صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 12 34 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 36
الموضوع:

فائض المعنى ... قراءة في السياق - الصفحة 3

الزوار من محركات البحث: 255 المشاهدات : 2197 الردود: 35
الموضوع حصري
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #21
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: June-2011
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 17,449 المواضيع: 13
    صوتيات: 100 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 16328
    آخر نشاط: منذ 5 يوم
    شعرية الغزل عند ابي تمام
    .......................................
    تُعد الشعرية من اكثر المناهج النقدية النصية جِدة واثارة، وهي شديدة الصلة بالحداثة لما لها من تقنيات تعمل على ابراز جمالية النص، اذ تحاول الكشف عن العلائق بين البنيتين العميقة والسطحية بوصفها كشافاً ((عن كيفية نجاح النص في تحقيق الوظيفة الشعرية عبر مجموعة من الاجراءات)) كما يصفها الدكتور صلاح فضل، وهي بذلك تحاول تحديد الفاصل بين الاثر الفني الابداعي الذي يحتفي بكل مظاهر الجمال اللغوي وبين الاثر العادي، بعبارة اخرى مقاربة الجمال في النص واختلافه عن لغة التخاطب اليومي وهو ما يجعل الرسالة اللفظية اثراً فنياً، فهي تتقصى التمايز اللغوي واختلافه عن غيره من الفنون الاخرى من جانب، وعما سواه من الفنون القولية من جانب اخر، وهذا ما يجعل النص شاعرياً على ان هذه الشاعرية التي تتوخاها الشعرية هي في الاصل بناء لغوي يعتمد على طريقة صياغة التراكيب اللغوية في بنية النص وكيفية تشكيلها بشكل مختلف عما يتشكل سواه من النصوص.

    والتضاد بوصفه ملمحاً شعرياً يفتح امام الشاعر مساحات تعبيرية جمالية تمكنه من استثمار مسافة التوتر والتعاقب بين الاضداد، اذ يعرف التضاد في الدراسات الادبية بانه الجمع بين لفظ الشيء ونقيضه، او المعنى ونقضيه، وقد يكون في الافعال او الاسماء ، وهو ما يدفع المتلقي الى ملاحقة هذا التوتر وتمثيله له ذهنياً لفهم السياق الشعري والمشاركة في انتاج معناه، اذ يأخذ التضاد تمظهرات عديدة في النص تجعل منه مرآة للاحتمالات الممكنة فيغدو عنصراً تشكيلياً يخرق الاساليب المكرورة، فالتضاد الذي يقوم على علاقات الكلمة ضمن النص يشكل عنصراً من عناصر الشعرية التي تجمع بين الشاعر والكلمة المفعمة بالمشاعر والاحاسيس، وبين المتلقي الباحث عن جمالية التعبير.

    وباستقراء بسيط لنصوص الغزل في شعر ابي تمام نلحظ هذا قيمة التضاد في حشد المعنى وتصويره واعتماده ملمحاً تعبيرياً جمالياً يمكنه دهشة المتلقي بهدف تحفيزه واشراكه في تمثل المعنى والتأثر به، وهذا يتضح في قول ابي تمام:

    نشـــرت فيك رسيساً كنت اطويه .......... واظهرت لــــوعتي ما كنت اخفيه
    ان كــان وجهك لي تترى محـاسنه .......... فــــــان فعلك بي تترى مساويه
    مرتجة في تهـــــــاديه اســافله .......... مهتزة فـــي تثنيّه اعــــاليه
    تــاهت على صورة الاشياء صورته .......... حتى اذا اكملت تـــاهت على التيه
    ما استجمعت فرق الحسن التي افترقت .......... عن يوسف الحسن حتى استجمعت فيه


    اعتمد ابو تمام في النص على بنية التضاد التي جاءت اساسية فيه، وتبدو هذه البنية جلية في قوله(نشرت/اطويه)(اظهرت/اخفيه)(كنت/ماكنت)(محاسنه/مساويه)(اسافله/اعاليه)(استجمعت/افتر)، وهو ينتقل هنا بين التضاد الفعلي والتضاد الاسمي، وبين التضاد بالإيجاب والتضاد بالسلب، اذ جعل المعنى متقابلاً بين شطري البيت الواحد في النص، فتكرار المعنى المتضاد في نسيج صورة الاضداد المتشابكة يجعل النص الشعري حيوياً، وبهذا يستدعي المتلقي ما يقابل صدر البيت، مشتركاً في انتاج المعنى بتوقع ما سيكون في عجز البيت، ولعل هذا شعرية بحد ذاته وهو ان يكون المتلقي جزءاً من كتابة النص سيما اذا رأينا ان ابا تمام لم يكتفِ بالتضاد كبنية في هذا النص، بل عمد الى استخدام الترادف كبنية اخرى موازية، وهذا ما يتضح في قوله (نشرتُ/اظهرتُ)(اطويه/اخفيه)(رسيساً/لوعتي)(مرتجة/مهتزة) (تهاديه/تثنيه)، وقد تعاضدت هاتان البنيّتان في انتاج المعنى كصورة من صور الشعرية التي يقرأها المتلقي ويتأثر بها.
    وعلى مستوى اخر من تعاضد الاساليب الادبية بغية تحقيق شعرية النص، ما نجده في قوله:

    يصدني عن كلامك الشفق ...... فالرسل بيني وبينك الحدق
    حديثنا في الضمير متفق .......... وامرنا في الجميع مفترق
    توحي باسرارنا حواجبنا .......... واعين بالوصال ترتشق


    فعلاوة على التضاد الوارد في البيت الثاني (متفق/مفترق) فهناك بنية اخرى ساهمت في انتاج الشعرية في هذه المقطع، وهي بنية التوازي بين شطري البيت الشعري، اذ حقق التوازي التركيبي بين قوله (حديثنا في الضمير متفق) وبين قوله (وامرنا في الجميع مفترق) وهو ما يجعل من تساوي البنى اللفظية امراً كاشفاً عن مدى براعة ابي تمام في تساوق المعنى بمسارات متوازية يستقصي حدود الصورة الشعرية التي يجهد في رسمها وتمثيلها للمتلقي، فهو لا يعتني بالصورة فقط وانما يعتني باتساق الهندسة الشعرية للبيت، فهو يوازي بين السري والمعلن، بينما نجده في البيت الثالث يعتمد ذات التوازي مع اختلاف هندسة البيت بالتقديم والتأخير والمعاقبة بين التعريف والتنكير، ولعل هذا ما يوحي بان الشطر الثاني كان مقابلاً للشطر الاول وليس امتداداً له وهذا ما ستضح في مخطط البيت، وهذا نمط من انماط الشعرية التي تمنح النص قدرته التعبيرية في التأثير بالمتلقي وتحفيزه للمشاركة في انتاج المعنى من خلال ممارسة المقاربة والقراءة، واذا امكن لنا ان نتمثل هذا البين بمخطط فسيكون كالآتي :


    يمثل قوله (بالضمير/في الجميع) بؤرة النص، فعلاقة الضمير بالسري/المخفي هي علاقة بالأسرار واللغة المرمزة للعيون والايحاء، بينما علاقة الجميع بالمعلن/الظاهر هي علاقة بالارتشاق والوصال والاعين، وهذا ما وفرته بنية التضاد من علاقات بين الالفاظ كنمط من انماط الشعرية في هذا المقطع.

    لقد حقق الغزل شعريته بالاعتماد على انساق التضاد التي اتخذها ابو تمام كأداة جمالية تساهم في اغناء النص الشعري عنده بقوة التعبير واستدعاء الدلالات المتأرجحة بين البينة السطحية والعميقة للنص، وهو ما يجعل المتلقي مساهماً في انتاج المعنى من خلال تحفيز ذهنه في توليد المعنى واستقرائه، ناهيك عن ان بنية التضاد تساهم في اثراء السياق الشعري على المستويات التركيبية والدلالية والصوتية، وهذا ما يجعل النص نصاً شعرياً حيوياً يمارس سلطة التأثير في المتلقي.

  2. #22
    من أهل الدار
    ورد ياس !
    تاريخ التسجيل: December-2019
    الدولة: من ارضٍ فيها شمس الحب تعانق وجه الحريه
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 9,760 المواضيع: 2,050
    صوتيات: 7 سوالف عراقية: 4
    التقييم: 20571
    مزاجي: ^^
    أكلتي المفضلة: حبـات قـَـمـح..
    موبايلي: هسـهسـه ..
    مقالات المدونة: 1
    يجنن راهب تحليل وشرح رهيب
    ليش منسميك "فيلسوف الدرر"

  3. #23
    من أهل الدار
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريـــم مشاهدة المشاركة
    يجنن راهب تحليل وشرح رهيب
    ليش منسميك "فيلسوف الدرر"
    لا معووودة اكره الفلسفة ...
    انا قارئ فقط ...

  4. #24
    من أهل الدار
    ورد ياس !
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راهب مشاهدة المشاركة
    لا معووودة اكره الفلسفة ...
    انا قارئ فقط ...
    طريقة تفكيرك مثل تفكير الدكتور علي الوردي

  5. #25
    UNKNOWN
    تاريخ التسجيل: January-2017
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 17,041 المواضيع: 346
    صوتيات: 6 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 32312
    آخر نشاط: 15/November/2020
    شكرا جزيلا استاذ راهب

  6. #26
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: March-2017
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 2,047 المواضيع: 187
    صوتيات: 6 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 3235
    آخر نشاط: 9/January/2023
    رائع جدا

  7. #27
    من أهل الدار
    المتماهي
    تاريخ التسجيل: September-2010
    الدولة: ميسان
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 30,866 المواضيع: 301
    صوتيات: 90 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 31839
    المهنة: دكتوراه/ نقد حديث
    موبايلي: نوت
    مقالات المدونة: 130
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راهب مشاهدة المشاركة
    قال تعالى : ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ / فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) (الصافات: 102ــ103)

    يقدم النص القرآني سياقاً خاصاً من اسلوبه في انتاج المعنى، من خلال توظيف العلاقة بين الالفاظ توظيفاً جمالياً وايحائياً مدهشاً، يمنح المتلقي فرصة لتمثل المعنى وانتاجه، فهو لايقدم معانيه واضحة جلية، بل يرغم المتلقي ليكون قارئاً يُسهم في الوصول الى المعنى وانتاجه، فهو نصٌّ يغري بالقراءة، كما يغري التلقي المتمكن من ادوات القراءة، فهو نصُّ مشفّر يقدم مفاتيحه على شكل ظلال للمعنى.
    انه نصٌ لا يحتفي في احيان كثيرة بزمن القصة او زمن الخطاب/الكتابة، انما يركز على زمن القراءة بوصفها انتاجاً للمعنى وتمثلاً لصورة الحدث، فينقلها بفعل تقنيات السرد في صورة ملفوظات تجعل من التلقي حاكماً في تحويلها الى صورة ذهنية ماثلة امام عينيه، وهو بهذا يكون نصاً مفتوحاً قابلاً للقراءة والتلقي باختلاف زمن القراءة.
    في الآيات الكريمة المتقدمة يتضح من القراءة الاولى، ان النص القرآني يقدّم الانموذج العملي في تربية الانسان بابهى صوره، فهو لا يقف عند التربية النظرية فحسب، انما يتعداه الى تجسيد هذه المعرفة النظرية باختبار عملي، فلا يقف عند رؤيا ابراهيم باعتبارها نظرياً انما ينتقل الى تمثيلها عملياً، مع التركيز على زاوية ان اسماعيل لم يكن نبياً لحظة الخطاب، ولهذا استفزّ السياق ركن الابوة، على الرغم من ان اسماعيل مؤمن بنبوة ابراهيم الا ان النص قدّم العلاقة بين الأب والابن علىالعلاقة بين النبي والتابع، ولاشك ان في هذه الزاوية التأثير الكبير في رسم المشهد في ذهن المتلقي، فيبدأ الخطاب القرآني (يا بُنيَّ ....) فيكون الجواب: (يا ابتِ...)، ولعل ما يؤكد هيمنة دلالة الابوة ان ابراهيم/الاب ترك لاسماعيل حرية اتخاذ القرار في تنفيذ هذه الرؤيا من عدمه بدليل قوله تعالى (فانظر ماذا ترى) على ان هذا السياق قد يشير الى امكانية رؤية اسماعيل لمنام هو ايضاً، طالما ان الاختبار يقوم على اثنين، ولعل هذا ما نفهمه من استعمال الفعل (رأى) في سياق النص بالنسبة لابراهيم ولاسماعيل، فيكون قول اسماعيل (افعل ما تؤمر) نتيجة صالحة لهذا الفرض سيما وان النص لم يقدم الحدث وحياً انما قدمه رؤيا، وهذا ما يعضد دلالة ان اسماعيل لم يكن نبياً بعد، وهو ما يعضده ايضا في قوله (ستجدني ان شاء الله من الصابرين)، فالتعبير بالفعل المضارع المقترن بالسين بدلالة المستقبل القريب، فهو ليس حدثاً آنياً، انما حدثاً نامياً تتجسد فيه الرؤيا ككائن يلقي بظلاله على المشهد ككل، مقترناً بمشيئة الله يختم اسماعيل دوره بالصبر وهو ما يبلغ مرتبته تعميقاً لدلالة العلاقة الابوية بينهما.
    لم يقف النص عند هذا الحد، بل رسم الحالة النفسية التي كانت تعتري ابراهيم وهي ما تتجسد في الفعل (تلّه)، ففيه من العزم والسرعةعلى اتمام الامر، الا انه باستخدامه مضعفاً يوضح شدة الامر على ابراهيم، لكنه لا يملك خياراً في عدم اتمامه، كما يوحي به الفعل (اسلما)، وهذا الفعل يتعاضد مع عبارة (افعل ما تؤمر) لايضاح ان الامر الهيٌّ متوقف على قرار اسماعيل الذي اختار تمامه، فكانت النتيجة ان ابراهيم بلغ مرتبة المحسنين، بينما بلغ اسماعيل مرتبة الصابرين.

    وخلاصة القول ان النص قد ركز على المعرفة كقيمة للوعي، الوعي الذي جسّده اسماعيل في اجابة ابيه، والوعي الذي جسده ابراهيم في ترك القرار لاسماعيل، وهو يوضح قيمة التربية العملية في انتاج جيلٍ يصنع من الايمان بربّه وسيلة ناجعة للوصول الى مراتب الكمال.
    قراءة تستحق الوقوف.. و غنى صاحبها عن إشادة من هو مثلي تجعلني أدخل في صلب ملاحظاتي على هامش القراءة :
    أحيل تأملك الدقيق صديقي لمفاهيم الأزمنة الواردة هنا : زمن الكتابة ! زمن القصة المضمن داخل بنية الشخصيات .. زمن الخطاب / زمن القراءة .. كمفهومين داخل بنية سيرورية تفاعلية تحقق نفسها بشكل لا نهائي كأفعال تاريخية ...
    ثم الإشارة للتأثير النصي أو الخطابي من خلال إبراز علاقة الأبوة/ البنوة .. قياسا مع الإمكانات التأثيرية النصية الهائلة يعد من التأثيرات الطافية على سطح فعل التلقي بين نص/خطاب و متلقيه .. في حين تهز التأثيرات النصية الهائلة باطن المتلقي و تهدد معاييره بطرق مبتكرة مذهلة خفية غير ظاهرة أو مألوفة .
    الملاحظة الأخيرة تتعلق بالمعرفة كقيمةللوعي .. و الحال أن التصديق لا المعرفة هو ما جعل إسماعيل يستسلم لطقوس لا تختلف عن طقوس وثنية تضحي بالبشر على مذابح و محارق آلهة تنتظر الولاء ..

    أدون و أؤكد متابعتي تلميذاً في هذا الصرح المعرفي القيم .. بوركت و أنت تعلمنا و تسمو بنا .. كل الحب أيها الكبير راهب

  8. #28
    سفير النوايا الحسنة
    ❤️ 57049 ❤️
    تاريخ التسجيل: October-2013
    الدولة: من ارضٍ فيها شمس الحب تعانق وجه الحريه
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 7,688 المواضيع: 42
    التقييم: 27720
    مزاجي: بلون ضحكتها
    المهنة: تائب
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Laraa مشاهدة المشاركة
    ماذا لو خاف اسماعيل و هرب ؟

    متابعة بشغفٍ لا نهائي ..

    سلمت ايها الراهب
    ما اعتقد راح يهرب ،، لان من البداية يعرف السالفة شقى ومزاح مو حقيقة .

    راهبنا العزيز : اعتقد ان ( فائض المعنى … قراءة في السياق ) هي نفسها ،، الهرمنيوطيقا .
    فاساليب اللف والدوران بالكتابة واخفاء المعنى والتلاعب بالقراء ومحاربتهم نفسياً وفكرياً ،، هي اساليب لايجيدها البشر وفوق مستوى قدراتهم ، وهناك من هو مختص بهذه الطريقة . ليذل بها البشر ويتعالى عليهم .

  9. #29
    نائيةٌ .. جدًا !
    زائر
    ..

    قال تعالى : ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ / فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) (الصافات: 102ــ103)
    ..


    1)للقصة في القرآن الكريم دور أبعد
    من كونها سردًا تأريخيًا يمثل إعجازًا
    أو سلوانًا أو موعظة عابرة ..
    قصص القرآن تنقل الوجدان الإنساني
    إلى الجزء التطبيقي من الرسالة بجعل
    النظرية مشهدًا يراهـ القلب ويقدّر شدته
    ويدرك مآل شخوصه وأسباب سلوكهم
    ودوافع ثباتهم وبواعث نكوصهم بعيدًا عن
    عامل الزمن الذي دأب القرآن على ترسيخ
    فكرة أن الزمن عداد فقط تتكرر فيه السنن
    الكونية ذاتها في كل دورة .


    2)في المشهد أعلاه نقرأ التسليم التام
    لإبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة
    والسلام للأمر الإلهي الثقيل دون أن يبدر
    من أحدهما تساؤل عن حكمة هذا الأمر وغايته .. وهذه صورة تبدو غريبة في
    مقاييس النفس الإنسانية غير المنضبطة
    بالتشريع ..هنا ربما يتساءل بعض مَن
    فاتهم فهم مسمى الإيمان وحقيقته
    ما النفع الذي يمكن أن يعود على الرب
    بذبح إسماعيل ؟!
    ولأن الرب غني عن طلب النفع من عباده
    الفقراء سندرك أن وراء كل أمر ونهي إلهي
    حكمة قد لا نستطيع إدراكها
    وشأن المؤمن : سمعنا وأطعنا..
    عرف الحكمة أو لم يعرف.. ولكن المهم
    لدينا فهم أن كل أمر هو في حقيقته فرصة
    للعباد ليثبتوا فيها إيمانهم بأحقية هذا
    الرب في الطاعة العمياء ويقينهم أن
    جزاءه وعوضه آت لا ريب فيه ..
    وهذه الحكمة غاية ما يحتاجه العبد
    للمسارعة في العمل .

    3)هنا علينا أن نسأل أنفسنا ما الإيمان ؟
    ما حقيقته التي تدفع الأب أن ينهض وإن
    كان كارهًا لنحر ابنه ؟!
    هل يكفي أن يكون المرء مصدّقًا ليكون
    مؤمنًا على فرض مَن يفهم أن الإيمان هو
    التصدّيق القلبيّ فقط ؟!
    في المشهد ذاته وبعد أن عزم الاثنان على
    الطاعة المرّة ولم يبق من تفاصيل النحر
    سوى أن تنجز السكين فصل الألم الأخير
    يقول الحق سبحانه
    ( وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ..}

    هنا تحديدًا نحتاج إلى أن نقف طويلا أمام
    معنى ( صدّقت الرؤيا ) فلم يكن التصديق
    عقد في الوجدان وقول فقط إنما تبعه عزم
    وعمل كان سيتم لولا أن قاطعه الرب بالفداء .

    4)في الجزء المتعلق بمشاورة نبي الله إبراهيم
    لابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام لمحة
    تربوية بالغة الروعة يقدّمها لنا الرب بفعل
    إبراهيم لنقتدي به
    فقد أحبَّ إبراهيم أن يستخرج ما عند
    إسماعيل بهذه المشاورة تهيئة له ليكون
    أدعى للتسليم لحكم ربه وأعظم لثوابه
    بصدور الرضا منه ولهذا حين قال متأدبًا
    مع أبيه الخليل عليهما الصلاة والسلام
    "يا أبت افعل ما تؤمر "
    نفهم أنه قد عقل الرسالة بين يدي أبيه
    ولو قُدّر جدلا أنه نازع أباه، لسعى إبراهيم
    في حمله على ما فهم من أمر ربه .
    وهنا حكمة تربوية : أن الأب لو أراد عمل
    شيء لصالح ابنه قد يكون مكروها له من
    وجه،فإنه يحسن أن يقدّم للأمر بعرضه عليه،
    لا أن يجعلها في صورة الأمر الحتمي من
    أول مرة .



    الخلاصة :-
    العلاقة طردية بين عمق اليقين الجازم في
    النفس وبين التسليم للأمر الإلهي والثبات
    عليه مهما جاء ثقيلا تكرهه النفس وتستبشعه
    وتجهل الحكمة فيه !
    لذلك أرى أنّ رسالة المشهد الأهم هي
    السعي بكل ما أوتينا من قوة لتعميق
    جذور اليقين في النفس لنقف بصورة
    مقبولة الثبات على أقل تقدير أمام زلزلة
    الابتلاءات !

    هذا ما قرأته في المشهد الجليل
    وأرجو أن أكون قد وفقت في القراءة .



    ..

  10. #30
    من أهل الدار
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيفرة دافنشي مشاهدة المشاركة
    قراءة تستحق الوقوف.. و غنى صاحبها عن إشادة من هو مثلي تجعلني أدخل في صلب ملاحظاتي على هامش القراءة :
    أحيل تأملك الدقيق صديقي لمفاهيم الأزمنة الواردة هنا : زمن الكتابة ! زمن القصة المضمن داخل بنية الشخصيات .. زمن الخطاب / زمن القراءة .. كمفهومين داخل بنية سيرورية تفاعلية تحقق نفسها بشكل لا نهائي كأفعال تاريخية ...
    ثم الإشارة للتأثير النصي أو الخطابي من خلال إبراز علاقة الأبوة/ البنوة .. قياسا مع الإمكانات التأثيرية النصية الهائلة يعد من التأثيرات الطافية على سطح فعل التلقي بين نص/خطاب و متلقيه .. في حين تهز التأثيرات النصية الهائلة باطن المتلقي و تهدد معاييره بطرق مبتكرة مذهلة خفية غير ظاهرة أو مألوفة .
    الملاحظة الأخيرة تتعلق بالمعرفة كقيمةللوعي .. و الحال أن التصديق لا المعرفة هو ما جعل إسماعيل يستسلم لطقوس لا تختلف عن طقوس وثنية تضحي بالبشر على مذابح و محارق آلهة تنتظر الولاء ..

    أدون و أؤكد متابعتي تلميذاً في هذا الصرح المعرفي القيم .. بوركت و أنت تعلمنا و تسمو بنا .. كل الحب أيها الكبير راهب
    ما ابهاني وانت تضيء احرفي التي لا ادعي كمالها بملاحظاتك القيمة اغناءً وربما تصحيحاً ... وقد قصدت من عم تحديد زمن القص هو التحديد الزمني الصريح ... انما اوافقك جداً في ان النص قد حدده ضمنياً بشخصياته الواقعية...
    لعل كسر افق التلقي يكمن في رد اسماعيل على الرغم من انه لم يقترف ما يمنح فعل الذبح شرعيته ... ولعل هذا الرد قد هيّمن على النص بوصف نتائجه استباقاً زمنياً للتربية العملية التي تؤهله للاصطفاء النبوي ...

    اضاءة عميقة بعمق معنى صاحبها المجيد ... وهي ما تجعلني بهياً في حضرة القراءة وادواتها ...
    امتنان كبيررر ايها القدير

صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 12 34 الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال