بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
اللصلاة منزلة عظيمة في الإسلام، فهي أفضل الأعمال الدينية، وأحب الأعمال إلى اللَّه تعالى، وهي من أعظم الطاعات، وأفضل العبادات، وهي عمود الدين، إن قبلت قبل ما سواها، وإن ردت ردَّ ما سواها، وهي آخر وصايا الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، وهي معراج المؤمن اليومي إلى عالم الملكوت.
وقد حثَّ القرآن الكريم على المحافظة على الصلاة، وأدائها في مواقيتها، والالتزام بشرائطها وواجباتها وآدابها، يقول اللَّه تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾[1] ويقول تعالى: ﴿..فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾[2] ويكفي أن تعلم أنه قد ورد ذكر الصلاة في القرآن الشريف 99 مرة، مما يوحي بأهمية الصلاة ومكانتها المقدسة في الدين.
وقد روى المؤرخون أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان من أعبد الناس في زمانه، ومن أكثرهم اهتماماً بالصلاة حتى في الظروف الصعبة، وإليك بعض ما أثر عن محافظته وإقامته للصلاة في النقاط التالية:
1- كثرة صلاته:
عرف الإمام الحسين (عليه السلام) بكثرة صلاته وصيامه، ومناجاته لله تعالى وقد أشاد بعبادة الإمام الحسين (عليه السلام) المؤالف والمخالف، فهذا ابن الأثير يقول: «وكان الحسين رضي الله عنه فاضلاً، كثير الصوم، والصلاة، والحج، والصدقة، وأفعال الخير جميعها»[3].
وقال عبدالله بن الزبير: «أما والله لقد قتلوه، طويلاً بالليل قيامه، كثيراً في النهار صيامه»[4].
وكان أكثر أوقاته مشغولاً بالصلاة والصوم، وكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة كما حدث بذلك ولده زين العابدين[5].
2- إحياء ليلة العاشر بالعبادة والصلاة:
في عصر يوم التاسع من محرم سنة 61هـ أمر الإمام الحسين (عليه السلام) أخاه العباس أن يطلب من الجيش الأموي تأخير المعركة من ليلة عاشوراء إلى يومها وذلك للتفرغ للعبادة والصلاة والدعاء والاستغفار.
فقد ذكر العلامة المجلسي أن الإمام الحسين (عليه السلام)، قال لأخيه العباس (عليه السلام)
يوم التاسع من المحرم: «ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غد، وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني كنت قد أحب الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار»[6].
وروى الطبري في تاريخه مثل ذلك: إن الإمام الحسين (عليه السلام) قال لأخيه العباس:
«ارجِع إلَيهِم، فَإِنِ استَطَعتَ أن تُؤَخِّرَهُم إلى غُدوَةٍ وتَدفَعَهُم عِندَ العَشِيَّةِ؛ لَعَلَّنا نُصَلّي لِرَبِّنَا اللَّيلَةَ، ونَدعوهُ ونَستَغفِرُهُ، فَهُوَ يَعلَمُ أنّي قَد كُنتُ احِبُّ الصَّلاةَ لَهُ، وتِلاوَةَ كِتابِهِ، وكَثرَةَ الدُّعاءِ وَالاستِغفارِ!»[7].
أما كيف أحيا الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه تلك الليلة؟
يشير المؤرخون والرواة إلى أن الإمام (عليه السلام) وأصحابه قد أحيوا ليلة عاشوراء بالعبادة والصلاة والدعاء والاستغفار.
قال الراوي: «وباتَ الحُسَينُ عليه السّلام وأصحابُهُ تِلكَ اللَّيلَةَ ولَهُم دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحلِ، ما بَينَ راكِعٍ وساجِدٍ وقائِمٍ وقاعِدٍ،....وكَذا كانَت سَجِيَّةُ الحُسَينِ عليه السّلام في كَثرَةِ صَلاتِهِ وكَمالِ صِفاتِهِ»[81].
وذكر ابن كثير عن الحارث بن كعب وأبي الضحاك عن عليّ بن الحسين [زين العابدين] عليه السّلام:
«باتَ الحُسَينُ عليه السّلام وأصحابُهُ طولَ لَيلِهِم يُصَلّونَ ويَستَغفِرونَ ويَدعونَ ويَتَضَرَّعونَ، وخُيولُ حَرَسِ عَدُوِّهِم تَدورُ مِن وَرائِهِم، عَلَيها عَزرَةُ بنُ قَيسٍ الأَحمَسِيُّ، وَالحُسَينُ عليه السّلام يَقرَأُ: ﴿وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ* ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ [9] »[10].
وفي أنساب الأشراف: «لَمّا جَنَّ اللَّيلُ عَلَى الحُسَينِ عليه السّلام وأصحابِهِ قامُوا اللَّيلَ كُلَّهُ يُصَلّونَ ويُسَبِّحونَ ويَستَغفِرونَ ويَدعونَ ويَتَضَرَّعونَ »[11].
لقد أرادوا أن يلاقوا الله تعالى بقلب سليم ونفس مطمئنة، وهم يسألون الله العفو والمغفرة والرحمة؛ وقد سهروا تلك الليلة لإحيائها بالعبادة والصلاة والدعاء حتى أنه لم يذق أحد منهم طعم الرقاد كما يروى في بعض المصادر التاريخية.
3- الإتيان بالصلاة جماعة في اليوم العاشر:
كان الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) حريصاً على أداء الصلاة حتى في أصعب الأوقات وأحلك الظروف، فقد أدى الصلاة جماعة بأصحابه في اليوم العاشر من المحرم والأعداء تهجم عليه من كل حدب وصوب، والسهام تنهال على جسده الطاهر، إلا أنه كان لا يبالي بكل ذلك وهو واقف بين يدي لله عز وجل.
وقد جعل عبدالله بن سعيد الحنفي -وهو من أصحاب الإمام- بدنه درعاً دون الإمام الحسين من سهام العدو إلى أن أتمّ الإمام (عليه السلام) صلاته جماعة في يوم عاشوراء، وما إن انتهى الإمام من صلاته حتى قضى عبدالله الحنفي نحبه لما أصابه من السهام، حيث وجدوا على جسده الطاهر ثلاثة عشر سهماً غير ضربات السيوف وطعنات الرماح؛ فكان أول من لقب بـ(شهيد الصلاة ).
وبذلك أعطى الإمام الحسين (عليه السلام) الأمة الإسلامية درساً في وجوب المحافظة على الصلاة، والإتيان بها في الشدة والرخاء، في العلن والسر، في السلم والحرب، في القوة والضعف، فالصلاة هي عمود الدين التي لا تترك بأي حال من الأحوال.
......................
الهوامش:
[1] سورة البقرة، 138.
[2] سورة النساء، 103.
[3] أسد الغابة، ج 2، ص 23 – 24.
[4] الكامل في التاريخ، ج 4، ص 99. أنساب الأشراف، ج 5، ص 304.
[5] بحار الأنوار، ج44، ص196، رقم10.
[6] بحار الأنوار، ج44، ص392.
[7] تاريخ الطبري: ج 5 ص 416، أنساب الأشراف: ج 3 ص 391، بحار الأنوار: ج 44 ص 391.
[8] بحار الأنوار: ج 44 ص 394، مثير الأحزان: ص 52، المناقب لابن شهرآشوب: ج 4 ص 99.
[9] سورة آل عمران: 178 و 179.
[10] البداية والنهاية: ج 8 ص 177.
[11] أنساب الأشراف: ج 3 ص 394، المنتظم: ج 5 ص 338، الكامل في التاريخ: ج 2 ص 560 كلاهما نحوه.