بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
الناس في دعوتهم إلى الصلاة على صنفين: كالنائم الذي تريد إستيقاضه فمنهم من يستيقظ بنداء واحد وبأول نداء فيما إذا كان نائماً حقيقة، ولكن من يضرب نفسه بالنوم ولا يريد أن يستيقظ عناداً، فإنّه لو ناديته مأة مرّة فإنّه لا يجيبك ولا يستجيب لك فمثل هذا لا تنفعه المواعظ والنصائح فهو ممن تولّوا، ولكن معذرة إلى الله نقدّم النصائح ولإتمام الحجة ثم ورد في سيرة النبي الأعظم ‘ أنّه قال لأصحابه: بأنه من يموت أو يولد له مولد نخبر بذلك، حتى يعزيه أو يبارك له، وكانت إمرأة عجوزة تخدم في المسجد، فافتقدها رسول الله‘ وسأل عنها، فقالوا: ماتت، فقال: لِمَ لم تخبروني بذلك، ثم أخذ أصحابه إلى قبرها، وبهذا العمل لان قلوب أولادها وأحبّوا المسجد وأحبّوا الصلاة.
فالصلاة ثقيلة وكبيرة إلّا على الخاشعين، ومن كان ليّن القلب وعالماً بنعم الله سبحانه، كما كان عارفاً بفلسفة الصلاة وحكمها وفوائدها وأسرارها في الفرد والمجتمع، في الدنيا والآخرة، فإنّه يكون في الصراط المستقيم مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً في الدنيا والآخرة.
وأمّا من قسى قلبه وحشن وكان كالحجارة أو أشد قسوة من كثرة الذنوب والمعاصي ومن دون توبة وإستغفار، فإنّه من الصعب أن ينقاد إلى الصلاة بل ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ﴾(الروم: 10)، ولكن مع ذلك لا تياس من رحمة الله وروحه، فإنّه يهدي من يشاء وأنه مقلب القلوب، وإنّ قلب المؤمن بين إصبعي الرحمن جلّ جلاله، ولكي تعتذر عند ربك ادع إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة كلّ من تعرفه إلى إقامة الصلاة بالنحو المطلوب، كما تزداد أنت في معرفتها وإقامتها كما يقيمها أولياء الله العارفين به حقّ المعرفة...
فهلّا شكرتموني بصلاتكم؟ وإني غني عن صلاتكم وإنّما حبّاً بكم أمرت بالصلاة لما جعلت فيها من المصالح الملزمة والفوائد العظيمة التي ترجع إليكم فمنكم وإليكم ولا أريد بكم إلّا اليسر والخير والسعادة، فما لكم كيف تحكمون؟!، فإنّ من فوائد الصلاة الشكر لله سبحانه، وتحكيم عُلقة الحبّ والمودة والولاء بين العبد وبین ربّه فمن يتوجه إلى النّعم الإلهية يخشع قلبه، ويلين وتخضع جوارحه، فيقيم الصلاة بخشوع قلبي حميد، وخضوع جوارحي فريد ، ومن هذا المنطلق فإنّ الله سبحانه أيضاً يذكّر الإنسان بنعَم الله الظاهرية والباطنية، الكلّية والجزئية، الفردية والإجتماعية كما في قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ (البلد: 8ـ 10) ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً * وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً * وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً ﴾ (النبأ: 6: 16) ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ (الكهف: 18) فلو لم يكن التقلب إلى اليمين والشمال حين النّوم، فإنّه يبتلي الإنسان بالشلل النصفي، فمثل هذه النعم عندما يذكّر بها الإنسان أو يتذكّرها هو بنفسه أو يذكّر بها الآخرين، فإنّه تلين القلوب حينئذٍ ويزداد حباً لله سبحانه، وإنّ وجدانه وضميره يؤنبه لو لم يشكر صاحب النِعّم، فإنه من يهدي إليك وردة، فإنّك لا محالة عقلاً ونقلاً وعقلائياً ووجداناً تشكره على ذلك، فما بالك بالله الذي أنعم عليك بما لا يقاس بالوردة بنعم عظيمة وجسيمة لا تعدّ ولا تحصى، فهل بعد هذا يمكن لواحد منّا أن يتهاون بصلاته؟!.. قاتل الله الإنسان فما أكفره، وما أكثره وقاحةً، فإنّ الكلب لو ألقى الیه عظماً، فإنّه يحرك ذنبه شاكراً، فهل يصل بالإنسان الذي هو أشرف المخلوقات أن يكون كالأنعام بل أضل سبيلاً، فما هذه الغفلة والغفلات ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ ﴾ (الأعراف: 179) ومن الناس كبلعم الباعور وإن كان عالماً بل يعرف الإسم الأعظم إلّا أنه حبّ الدنيا أخذ بقلبه، وحبّ الدنيا رأس كل خطيئة، فصار كالكلب كما في قوله تعالى ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (الأعراف: 176) فمن يرضى لنفسه ولأحد من أقرباءه أو أصدقاءه أن يكون كلباً؟! فمن يكذب بآية الصلاة الكبرى فإنّه كالكلب أن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث فكيف تعيش الزوجة المؤمنة المصلية مع زوج لم يصل أي مع كلب وكيف للزوج أن يعيش وينام مع كلبة لم تصلّ؟!