باب ذكر من راه



]فصرت إلى صابر (صاريا ) فلما أشرفت على الوادي رأيت عنيزاتٍ عجافاً ، فدخلتُ القصر فوقفتُ أرقب الأمر إلى أن صلّيت العشاءين ، وأنا أدعو وأتضرّع وأسأل ، فإذا أنا ببدر الخادم يصيح بي : يا عيسى بن مهدي الجوهري !.. ادخل ، فكبّرتُ وهلّلتُ وأكثرتُ من حمد الله عزّ وجلّ والثناء عليه .
فلما صرتُ في صحن القصر ، رأيتُ مائدةً منصوبةً ، فمرّ بي الخادم إليها فأجلسني عليها ، وقال لي : مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت في علتك وأنت خارجٌ من فيد ، فقلت : حسبي بهذا برهاناً ، فكيف آكل ولم أرَ سيدي ومولاي ؟.. فصاح : يا عيسى !.. كُلْ من طعامك فإنك تراني .
فجلستُ على المائدة فنظرتُ فإذا عليها سمكٌ حارٌّ يفور ، وتمرٌ إلى جانبه أشبه التمور بتمورنا ، وبجانب التمر لبن ، فقلت في نفسي : عليلٌ وسمكٌ وتمرٌ ولبنٌ ؟!.. فصاح بي : يا عيسى !.. أتشكّ في أمرنا ؟.. أفأنت أعلم بما ينفعك ويضرّك ؟.. فبكيتُ واستغفرتُ الله تعالى ، وأكلتُ من الجميع ، وكلما رفعتُ يدي منه لم يتبين موضعها فيه ، فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا ، فأكلتُ منه كثيراً حتى استحييتُ .
فصاح بي : لا تستحي يا عيسى !.. فإنه من طعام الجنة لم تصنعه يد مخلوقٍ ، فأكلتُ فرأيتُ نفسي لا ينتهي عنه من أكله .
فقلت : يا مولاي !.. حسبي ، فصاح : أقبل إليّ ، فقلت في نفسي :
آتي مولاي ولم أُغسّل يدي ؟.. فصاح بي :
يا عيسى !.. وهل لما أكلت غمر ؟.. فشممتُ يدي وإذا هي أعطر من المسكّ والكافور ، فدنوتُ منه (علية السلام) فبدا لي نورٌ غشي بصري ، ورهبتُ حتى ظننتُ أنّ عقلي قد اختلط ، فقال لي :
يا عيسى !.. ما كان لك أن تراني لولا المكذِّبون القائلون بأين هو ؟.. ومتى كان ؟.. وأين وُلِد ؟.. ومن رآه ؟.. وما الذي خرج إليكم منه ؟.. وبأي شيءٍ نبّأكم ؟.. وأي معجز أتاكم ؟.. أما والله لقد دفعوا أمير المؤمنين مع ما رووه وقدّموا عليه ، وكادوه وقتلوه ، وكذلك آبائي (علية السلام) ، ولم يصدّقوهم ، ونسبوهم إلى السحر وخدمة الجنّ إلى ما تبيّن .
يا عيسى !.. فخبّر أولياءنا ما رأيت ، وإياك أن تخبر عدونا فتسلبه ، فقلت : يا مولاي !.. ادع لي بالثبات ، فقال : لو لم يثبّتك الله ما رأيتني ، وامضِ بنجحك راشداً ، فخرجتُ أكثر حمداً لله وشكراً . ص70
المصدر: مدينة المعجز