"خضع لعملية جراحية"؟ :
الحقيقة أن خضع لا تدلّ على ما يُرادُ منها اليوم من دلالة جديدة، فهي في أصلها المعجميّ تدلّ على ذَلَّ، والخُضوعُ التّواضع والتّطامُن،
ورجل أخضع وامرأة خضعاءُ: وهما الراضيانِ بالذّلّ، وخضع الرجل وأخضع أي ألانَ كلامَه للمرأة، وفي التنزيل: «{يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء
إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً»(الأحزاب32:)ففي معنى الانقياد والمطاوعة في الآية
والعرب تقول: اللهم إِنـي أَعُوذ بك من الـخُنُوع والخُضُوع؛ فالخانِعُ الذي يدْعو إِلـى السوأَة، والخاضعُ نحوه
أمّا السياق الذي تُستعمَلُ فيه اليوم فهو سياق غربي بألفاظ عربية، أي إنّ العبارة مترجمةٌ من قولِهم في الفرنسية مثلا:
il a subit une intervention chirurgicale
أو الإنجليزية:
He was submitted to a surgical operation
ولعلّ الأصوبَ أن نقولَ : عُمِلَت لفلانٍ عمليّةٌ جراحيّة، أو نُفِّذت له عملية جراحية
أما خضع فتحمل معنى الذّلّة والمهانة والاستكانة والتواضع، و الرِّضا عن ذلّ واستكانة
وقد يُقالُ نُخرِجها عن دلالتها الأصلية إلى دلالة مجازية
يقتضيها السياق التداوُلِيّ اليومَ، لا اعتراض على مبدإ توسيع الدّلالة لمقتضى العصر والتطوّر ولكن الاعتراض على ترك لفظ فصيح والعدول عنه إلى ما هو دونه ،
للدلالة على المعنى نفسِه، وسبب هذا العدول قد يكون جهلاً بالفصيح وقد يكون جريا وراء الجاهز المشهور من دون الالتفات إلى الصواب المهجور، وقد نقلت مقالة
عن الأستاذ سعيد الأفغاني رحمه الله عن موضوع الصواب المهجور والخطإ المشهور سمّيتُه قاعدة مُفْتَرَاةٌ: خطأ مشهور خير من صواب مهجور.