بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
ورد في وصية رسول الله ﷺ لأمير المؤمنين : يا علي تارك الصلاة يسأل الرجعة إلى الدنيا، وذلك قول الله تعالى: ”حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون - الآية“» «بحار الأنوار ج 74 ص 60».
صرخة مدوية لا مثيل لها في قدر الألم النفسي في مواجهة الخسارة الأبدية التي لا تعويض لها، أمنيات فارغة لا موجب لها ولا أمل في الاستجابة لها قد تأخرت كثيرا كثيرا، فالسعة الزمنية كانت بعدد أنفاسنا لإعادة الحسابات وتعويض ما فات وتأهيل النفس لاستقبال أهوال الحساب والجزاء، ولكنها نغمة الهدر والتسويف والانشغال عن الأهداف العالية دونما شعور بسرقة أعمارنا شيئا فشيئا، وكأن الرحيل أمر غير وارد في قرارة أنفسنا ولا نتوقع حلوله بنهاية الآجال، ويا سبحان الله، فكل شيء من حولنا ينطق بالأفول فظننا أننا استثناء من قانون الطبيعة فلا زوال ولا اضمحلال لوجودنا، وكم من رنة جرس إنذار تذكرنا بما غاب تأثيره على سلوكنا وهو الموت، فآه ثم آه من تفريطنا بعقد الزمن الثمين الذي زين الباري به جيدنا ولكننا فرطنا بعقد حباته وأسقطنا الاستفادة من ثمنه، فأي جناية ارتكبناها بحق أنفسنا فظلمناها بوقوعها في مواطن السخط الإلهي، فهل حاسبنا أنفسنا على ما هو بدهي الصدور منا وهو الخطأ والتقصير، فبادرنا لمعادلة تقسيم الأوقات وتجنب التفريط؟!
وأي شيء هو الموت في حقيقته، هل هو ظل شبح يطاردنا ويؤرقنا في حلوله، أم هو قنطرة نعبر منها إلى عالم الخلود الأبدي في نعيم أو عذاب إلهي؟
هو كأس المنية الساقي كل مخلوق بلا استثناء وبلا توقيت محدد، وكأنه خبط عشواء يخطف في كل يوم وليلة خلقا كثيرا، ولا نعلم بالحكمة الإلهية في تقديره لكل إنسان بين قصر عمر ومديده، ولكن اليقين الذي نتوثق منه ونركن إليه أن الخالق يفعل بنا أجمل شيء لنا منزهين له عز وجل من الظلم.
مفارقة عجيبة بين طلب التدارك للخطأ والتقصير بين مشهد الدنيا وموقف الآخرة، فهناك طلب في خارج الوقت ومع إعلان ختم صحيفة أعمالنا وأفول أعمارنا، في لحظات الاحتضار ومفارقة الدنيا تبصر العين ما غاب عنها طوال تلك السنين، ويقف المرء على حقيقة ما سيواجهه بعد الموت إذ عرف حينها مصيره، فيصرخ صرخة مستعجلة - بنظره - يتوسل فيها إعادة عقارب ساعة عمره والرجوع إلى دنيا قوة البدن وفسحة الوقت لتصحيح وتدارك ما فاته، يعلن استعداده لإصلاح ما خربه وأفسده على مستوى علاقته بربه وحقوق الناس، فهلا إجابة لنداء هذا المبتلى من رب رحيم وسع حلمه شقوته أعواما وأعواما!!
صرخته واستغاثته ليست في محلها ولذا لا اعتناء بها أصلا ولا رصيد لها من الالتفات، فما بعد الحياة الدنيوية ليست بميدان عمل وتدارك وقضاء ما فات، بل هي دار الحساب والمجازاة على ما قدمت نفسه واجترحت يداه من عمل، وكانت عنده فسحة متسعة ليعدل من وضعه، إذ لو حاسب نفسه وفكر في أحواله ومآله لأورثه ذلك اليقظة والنباهة والمسارعة إلى التوبة والاستغفار، ففي كل يوم جديد تتجدد له فرصة التعديل والتدارك فعليه أن ينتهزها ويتخلى عن كل ذنب وسلوك خاطيء يخاف مواجهة المحاسبة والمجازاة عليه يوم يأتي لربه فردا وحيدا.
رب ارجعون تحل في مضمارها المناسب حينما نقف بين يدي الرب الجليل في الصلاة خاشعين منكسرين تسوؤنا ذنوبنا، رب ارجعون ينطق بها بعد كل معصية يرتكبها فيسرع نحو الندم والتوبة واقتلاع منابتها في فؤاده، وتارك الصلاة عنوان للتقصير وارتكاب السيئة بما أنها عنوان عمل العبد وأول ما يسأل عنه، فمن ضيعها فهو لغيرها مضيع ولا يقبل منه أي عمل صالح وهو متهاون في صلاته، سواء تهاون بتركها أو تأخيرها عن وقتها أو التجوال بذهنه أثناء الصلاة في عمله وعلاقاته حتى يفرغ الصلاة من روح التذلل.