بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته



عز الربوبية وذلّ العبودية
للعبادات عمومًا وللصلاة بشكل خاص وأساسي سرٌّ خطير يمكن لمن يكتشفه أن يطوي عالم الدنيا ويخرج من قيود النفس وأن ينعتق من أسر أهوائه وما تجرّه من عثرات على مستوى سلوكه اليومي، لتصبح حينها أفعاله خاضعة للمعايير الإلهية بشكل تام. هذا السر أو الأدب القلبي كما يعبر عنه الإمام الخميني (قدس سره) هو "التوجه إلى عز الربوبية وذل العبودية".
فما المقصود بهذه العبارة؟
عندما يمر الواحد منا في مواقف محزنة وصعبة يجد نفسه أمام أسئلة جذرية ومصيرية:
• لماذا يريد الله لي أن أتعب وأشقى؟
• لماذا يضعني في مواضع الابتلاء والاختبار؟
• وإن كان له هدف ما، فلماذا لا يوصلني إليه مباشرة ومن دون كل هذا العناء؟


في الواقع نحن محقون في تساؤلاتنا تلك، فالخالق الرحيم الرؤوف المحب العطوف لا يريد لنا إلا كل الخير والصلاح والإستقامة، والدليل أنه خلق أبونا آدم (عليه السلام) في الجنة وليس على الأرض. فقد كان مشروعه منذ البداية هو أن نعمر الجنة ونسكنها.. فما الذي حدث؟
ما حصل بعدها أن جنس البشر أظهر أنه في طبيعة خلقته ضعيف ومحتاج ومحبّ لنفسه وملتفتٌ إليها ولديه استعداد كبير للغفلة عن الحق سبحانه، ثم وكنتيجة لهذه الغفلة وحب النفس سيتحول الى مخلوق مفسد وظالم.

ومن هنا كان لا بد له من تربية وصقل، ليتحدد على أثرها إن كان لائقًا بالجنة أم لا، ولذلك فإن التحدي الأول للعبادات وللصلاة تحديدًا يقع في هذه الدائرة. وهو أن يتوجه الإنسان إلى خالقه بكلّه، ويخرج من أسر نفسه وأهوائها ليقر له عز وجل بمطلق الربوبية، ويقر لنفسه بمطلق العبودية.
يصف الإمام الخميني قدس سره كمال ونقص إنسانية أي إنسان بمقدار نظره إلى عبودية نفسه أمام الله، وبقدر نظره إلى أنانيته وحبه لنفسه يكون بعيدا عن كمال الإنسانية ومهجورًا من مقام القرب الربوبي.

"فإذا ترك العبد التصرفات من عنده وسلّم حكومة وجوده كلها إلى الحق، وخلّى بين البيت وصاحبه وفني في عز الربوبية فحينئذٍ يكون المتصرف في الدار صاحبها وتصير تصرفات العبد تصرفًا إلهيًّا.. وكلما قوي هذا النظر زادت روحانيته في العبادة وكانت روح العبادة أقوى".

فالإنسان عند الصلاة وعند كل عبادة بل في كل نظرة ينظرها وكل نفَسٍ يتنفسه عليه دومًا أن يتذكر أنه الفقر والعدم المحض، وأنّ كل وجوده وما يحسن ويجمل منه هو ليس إلا فيضٌ من رب القوة والعزة ذو الجلال.

هذا هو المعنى الكلي للصلاة بأنها تجعل العبد يشعر ويلتمس حقيقة عبوديته وافتقاره وذلّه أمام الله الغني المطلق.
والعلاقة بهذه الكيفية تصبح ذات لذة معنوية عظيمة.


تخيلوا حاجة العطشان إلى الماء كيف تكون علاقته مع الماء في تلك اللحظة؟
أو علاقة الفقير المعدم إذا حصل على المال، فكيف ينظر إلى المال الذي بين يديه!
هذه المقارنة نفسها تنطبق على الصلاة: أنت محتاج بشدة إلى موجود غني، وموعد الاتصال واللقاء به والمناجاة بينك وبينه هو عن طريق الصلاة.. فكيف يمكن أن يكون هذا الموعد وهذا اللقاء؟