سوأل /هل يعاقب القانون الجنائي العراقي على أعمال السحر والشعوذة؟
الجواب /الأصل كلا. لا يعاقب القانون الجنائي العراقي على أعمال او أفعال السحر والشعوذة حيث لم ينص المشرع العراقي بشكل واضح وصريح على تجريم هكذا أفعال او تصرفات ولم يتطرق لها لا من قريب ولا من بعيد.
_ولكن هناك بعض الحالات الاستثنائية التي يعاقب بمقتضاها هؤلاء السحرة والدجالين سوف نتطرق اليها فيما بعد.
بغض النظر عن كافة المسميات او ألقاب التي يتخذونها هؤلاء الأشخاص سواء كانت (الشيخ ابو فلان او المعالج الروحاني فلان اوالعراف فلان الفلاني... ) بنهاية تعتبر أقنعة مزيفة لكسب الزبائن او العملاء (الضحايا) ولتحقيق منافع وغايات خاصة بهم.
في هذا الصدد ننوه على مسألة جدا مهمة الا وهي هناك ما يسمى بالرقية الشرعية وهي عبارة عن آيات قرآنية وادعية يتم قراءتها من قبل الشخص المعالج على المريض على اعتقاد انه سوف يشفى من المرض وفي بعض الحالات لربما تصل إلى الضغظ والضرب على مواضع مختلفة من الجسم كما هو الحال بالنسبة للعلاج بالطب الطبيعي او الفيزيائي.
هنا يجب أن نمييز بين حالتين الحالة الأولى التي لا يعاقب عليها القانون وهي في حالة لو قام هذا الشخص المعالج او الروحاني بقراءة الآيات او الأدعية على المريض ولكن دون مقابل مادي ولا يهمنا سواء تحققت نتيجة الشفاء ام من عدمه هنا سوف يكون الشخص(المعالج) غير مسؤول جنائيا على اعتبار انه لم يتوفر القصد الجنائي من فعله او عمله حيث انه كان حسن النية.
اما في حالة لو كان هذا الشخص المعالج يتقاضى لقاء عمله اية منافع مادية (نقود مثلا) هنا بجميع الاحوال سوف يكون مسؤول جزائيا عن فعله ويعاقب قانونا سواء تحققت النتيجة ام من عدمه وهذا بكل تأكيد يرجع إلى الضحية هو من يقرر ذلك لربما فعلا يتم شفاءوه وبالتالي لا يقيم الشكوى الجزائية بحقه اعتقاد منه هو من شافاه.
يكون التكيف القانوني لفعل هولاء السحرة والدجالين والمشعوذين وفق المادة (٤٥٦) من قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل.اي انها جريمة جنحة وتصل عقوبة الفاعل بمقتضاها إلى الحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات.
_شروط تتحقق جريمة الاحتيال الخاصة بالسحر///
ان لهذه الجريمة ثلاثة أركان مادية ومعنوية وقانونية حيث يجب أن تكون هذه الأركان الثلاثة مجتمعة ومتساندة ومتماسكة يكمل بعضها البعض حيث لو انهار احد الأركان نكون أمام عدم مسؤولية جنائية لشخص وبالتالي لا يمكن أن نعاقبه وكما يلي :
١ الركن المادي /وهو سلوك خارجي يقوم به الشخص المتمثل باتخاذ اسم او صفة معينة مثاله(المعالج الروحاني ابو فلان) إضافة إلى ذلك يجب أن يتعزز هذا السلوك بمظاهر آخرى يستند عليها مثلا ان يكون بشكل او هئية معينة ويرتدي ملابس معينة (عباءة، وغترة لحية، محابس .... الخ) إضافة إلى ذلك أن يتخذ له مكان معين يمارس به هذه الأفعال (النصب والاحتيال على الضحايا) يضاف اليه يجب أن يستولي او يستحصل على المال من الضحية حيث تعتبر جريمة الاحتيال من الجرائم المركبة اي تتكون من عدة أفعال١ اتخاذ وسائل احتيالية ٢ الحصول على المال بسبب هذه الوسائل الخداعية التي لجأ اليها الجاني. خلاصة القول يجب أن نكون أمام فعل او سلوك إجرامي ونتيجة إجرامية وعلاقة سببية بين الفعل والنتيجة التي تحققت. حسب نص المادة ٢٨ ق ع ع.
٢ الركن المعنوي /وهو ان تتجه ارادة الجاني لتحقيق النتيجة الجرمية اي يجب أن يكون واعي ودارك ولديه ارادة حرة ويعلم انه يحتال على الناس بهذه الأفعال الوهمية والكاذبة لغرض ايهامهم وخداعهم لغرض الاستيلاء على مبالغ نقدية منهم او اية منافع أخرى. حسب نص المادة ٣٣ ق. ع. ع
٣ الركن القانوني او الشرعي /وهو النص على تجريم الفعل او الامتناع عن أداء الفعل في نصوص قانون عقابي نافذ. وبخصوص جريمة السحر والشعوذة نستدل بها استنادا إلى نص المادة( ٤٥٦) ق. ع. ع.حسب نص المادة( ١) ق ع ع وكذلك حسب نص المادة ١٩ /ثانيا /من دستور جمهورية العراق لسنة ٢٠٠٥ النافذ.
_مع ملاحظة جدا مهمة الا وهي ان هؤلاء الأشخاص بغض النظر عن مسمياتهم قد يرتكبون جرائم أخرى سبب طبيعة عملهم او مهنتهم ويكونوا مسؤولين جنائيا وسوف ناخذ حالات على سبيل المثال لا الحصر
_قد يقوم الساحر او الروحاني باستغلال العملاء (المراجعين له) غالبا ما يكون الضحايا من فئات عمرية مختلفة واجناس مختلفة ولكن على الأغلب الضحايا من النساء ويقوم بتصوير الضحايا ومن ثم يقوم بابتزازهن وذلك بنشر هذه الفديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي في حالة عدم الأمثال إلى رغباته بغض النظر عن هذه الطلبات سواء بابتزازهن لغرض ممارسة الأفعال الجنسية معهم او لغرض الحصول على مبالغ نقدية منهن (هنا سوف نكون أمام عواقب وخيمة على الضحية نفسها وعلى الأسرة كذلك لربما قد ترتكب جريمة لغرض الحصول على المال وعطائه إلى الشخص المبتز وهنا قد تتكتم على الموضوع خوفا من الفضيحة وكشف أمرها وبالتالي تحقق جميع طلبات ورغبات الشخص المبتز. مع التنويه تستطيع الضحية ان تقيم شكوى بحق هذا الشخص ويتم مراقبته وفيما بعد يتم القبض عليه بالجرم الشهود ... هنا قد يعاقب القانون حسب كل قضية وظروفها وحيثياتها فقد نكون أمام جريمة اغتصاب او لواط هتك عرض ٣٩٣، ٣٩٤....٤٠٠، ٤٠١، ٤٠٢... ق ع ع .... الخ او جرائم ابتزاز او تهديد ٤٥٢ او ٤٣٠. وبعض الاحيان لربما نكون أمام حتى جرائم قتل سواء كان قتل عمدي (٤٠٥) او ضرب مفضي إلى الموت (٤١٠) او قتل خطأ (٤١١)عقوبات في حالة موت الضحية أثناء المعالجة..... الخ حسب وقائع كل قضية.
_في هذا المجال ننوه على مسألة او موضوع جدا مهم من هم الأشخاص الذين يحق لهم إقامة الشكوى وطلب اتخاذ الإجراءات القانونية بحق هؤلاء الأشخاص (السحرة الدجالين، الروحانيين...) ابتداءا بكل تأكيد الشخص الذي تم الاحتيال عليه (اي الشخص الذي عمل سحر او تعالج من قبل هؤلاء) يحق له طلب الشكوى ضدهم.
سؤال /الشخص الاخر (المقابل) الذي عمل له السحر فهل يحق له طلب الشكوى ضد هؤلاء الأشخاص السحرة وضد الشخص الذي عمل له السحر؟
الجواب //ابتداءا حق التقاضي مصان ومكفول لجميع وفق الدستور والقانون حسب نص دستور جمهورية العراق لسنة ٢٠٠٥ النافذ المادة ١٩/ثالثا /((التقاضي حق مصان ومكفول لجميع)) وان القضاء ساحة لأحقاق الحق والعدل بين الخصوم (المشتكين والمتهمين).
بناء على ما تقدم بيانه يحق لشخص إقامة دعوى جزائية ضد الأشخاص الذين عملوا له السحر ولكن مصير الدعوى في النهاية يكون رفض الشكوى وغلق التحقيق نهائيا استنادا إلى نص المادة ١٣٠ /ا/ من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم ٢٣ لسنة ١٩٧١ النافذ لعدم وجود جريمة حيث حتى لو افترضنا ان الشخص المعمول له السحر قد أصابه اي ضرر او مرض او عاهة في العقل (نقص ادراك، جنون...) وكان يعتقد انه شخصا ما قد عمل له سحر وتوصل اليه فعلا فلا نستطيع مسائلة كافة الأشخاص (الشخص الذي لجأ إلى الساحر والساحر نفسه كذلك) لماذا؟ نرجع إلى الركن المادي لجريمة حيث يتضح لنا عدم وجود علاقة سببية بين الفعل (السحر) والنتيجة التي ترتبت عليه (عاهة او مرض...).
حيث لو نظرنا إلى الموضوع من جانب علمي بحت بعيدا عن الجانب الديني او العقائدي او الفكري او العرفي حيث أن العلم يفرض هكذا أفعال او تصرفات ويعتبرها خزعبلات وخرافات وافتراءات وبدع واكاذيب الغاية منها ايهام الناس وخداعهم لغرض استغلالهم والحصول على منافع ومكاسب مادية ناهيك عن ذلك أن ظاهرة السحر والشعوذة ليست وليدة العصر او اليوم وإنما هي منذ الأزل وعلى مر العصور وفي كافة المجتمعات سواء كانت متطورة ام متخلفة على حد سواء ومع كل الأسف نلاحظ أناس على مستوى عالي من الثقافة والمعرفة ولديهم شهادات عليا ولكنهم يعتقدون ويؤمنون بهذه الخرافات والخدع ناهيك عن باقي طبقات المجتمع الفقيرة التي يتم استغلالها من قبل هؤلاء بسبب الجهل المستشري وقلة الثقافة والايمان بالله ويضاف اليه غياب دور رجال الدين ومنظمات المجتمع المدني(مؤسسات وجمعيات غير مرتبطة بجهات حكومية) يضاف إلى ذلك غياب دور ووسائل الإعلام ودور الجامعات والمعاهد لعمل ندوات ومؤتمرات لتثقف عامة الناس حول هذه الظواهر الاجتماعية الخطيرة لوضع وتحديد الطرق والسبل والأطر لمعالجة وكبح جماح هؤلاء من خلال نشر برامج توعية وتثقيف الناس وإظهار حيل واكاذيب هولاء والتشهير بهم ودعوة الناس إلى التوجه إلى الله تعالى وحده لطلب الحاجات وتحقيق الأهداف لا إلى هؤلاء الأشخاص . من مبدأ ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته))
_ حيث نلاحظ قد انتشرت هذه الظاهرة بشكل مرعب ومخيف في مجتمعاتنا واصبحت آفة تهدد وتتأكل بالنسيج الأسري بشكل خاص والمجتمع بشكل عام سيما ونلاحظ ان هؤلاء الأشخاص قد طوروا من مهارتهم لكسب اكبر عدد ممكن من العملاء من خلال الترويج لنشاطاتهم من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ولا يخفى لقاصي او الداني ما تدر به هذه المهنة من عائدات تصل إلى ملايين الدولارات ومن ثم غالبا ما يتم غسيل هذه الأموال لغرض المويه وعطائها الصبغة او الطابع القانوني المشروع.
نلاحظ وصول الأمر إلى أن بعض هولاء أصبح لديهم قنوات تلفزيونية خاصة بهم تروج لفعالهم ونلاحظ اكثر ضحايا هؤلاء المحتالين هم الرجال والنساء على حد سواء وكافة الفئات العمرية (شباب، متوسطين بالعمر،كبار السن) ولكن على وجه الخصوص تكون النساء هن الجنس الأكثر ترددا على هكذا أماكن لأسباب جمة ومتعددة منها (بسبب الزواج سواء كان لتأخر سن الزواج او بسبب مشاكل بين الزوجة والزوج او عائلة الزوج حيث تلجأ المرأة إلى هؤلاء ضنا واعتقادا منها انهم سوف يحققون لها أهدافها ومقاصدها او لغرض المحبة بين الأزواج او اعتقادا من الزوجة ان الزوج مسحور له لغرض فتح او فك السحر او لأسباب اخرى سعادة او الحصول على عمل أو حب شخص آخر كثير من الأهداف والغايات الأخرى لا يسعنا ذكرها في هذا السايق .... الخ))
_بناءا على ما تقدم ذكره أعلاه نحن نرى ان يعاد النظر بتعديل أحكام قانون العقوبات العراقي النافذ رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل وان يتم تجريم أفعال هؤلاء السحرة والمشعوذين والدجالين بنصوص خاصة مع ظروف مشددة لعقاب ووضع لهم عقوبات رادعة حتى يتحقق الأمن والسكينة لأسرة ومن ثم المجتمع ككل على اعتبار انها جرائم ذات طابع عام (تهدد المصالح العليا للمجتمع) اكثر مما هي ذات طابع شخصي.
ونلاحظ ان المشرع المصري لم يجرم هكذا أفعال كما هو الحال بالنسبة لمشرع العراقي على عكس المشرع السوري والمغربي قد جرما هكذا أفعال او تصرفات وان لم تكن العقوبات المفروضة بحقهم رادعة ولكنها خطوة في الاتجاه الصحيح........ الخ(( من الله التوفيق))
وتقبلوا منا وافر التحيات.....