالم المحدث الشيخ عبد المحسن العباد المدرس بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ، الذي رد عليه في بحث واف في أكثر من خمسين صفحة باسم :
( الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي ) ونشره في العدد ٤٥ من مجلة الجامعة الإسلامية ـ محرم ١٤۰۰ هـ. وأشار في مقدمته إلى بحثه الذي كان نشره في نفس المجلة. قال :
( وعلى أثر وقوع هذا الحادث المؤلم لقلب كل مسلم ( ... ) حصلت بعض التساؤلات عن خروج المهدي في آخر الزمان وهل صح فيه شئ من الأحاديث عن رسول الله (ص) ، فأوضح بعض العلماء في الإذاعة والصحف صحة كثيرة من الأحاديث الواردة في ذلك عن رسول الله (ص) ، ومنهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس إدارة البحوث العلمية والدعوة والإرشاد ، فقد تحدث في الإذاعة وكتب في بعض الصحف مبيناً ثبوت ذلك بالأحاديث المستفيضة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومستنكراً ماقام به هؤلاء المبطلون من الإعتداء على بيت الله الحرام.
ومنهم فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف ، فقد ندد في إحدى خطب الجمعة باعتداء هذه الفئة الآثمة الظالمة وبين أنهم ومن زعموه المهدي في واد والمهدي الذي جاءذكره في الأحاديث في واد آخر.
وحصل في مقابل ذلك أن أصدر فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد المحمود رئيس الحاكم الشرعية في دولة قطر رسالة سماها ( لامهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر ) نحا فيها منحى بعض الكتاب في القرن الرابع عشر ممن ليست لهم خبرة بحديث رسول الله صلى الله (ص) ومعرفة صحيحه وسقيمه ، وفيهم من تعويله على الشبهات العقلية ، وكذب بكل ما ورد في المهدي ، وقال كما قالوا : إنها أحاديث خرافة ، وإنها وإنها .. الخ. وقد رأيت كتابة هذه السطور مبيناً أخطاءه وأوهامه في هذه الرسالة ، وموضحاً بأن القول بخروج المهدي في آخر الزمان هو الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة وهو ما عليه العلماء من أهل السنة والأثر في القديم والحديث ، إلا من شذ.
ومن المناسب أن أشير هنا إلى أنني سبق أن كتبت بحثاً بعنوان ( عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر ) وقد نشر هذا البحث في العدد الثالث من السنة الأولى من مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الصادر في شهر ذي القعدة ١٣٨٨ هـ. يشتمل هذا البحث على عشرة أمور :
الأول : في ذكر أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول الله (ص).
الثاني : في ذكر أسماء الأئمة الذي خرجوا الأحاديث والآثار الواردة في المهدي في كتبهم.
الثالث : في ذكر العلماء الذين أفردوا مسألة المهدي بالتأليف.
الرابع : في ذكر العلماء الذي حكموا بتواتر أحاديث المهدي ، وحكاية كلامهم في ذلك.
الخامس : في ذكر بعض ما ورد في الصحيحين من الأحاديث التي لها تعلق بشأن المهدي.
السادس : في ذكر بعض الأحاديث الواردة في شأن المهدي في غير الصحيحين مع الكلام على أسانيد بعضها.
السابع : في ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها ، وحكاية كلامهم في ذلك.
الثامن : في ذكر من وقفت عليه ممن حكي عنه إنكار الأحاديث في المهدي أو التردد فيها ، مع مناقشة كلامه باختصار.
التاسع : في ذكر بعض مايظن تعارضه مع الأحاديث الواردة في المهدي ، والجواب على ذلك.
العاشر : كلمة ختامية في بيان أن التصديق بخروج المهدي في آخر الزمان من الإيمان بالغيب ، وأن لاعلاقة لعقيدة أهل السنة في المهدي بعقيدة الشيعة ).انتهى.
أقول : إن بحث ابن الصديق المغربي في الرد على ابن خلدون ، وبحثي الشيخ العباد المذكورين من أغنى البحوث الحديثية العقائدية عند السنة في عقيدة المهدي المنتظر عليه السلام ، وقد كنت أرغب في نقل مقتطفات منها لولا أن الأنفع نقل آراء علماء آخرين من كتاب ( الإمام المهدي عند أهل السنة ) الذي أصدرته أخيراً مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بأصفهان وجمعت فيه فصولاًمن كتب الحديث ورسائل مفردةً وبحوثاً حول المهدي المنتظر عليه السلام لأكثر من خمسين من أئمة السنة وعلمائهم.
ابن القيم الجوزية
قال في كتابه ( المنار المنيف في الصحيح والضعيف ) بعد أن ذكر عدداً من أحاديث المهدي المنتظر : ( وهذه الأحاديث أربعة أقسام : صحاح ، وحسان ، وغرائب ، وموضوعة. وقد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال :
أحدها ، أنه المسيح بن مريم ، وهو المهدي على الحقيقة. واحتج أصحاب هذا بحديث محمد بن خالد الجندي المتقدم ( يقصد حديث لامهدي إلا عيسى ) وقد بينا حاله وأنه لايصح ، ولو صح لم يكن فيه حجة ، لأن عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وبين الساعة.
القول الثاني ، أنه المهدي الذي ولي من بني العباس وقد انتهى زمانه. واحتج أصحاب هذا القول بما رواه أحمد في مسنده : ( إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج ، فإن فيها خليفة الله المهدي ).
وفي سنن ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود قال : ( بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ أقبل فتية من بني هاشم ، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وآله اغرورقت عيناه وتغير لونه ، فقلت : ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه! قال : إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وإن أهل بيتي سيلقون بلاءً وتشريداً وتطريداً ، حتى يأتي قوم من أهل المشرق ومعهم رايات سود ، يسألون الحق فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرون ، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه ، حتى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي ، فيملؤها قسطاً كما ملئت جوراً. فمن أدرك ذلك فليأتهم ولو حبواً على الثلج ).
وهذا والذي قبله لو صح ، لم يكن فيه دليل على أن المهدي الذي تولى من بني العباس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان ، بل هو مهدي من جملة المهديين.
وعمر بن عبد العزيز كان مهدياً ، بل هو أولى باسم المهدي منه.
فالمهدي في جانب الخير والرشد كالدجال في جانب الشر والضلال. وكما أن بين يدي الدجال الأكبر صاحب الخوارق دجالين كذابين ، فكذلك بين يدي المهدي الأكبر مهديون راشدون.
القول الثالث ، أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله من ولد الحسن بن علي ، يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً وأكثر الأحاديث على هذا تدل ... الخ ). ( المصدر المذكور : ١/٢٨٩ ).
ابن حجر الهيثمي
قال في كتابه الصواعق المحرقة : الآية الثانية عشرة قوله تعالى : وإنه لعلَمٌ للساعة ، قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسرين إن هذه الآية نزلت في المهدي ، وستأتي الأحاديث المصرحة بأنه من أهل البيت النبوي ، وحينئذ ففي الآية دلالة على البركة في نسل فاطمة وعلي رضي الله عنهما ، وأن الله ليخرج منهما كثيراً طيباً ، وأن يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة ومعادن الرحمة. وسر ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله أعاذها وذريتها من الشيطان الرجيم ، ودعا لعلي بمثل ذلك. وشرح ذلك كله يعلم بسياق الأحاديث الدالة عليه ). ( المصدر : ١/٤٢۰ )
ابن كثير
قال في النهاية : ( فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان ) :
وهو أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ، فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأنه يكون في آخر الدهر ...
وقال تعقيباً على حديث ( تخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شئ حتى تنصب بإيلياء ) : وهذه الرايات ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أمية في سنة سنتين وثلاثين ومئة ، بل رايات سود أخرى تأتي صحبة المهدي ، وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه ، يصلحه الله في ليلة واحدة ، أي يتوب عليه ويوفقه ويلهمه ويرشده ، بعد أن لم يكن كذاك. ويؤيده ناس من أهل المشرق ينصرونه ، ويقيمون سلطانه ويشيدون أركانه ، وتكون راياتهم سوداً أيضاً ، وهو زي عليه الوقار لأن راية رسول الله صلى الله عليه وآله كانت سوداء يقال لها العقاب ). ( : ١/٢٩٦ )
جلال الدين السيوطي
قال في كتابه ( الحاوي للفتاوي ) : أخرج ابن جرير في تفسيره ، عن السدي في قوله تعالى : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ، قال هم الروم ، كانوا ظاهروا بخت نصر في خراب بيت المقدس. وفي قوله تعالى : أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ ، قال : فليس في الأرض رومي يدخله اليوم إلا وهو خائف أن تضرب عنقه ، أو قد أخيف بأداء الجزية فهو يؤديها. وفي قوله : لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ، قال : أما خزيهم في الدنيا فإنه إذا قام المهدي وفتحت القسطنطينية قتلهم ، فذلك الخزي ) ( المصدر : ١/٣٥٤ ).
وقال في التعليق على حديث ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم ) : قال القرطبي في التذكرة : إسناده ضعيف. والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله في التنصيص على خروج المهدي من عترته وأنه من عترته وأنه من ولد فاطمة ، ثابتة أصح من هذا الحديث ، فالحكم بها دونه. قال أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم السجزي : قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وآله بمجئ المهدي ، وأنه من أهل بيته ، وأنه سيملك سبع سنين ، وأنه يملأ الأرض عدلاً ، وأنه يخرج معه عيسى فيساعده على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين ، وأنه يؤم هذه الأمة وعيسى يصلي خلفه ، في طول من قصته وأمره ). ( المصدر : ١/٣٩٦ ).
ابن أبي الحديد المعتزلي
قال في شرح قول أمير المؤمنين عليه السلام : ( وبنا يختم لا بكم ) : إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان ، وأكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة عليها السلام وأصحابنا المعتزلة لا ينكرونه ، وقد صرحوا بذكره في كتبهم واعترف به شيوخهم. إلا أنه عندنا لم يخلق بعد وسيخلق. وإلى هذا المذهب يذهب أصحاب الحديث أيضاً ). ( المصدر : ١/١٤٦ ).
وقال في شرح قوله عليه السلام : ( لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها. وتلا عقيب ذلك : ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ).
قال : والإمامية تزعم أن ذلك وعد منه بالإمام الغائب يملك الأرض في آخر الزمان. وأصحابنا يقولون إنه وعد بإمام يملك الأرض ويستولي على الممالك ولا يلزم من ذلك أنه لا بد أن يكون موجوداً. وتقول الزيدية : إنه لا بد من أن يملك الأرض فاطمي يتلوه جماعة من الفاطميين على مذهب زيد ، وإن لم يكن أحد منهم الآن موجوداً ). ( المصدر : ١/١٧٤ ).
وقال في شرح قوله عليه السلام : ( بأبي ابن خيرة الإماء ) ( أما الإمامية فيزعمون أنه إمامهم الثاني عشر وأنه ابن أمة اسمها نرجس. وأما أصحابنا فيزعمون أنه فاطمي يولد في مستقبل الزمان لأم ولد وليس بموجود الآن ، وأنه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، وينتقم من الظالمين وينكل بهم أشد النكال ) ( المصدر : ١/١٥٢ ) انتهى.
أقول : ولقد وقع فيها ابن أبي الحديد ومثله كل من يثبت هذا النص لأمير المؤمنين عليه السلام بأن المهدي عليه السلام ابن خيرة الإماء!!
فإذا لم يكن هو ابن الإمام العسكري عليهما السلام وكان سيولد في عصرنا مثلاً ، فأين الإماء ، وكيف يكون ابن أم ولد وابن خيرة الإماء ؟
وقال ابن أبي الحديد في شرح قوله عليه السلام ( في سترة من الناس ) : هذا الكلام يدل على استتار هذا الإنسان المشار إليه ، وليس ذلك بنافع للإمامية في مذهبهم ، وإن ظنوا أنه تصريح بقولهم. وذلك لأنه من الجائز أن يكون هذا الإمام يخلقه الله تعالى في آخر الزمان ، ويكون مستتراً مدة وله دعاة يدعون إليه ويقررون أمره ، ثم يظهر بعد ذلك الإستتار ويملك الممالك ويقهر الدول ويمهد الأرض ). ( المصدر : ١/١٦٣ ).
المناوي صاحب فيض القدير
قال في شرح حديث : المهدي رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدري : قال في المطامح : حكي أنه يكون في هذه الأمة خليفة لايفضل عليه أبو بكر ).ا هـ. وأخبار المهدي كثيرة شهيرة أفردها غير واحد في التأليف. قال السمهودي : ويتحصل مما ثبت في الأخبار عنه أنه من ولد فاطمة ، وفي أبي داود أنه من ولد الحسن .. .. ثم قال : تنبيه : أخبار المهدي لايعارضها خبر لا مهدي إلا عيسى بن مريم ، لأن المراد به كما قال القرطبي لامهدي كاملاً معصوماً إلا عيسى ... قال ابن الجوزي ، قال ابن أحمد الرازي : حديث باطل ا هـ. وفيه محمد بن إبراهيم الصوري ، قال : قال في الميزان عن ابن الجلاب ، روى عن رواد خبراً باطلاً منكراً في ذكر المهدي ، ثم ساق هذا الخبر وقال ، هذا باطل ). ( المصدر : ١/٥٤ ).
خير الدين الآلوسي
قال في غالية المواعظ : فمنها ـ أي علامات الساعة ـ خروج المهدي رضي الله تعالى عنه على القول الأصح عند أكثر العلماء ، ولا عبرة بمن أنكر مجيئه من الفضلاء. وفي مجئ المهدي أحاديث عديدة ...واستعرض قسماً منها وقال : ( وهذا الذي ذكرناه في أمر المهدي هو الصحيح من أقوال أهل السنة والجماعة ) ( المصدر : ٢/١٥٨ ).
الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر
قال في مقال نشرته مجلة التمدن الإسلامي بعنوان ( نظرة في أحاديث المهدي ) : ويلحق بالأحكام العملية في صحة الاحتجاج بخبر الآحاد أشياء يخبر بها الشارع ليعلمها الناس من غير أن يتوقف صحة ايمانهم على معرفتها ومن هذا القبيل حديث المهدي. فإذا ورد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وآله بأنه سيقع في آخر الزمان كذا ، حصل به العلم ، ووجب الوقوف عليه من غير حاجة إلى أن يكثر رواة هذه الحديث حتى يبلغ حد التواتر.
ولم يرد في الجامع الصحيح للإمام البخاري حديث في شأن المهدي ، وإنما ورد في صحيح مسلم حديث لم يصرح فيه باسمه ، وحمله بعضهم على أن المراد منه المهدي ، أو المشار فيها إلى بعض صفاته. أما بقية كتب الحديث فرواها الإمام أحمد بن حنبل ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة ، والطبراني ، وأبو نعيم ، وابن أبي شيبة ، وأبو يعلى ، والدار قطني ، والبيهقي ، ونعيم بن حماد ، وغيرهم. وجمعت هذه الأحاديث في رسائل مستقلة ، مثل ( العرف الوردي في حقيقة المهدي ) للملا علي القاري ، و ( التوضيح في تواتر ماجاء في المنتظر والدجال والمسيح ) للشوكاني .. .. وقد صرح الشوكاني في رسالته المشار إليها آنفا بأن هذه الأحاديث بلغت مبلغ التواتر ، قال : ( والأحاديث التي أمكن الوقوف عليها ، منها خمسون فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شك. بل يصدق وصف التواتر على ما دونها ، على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول ).
يقول بعض المنكرين لأحاديث المهدي جملة : إن هذه الأحاديث من وضع الشيعة لامحالة. ويرد بأن هذه الأحاديث مروية بأسانيدها ، وقد تقصينا رجال سندها فوجدناهم ممن عرفوا بالعدالة والضبط ، ولم يتهمهم أحد من رجال التعديل والجرح بتشيع ، مع شهرة نقدهم للرجال. وقد اتخذ مسألة المهدي كثير من القائمين لانشاء دول وسيلة إلى الوصول إلى غاياتهم ، فادعوا المهدوية ليتهافت الناس على الإلتفاف حولهم. فالدولة الفاطمية قامت على هذه الدعوة ، إذ زعم مؤسسها عبيد الله أنه المهدي.
ودولة الموحدين جرت على هذه الدعوة ، فإن مؤسسها محمد بن تومرت أقام أمره على هذه الدعوة.
وظهر في أيام الدولة المرينية بفاس رجل يدعى التوزدي واجتمع حوله رؤساء صنهاجة ، وقتل المصامتة.
وقام رجل اسمه العباس سنة ٦٩۰ هـ. في نواحي الريف من المغرب وزعم أنه المهدي ، واتبعته جماعة ، وآل أمره إلى أنه قتل وانقطعت دعوته.
وبعد ثورة عرابي بمصر ظهر رجل في السودان يسمى محمد أحمد ، ادعى أنه المهدي واتبعه قبيلة بقارة من جهينة على أنه المهدي سنة ١٣۰۰ هـ. وهو الذي خلفه بعد موته التعايشي أحد زعماء البقارة.
وإذا أساء الناس فهم حديث نبوي ، أو لم يحسنوا تطبيقه على وجهه الصحيح حتى وقعت جراء ذلك مفاسد ، فلاينبغي أن يكون ذلك داعياً للشك في صحة الحديث أو المبادرة إلى إنكاره ، فإن النبوة حقيقة واقعة بلا شبهة ، وقد ادعاها أناس كذباً وافتراء وأضلوا بدعواهم كثيراً من الناس ، مثل ما يفعله طائفة القاديانية اليوم.
والألوهية ثابتة بأوضح من الشمس في كبد السماء ، وقد ادعاها قوم لزعمائهم على معنى أنه جل شأنه يحل فيهم ، مثلها يفعل طائفة البهائية في هذا العهد. فليس من الصواب إنكار الحق من أجل ما ألصق به من باطل ). ( المصدر : ٢/٢١۰ – ٢١٤ ).
الشيخ ناصر الألباني
قال في مقال في مجلة التمدن الإسلامي ، في مقالة بعنوان ( حول المهدي ) : وأما مسألة المهدي فليعلم أن في خروجه أحاديث كثيرة صحيحة ، قسم كبير منها له أسانيد صحيحة. وأنا مورد هنا أمثلة منها ، ثم معقب ذلك بدفع شبهة الذين طعنوا فيها ( ثم ذكر أمثلة منها ومن آراء العلماء بتواترها ، ثم قال : هذا ثم إن السيد رشيد ( رضا ) أو غيره لم يتتبعوا ما ورد في المهدي من الأحاديث حديثاً حديثاً ، ولا توسعوا في طلب ما لكل حديث منها من الأسانيد. ولو فعلوا لوجدوا منها ما تقوم به الحجة ، حتى في الأمور الغيبية التي يزعم البعض أنها لاتثبت إلا بحديث متواتر.
ومما يدلك على أن السيد رشيد ادعى أن أسانيد لاتخلو عن شيعي ، مع أن الأمر ليس كذلك على اطلاقه ، فالأحاديث الأربعة التي ذكرتها ليس فيها رجل معروف بالتشيع. على أنه لو صحت هذه الدعوى لم يقدح ذلك في صحة الأحاديث ، لأن العبرة في الصحة إنما هو الصدق والضبط ، وأما الخلاف المذهبي فلايشترط في ذلك ، كما هو مقرر في مصطلح علم الحديث. ولهذا روى الشيخان في صحيحيهما لكثير من الشيعة وغيرهم من الفرق المخالفة ، واحتجا بأحاديث هذا النوع.
وقد أعلها السيد بعلة أخرى وهي التعارض ، وهذه علة مدفوعة لأن التعارض شرطه التساوي في قوة الثبوت ، وأما نصب التعارض بين قوي وضعيف فمما لا يسوغه عاقل منصف. والتعارض المزعوم من هذا القبيل.
وخلاصة القول أن عقيدة خروج المهدي عقيدة ثابتة متواترة عنه صلى الله عليه وآله يجب الإيمان بها لأنها من أمور الغيب ، والإيمان بها من صفات المتقين كما قال تعالى ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لارَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) وأن انكارها لا يصدر إلا عن جاهل أو مكابر. أسأل الله أن يتوفانا على الإيمان بها ، وبكل ما صح في الكتاب والسنة ). ( المصدر : ٢/٢٨٨ ).
العدوي المصري
قال في مشارق الأنوار : وجاء في بعض الروايات أنه ينادي عند ظهوره فوق رأسه ملك : هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه ، فيقبل عليه الناس ويُشربون حبه ، وأنه يملك الأرض شرقها وغربها ، وأن الذين يبايعونه أولاً بين الركن والمقام بعدد أهل بدر ، ثم تأتيه أبدال الشام ونجباء مصر وعصائب أهل الشرق وأشباههم. ويبعث الله جيشاً من خراسان برايات سود نصرةً له ، ثم يتوجه إلى الشام ، وفي رواية إلى الكوفة ، والجمع ممكن ، وأن الله تعالى يؤيده بثلاثة آلاف من الملائكة ، وأن أهل الكهف من أعوانه.
قال الأستاذ السيوطي : وحينئذ فسر تأخيرهم إلى هذه المدة اكرامهم بشرفهم بدخولهم في هذه الأمة ، واعانتهم للخليفة الحق. وأن على مقدمة جيشه جبريل ، وميكائيل على ساقته ). ( المصدر : ٢/٦٢ ).
سعد الدين التفتازاني
قال في شرح المقاصد : خاتمة. مما يلحق بباب الإمامة خروج المهدي ونزول عيسى وهما من أشراط الساعة .. .. وعنه رضي الله عنه ، أي أبي سعيد الخدري ، قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله بلاء يصيب هذه الأمة حتى لايجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم ، فيبعث الله رجلاً من عترتي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. فذهب العلماء إلى أنه إمام عادل من ولد فاطمة رضي الله عنها يخلقه الله حين يشاء ويبعثه لنصرة دينه. وزعمت الشيعة الإمامية أنه محمد بن الحسن العسكري اختفى عن الناس خوفاً من الأعداء ولا استحالة في طول عمره كنوح ولقمان والخضر عليهم السلام ، وأنكر ذلك سائر الفرق لأنه ادعاء أمر يستبعد جداً ، إذ لم يعهد في هذه الأمة مثل هذه الأعمار من غير دليل ولا أمارة ). ( المصدر : ١/٢١٤ ).
القرماني الدمشقي
قال في أخبار الدول وآثار الأول : واتفق العلماء على أن المهدي هو القائم في آخر الوقت ، وقد تعاضدت الأخبار على ظهوره ، وتظاهرت الروايات على إشراق نوره. وستسفر ظلمة الليالي والأيام بسفوره ، وتنجلي برؤيته الظلم ، انجلاء الصبح عن ديجوره ، ويسير عدله في الآفاق فيكون أضوء من البدر المنير في مسيره ). ( المصدر : ١/٤٦٣ ).
محي الدين بن عربي
قال في الفتوحات المكية : إعلم أيدنا الله أن لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً ، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد طول الله ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله من ولد فاطمة يواطي اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه وآله ، "يشهد الملحمة العظمى مأدبة الله بمرج عكا ، يبيد الظلم وأهله ، يقيم الدين فينفخ الروح في الإسلام. يعز الإسلام به بعد ذلة ، ويحيا بعد موته. يضع الجزية ، ويدعو إلى الله بالسيف ، فمن أبى قتل ، ومن نازعه خذل. يظهر من الدين ما هو عليه في نفسه ما لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله لحكم به. يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلا الدين الخالص. أعداؤه مقلدة الفقهاء أهل الإجتهاد لما يرونه من الحكم بخلاف ما حكمت به أئمتهم ، فيدخلون كرها تحت حكمه خوفاً من سيفه وسطوته ، ورغبة فيما لديه.
يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم ، ويبايعه العارفون من أهل الحقائق عن شهود وكشف بتعريف إلهي.
له رجال إلهيون يقيمون دولته وينصرونه ، هم الوزراء ، يحملون أثقال المملكة ، ويعينونه على ما قلده الله.
فشهداؤه خير الشهداء ، وأمناؤه أفضل الأمناء ، وأن الله يستوزر له طائفة خبأهم له في مكنون غيبه ، أطلعهم كشفاً وشهوداً على الحقائق ، وما هو أمر الله عليه في عباده. فبمشاورتهم يفصل ما يفصل ، وهم العارفون الذين عرفوا ما ثم.
وأما هو نفسه فصاحب سيف حق وسياسة مدنية. يعرف من الله قدر ما تحتاج إليه مرتبته ومنزله ، لأنه خليفة مسدد ، يفهم منطق الحيوان ، يسري عدله في الإنس والجان ، من أسرار علم وزرائه الذين استوزرهم الله له لقوله : وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ، وهم على أقدام رجال من الصحابة ، صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، وهم من الأعاجم ما فيهم عربي ، لكن لايتكلمون إلا بالعربية. لهم حافظ ليس من جنسهم ما عصى الله قط ، هو أخص الوزراء وأفضل الأمناء ). ( المصدر : ١/١۰٦ )
الشريف البرزنجي
قال في كتابه الإشاعة في أشراط الساعة : واعلم أن الأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر ، فقد قال محمد بن الحسن الدستوري في كتابه مناقب الشافعي : قد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وآله بذكر المهدي وأنه من أهل بيته صلى الله عليه وآله ا. هـ ..... جاء عن ابن سيرين أن المهدي خير من أبي بكر وعمر ، قيل يا أبا بكر خير من أبي بكر وعمر! ؟ قال : قد كان يفضل على بعض الأنبياء.
وعنه : لا يفضل عليه أبو بكر وعمر. قال السيوطي في العرف الوردي : هذا إسناد صحيح ، وهو أخف من اللفظ الأول. قال : والأوجه عندي تأويل اللفظين على ما دل عليه حديث بل أجر خمسين منكم ، لشدة الفتن في زمان المهدي.
قلت : التحقيق أن جهات التفاضل مختلفة ، ولا يجوز لنا التفضيل في فرد من الأفراد على الإطلاق إلا إذا فضله النبي صلى الله عليه وآله كذلك ، فإنه قد يوجد في المفضول مزية من جهات أخر ليست في الفاضل.
وتقدم من الشيخ في الفتوحات أنه معصوم في حكمه مقتف أثر النبي صلى الله عليه وآله لايخطئ أبداً. ولا شك أن هذا لم يكن في الشيخين ، وأن الأمور التسعة التي مرت لم تجتمع كلها في إمام من أئمة الدين قبله. فمن هذه الجهات يجوز تفضيله عليهما ، وإن كان لهما فضل الصحبة ، والمشاهدة والوحي والسابقة ، وغير ذلك ، والله أعلم.
قال الشيخ علي القاري في المشرب الوردي في مذهب المهدي : ومما يدل على أفضليته أن النبي صلى الله عليه وآله سماه خليفة الله ، وأبو بكر لايقال له إلا خليفة رسول الله ). ( المصدر : ١/٤٨۰ ).
(( ضمن كتاب عصر الظهور ))